يأتي مرض "جدري القردة" بعد وباء كورونا وتداعياته على حياة الناس في مختلف أنحاء العالم، إذ لم يكد العالم يتحرّر من وطأة الضغوط التي فرضتها الجائحة بوفياتها وأحزانها ونظام حجرها الصارم... حتّى أطلّ "جدري القردة" بهواجس جديدة وأخبار، وتحوّل إلى مصدر قلق جديد، بدا وكأنّنا مضطرون إلى التحضّر له، بحسب ما يتم تداوله من أخبار.
بناءً عليه، بدأت المقارنة تُقام بين كورونا وجدري القردة باعتبارهما من الأمراض الفيروسية؛ وكما استدعى كورونا استخدام الكمامة طوال الفترة الماضية لتأمين الحماية منه، قد يتطلّب "جدري القردة" العودة إليها للحدّ من خطر انتقال العدوى.
ما أوجه التقارب بين المرضين، وأين الاختلاف؟
أصبح واضحاً أن "جدري القردة" يُصنّف ضمن الأمراض الفيروسية، تماماً كفيروس كورونا؛ وقد يكون هذا السبب وراء الربط في الأذهان ما بين المرضين، بحسب ما أوضحت رئيسة قسم الأمراض الجرثوميّة في المركز الطبي للجامعة اللبنانية – الأميركية (مستشفى رزق)، الدكتورة رولا حصني سماحة. لكن أعراض المرضين مختلفة.
في الواقع، تُرجّح سماحة أن يكون وباء كورونا أقرب إلى فيروس الجدري القديم، الذي تمّ القضاء عليه منذ عشرات السنين؛ أمّا جدري القردة فينتمي إلى عائلة الجدري لكن بطبيعة مختلفة، علماً بأن أوّل حالة ظهرت في جمورية كونغو الديمقراطية في العام 1970، ممّا يعني أنّ الفيروس المُسبّب ليس من الفيروسات المستجدّة.
أما في ما يتعلّق بطريقة انتقاله، فتوضح سماحة بأنّها مشابهة لتلك التي ينتقل بها وباء كورونا وباقي الأمراض الفيروسية، بما أن كافة الأمراض الفيروسية تنتقل عبر الجهاز التنفسيّ بواسطة الرذاذ أو النَفَس أو عبر لمس مساحة ملوّثة بالفيروس. لكن ما هو مختلف في مرض جدري القردة أن عامل اللمس يطغى بشكل خاصّ، لاعتبار أنه يُمكن أن ينتقل من خلال البثور المنتشرة في مختلف أنحاء الجسم، ممّا يزيد من فرص نقل العدوى بهذا الشكل. أمّا العدوى بواسطة النفس، فقد تكون ذات معدّلات أقلّ بالمقارنة مع فيروس كورونا الذي ينتقل بشكل أساسيّ بهذا الشكل، بما أن فيروس "جدري القردة" ينتقل من خلال النفس من مسافة قريبة جداً، بل قد يكون من الصعب أن ينتقل من مسافة بعيدة، كما هي الحالة مع كورونا. وبالتالي، فإنّ أكثر الناس عرضة لالتقاط العدوى هم أولئك الذين يقدّمون الرعاية لمريض مصاب بـ"جدري القردة" من أفراد عائلة أو من عاملين في الجسم الطبيّ، بسبب لمس التقرّحات والبثور المنتشرة على جسمه.
هل يعتبر "جدري القردة" بخطورة فيروس كورونا؟
يختلف "جدري القردة" من حيث الخطورة والمضاعفات عن فيروس كورونا. وفق ما تؤكّده الأرقام، فإنّ معدّل الوفيات قد يتراوح ما بين 2 و10 في المئة، بالاستناد إلى الجدري الذي كان موجوداً سابقاً لا إلى الواقع الحالي. فـ"جدري القردة" يُسبّب التهاباً عاماً، فيما يُصيب فيروس كورونا بشكل أساسي الرئتين بالتهاب.
أما لجهة الأعراض فتعتبر تلك المرافقة لفيروس كورونا تنفسيّة بشكل أساسيّ، فيما يُسبّب "جدري القردة" أعراضاً كارتفاع الحرارة والطفح الجلديّ في مختلف أنحاء الجسم، بالإضافة إلى الألم في الرأس.
هل صحيح أن الحماية من "جدري القردة" قد تكون متاحة بوساطة لقاح الجدريّ المعروف؟
لا يُعتبرون محميّين من مرض "جدري القردة" كلّ أولئك الذين تلقّوا لقاح الجدري، بخلاف ما يُشاع، إنّما المحميّون أولئك الذين تلقّوا لقاح الجدري الأسبق، وهم الأكبر سناً المولودون قبل العام 1976. أمّا لقاح الجدري الحالي فلا يحمي من "جدري القردة".
هل طريقة الوقاية من فيروس "جدري القردة" مشابهة لتلك المعتمدة في الوقاية من فيروس كورونا؟
بما أن كلا المرَضين من العائلة الفيروسيّة، فمن الطبيعيّ أن تكون طرق الوقاية مشابهة. لكن بما أنّ "جدري القردة" ينتقل أكثر من خلال اللمس يُصبح من المهمّ الحرص على تجنّب الاقتراب أو لمس جسم المصاب، مع الإشارة إلى أنّ هذا الفيروس يستمرّ بالانتقال طوال 3 أسابيع، يجب خلالها الحرص على الوقاية. أمّا بالنسبة إلى الكمامة فتعتبر أيضاً من وسائل الوقاية للمحيطين بالمريض، والذين يقدّمون له الرعاية، وفق ما تؤكد سماحة.