النهار

سرطان يمكننا تجنّبه... فلماذا لا نفعل؟
المصدر: النهار
سرطان يمكننا تجنّبه... فلماذا لا نفعل؟
سرطان عنق الرحم.
A+   A-
 
عندما كانت سامنتا في السابعة والعشرين من عمرها، اكتشفت أنها مصابة بسرطان عنق الرحم. يتسبّب فيروس الورم الحليمي في معظم حالات سرطان عنق الرحم تقريباً. قررت سامنتا مشاركة قصتها لتشجيع الأهل على حماية أولادهم من فيروس HPV بتوفير التلقيح لهم.
 
وتروي سمانتا قصتها عندما بدأت تشعر بأعراض لم تأخذها على محمل الجد في البداية، تقول إنه "بعد عام من علاقة حبّ، بدأتُ أعاني من آلام شديدة في الحوض. كنتُ أستيقظ تقريباً كل يوم متألمة فاضطرّ إلى تناول الأسبرين قبل أن أستكمل نهاري. كذلك بدأتُ أنزف قليلاً بعد العلاقة الجنسية، ومع ذلك انتظرت حوالى العام تقريباً قبل استشارة طبيب. أنا من الأشخاص الذين لا يذهبون إلى الطبيب إلّا أذا كانت الأمور سيئة حقاً".
 
وتعترف: "كنت أؤجّل فحص الزجاجة العادي لعنق الرحم لأني كشابة في العشرينات من عمري، لم أعتقد أنني في حاجة للذهاب إلى تلك المواعيد الدورية".
وأخيراً ذهبت سامنتا إلى الطبيب، برأيها أنّ "الفحص لن يستغرق طويلاً، ولكن شعرتُ أن الفحص قد استغرق وقتاً غير معتاد، ليؤكّد الطبيب أنّه يرى شيئاً لا يُطمئن".
 
للوهلة الأولى ظنّت سمانتا أنها ربّما تعاني من عدوى سيئة، لكن عندما اتصل الطبيب للتأكّد من وجود اختصاصي لإجراء الفحوص أدركت عندها أنّ حالتها أسوأ ممّا كانت تظن. وبدأت تطرح على نفسها الأسئلة الآتية: "لماذا لم أستشر الطبيب سابقاً؟ لماذا لم أهتمّ بنفسي بما فيه الكفاية؟ ماذا فعلت؟"
 
توضح سمانتا "لم أتلقَّ لقاح فيروس الورم الحليمي في عمر 11 أو 12 عامّاً لأنه ببساطة لم يكن متوفّراً. حصلت على الجرعتين عندما بلغتُ 18 عاماً لكن يبدو أننّي أصبت بالفيروس قبل أن أحصل على الجرعة. هنا تكمن أهمية التلقيح في سنّ مبكر".
 
 
كنتُ عاجزة تماماً
 
مخاوفها بدأت تكبر منذ زيارتها الطبيب وإجراء فحص الخزعة، بعد أن تلقّت اتصالاً من الطبيب يعلمها بنتائج الفحوص، وأنّها تعاني من سرطان عنق الرحم. تصف تلك اللحظة قائلة: "لقد صدمت بالفعل، لم أتمكن من الكلام أو فعل أيّ شيء. لقد كنت عاجزةً تماماً".
 
خضعت سامنتا إلى العلاج الشعاعي والكيميائي المكثفين، وخلال رحلتها العلاجية تشير إلى "أنني كنت ضيفة جداً، حزينة جداً، كنتُ في مرحلة اكتئاب. كنتُ اتقيأ طوال الوقت ولم أكن اتناول إلّا القليل من الطعام. غرقت في مرضي مستسلمة تماماً. لكن الضحك يشفي كلّ شيء، فقد كنتُ عاجزة حتى عن الضحك. كنتُ محظوظة لأنّ والدتي كانت إلى جانبي طوال الوقت، لتعتني بي وتنتزعني من تلك الكآبة يومياً".
 
تسعى سامنتا إلى زيادة التوعية وتسليط الضوء على أهمية التلقيح من فيروس الورم الحليمي، وإجراء الفحوص الدورية وعدم إهمال أيّ عارض. "أنا اليوم حرمت من الأمومة، عندما تمّ تشخيص مرضي كنتُ فقط أريد أن أكون بصحة جيدة. أمّا اليوم، أشعر بندم كبير كلّ يوم، وبأنّ جزءاً من كوني امرأة قد سُرق مني. لذلك يُعتبر التطعيم والفحص الدوري سلاحين فاعلين في الوقاية".
 
 
المعركة الكبيرة
 
تَفقد امرأةٌ كلّ دقيقتين حياتَها بسبب #سرطان عنق الرحم الذي يمكن الوقاية منه. نعرف تماماً أنّ المعركة كبيرة ضدّ السرطان، والوقاية منه تجب أن تكون هدفنا الأساسيّ.
 
الواقع اليوم يختلف عمّا نطمح إليه، فالمناشدة بتعزيز التقصّي المبكر تقابله نسبة متدنية من فحوصات المسحة المهبلية لم تتعدَّ الـ 32 في المئة في لبنان. وانطلاقاً من هذا الواقع، أطلق المركز الطبي في الجامعة الأميركية مع وزارة الصحة حملة التوعية والتلقيح ضدّ سرطان عنق الرحم الممتد من 2024 حتى 2027.
وفي هذا الصدد، أشار وزير الصحة فراس الأبيض إلى مساعي الوزارة لإدخال اللقاح ضمن الروزنامة الوطنية للتحصين بحيث يصبح جزءًا من الرعاية الأولية، ومتاحًا في المراكز التابعة للوزارة، خصوصًا أنّ الدراسات العلمية أظهرت أنّ البلدان التي اعتمدت هذا اللقاح سجلت انخفاضًا في نسبة الإصابة بسرطان عنق الرحم.
 
وأكّد الوزير أن العمل يتركز مع منظمة الصحة العالمية لإظهار حاجة لبنان بالأرقام إلى هذا اللقاح، ومع المسؤولين في Gavi (التحالف العالمي للقاحات والتحصين) خلال لقاءات عقدت معهم في نيويورك وجنيف؛ بالإضافة إلى زيارة الرئيسة التنفيذية لـGavi إلى لبنان في شهر نيسان حيث سيكون موضوع اللقاح ضدّ سرطان عنق الرحم في جدول الأولويات.
 
الهدف اليوم يتمثل بالتشديد على الوقاية والرعاية الصحية الأولية بدلاً من حصر اهتمام القطاع الصحي بالعلاج فقط خصوصاً في ظلّ الأزمة الاقتصادية في لبنان. برأي الأبيض "نحن نخوض معركة كبيرة ضدّ السرطان، وهذه المعركة ليست محصورة في لبنان وإنّما في كلّ دول العالم حيث كشفت الأرقام أنّ أعداد مرضى السرطان إلى ازدياد نتيجة عوامل عديدة.
 
لكن بسبب الفوضى في لبنان سواء في الأمور البيئية والمواد التي تدخل إلى لبنان أو قلّة الوعي عند الناس، يُشكّل عائقاً لتقليل نسبة الإصابة بسرطان عنق الرحم. ومن الواجب الاستمرار بحملات التحفيز على الوقاية لأنّ وعي المواطن وإدراكه أهمية الفرص المتاحة للوقاية يجنّبانه الإصابة بالمرض".
 
 
انعدام الوقاية 
 
في العام 2013، ألقى مدير المؤسسة الوطنية للسرطان خطاباً يصف فيه كم أصبحت الحرب على السرطان أكثر صعوبة قائلاً: "هناك تناقض يجب مواجهته برغم التقدّم الهائل الذي أحرزناه في فهم الثغرات والأخطاء في الخلايا السرطانية. لم ننجح حتى الآن في السيطرة على السرطان كآفة بشرية للحدّ الذي نعتقد أنّه ممكن، ذلك لأنّنا نركز كثيراً على العلاج وليس على الوقاية".
 
ينطلق مدير برنامج WISH الدكتور فيصل القاق من هذه العبارة ليسلّط الضوء على أهمية زيادة الوعي حول سبل الوقاية والفحص الدوري المنتظم، واعتبر أنّه "لا يجوز أن تخسر المرأة حياتها بسرطان عنق الرحم، ونحن نتعاون جميعًا لإزالة خطر هذا السرطان الممكن تجنّبه بالوقاية واللقاح وتأمين حماية صحّة النساء والمجتمع".
 
يعرف القاق جيداَ أنه يمكن لسياسة الوقاية أن تحمي الناس وتنقذ الأرواح بدرجة أكبر من العلاج والجراحة. وبالتالي أكبر سبب للوفاة ليس السرطان وإنّما انعدام الوقاية. إذ يموت نحو 300 ألف امرأة سنوياً بسبب هذا المرض، في حين تُسجّل الدوائر المعنية 600 ألف حالة جديدة سنوياً، ليُصبح سرطان عنق الرحم في المرتبة الرابعة بين السرطانات الأكثر شيوعاً بين النساء عالمياً.
 
 
"إيد واحدة لا تصفّق"
 
بدوره شدّد الدكتور فضلو خوري على أهمية الوقاية من السرطان مؤكّدًا أهمية التعاون والعمل يدًا بيد مع وزارة الصحة العامة وسائر المؤسسات الحكومية الرسمية لتحقيق النتائج التي يستفيد منها المجتمع. ورأى أنّ مواجهة السرطان معركة تتطلّب الكثير من الجهود التشاركية.
 
كذلك كانت كلمات لعميد كلية الطب الدكتور ريمون صوايا، ورئيس قسم أمراض النساء والتوليد الدكتور أنور نصار والطبيبتين ماريان مجدلاني وسهى شرارة، تمّ في خلالها التشديد على أنّ الدراسات العلمية الموثوقة تظهر جدوى اللقاح ضدّ سرطان عنق الرحم الذي يحتلّ المرتبة الرابعة بين السرطانات الأكثر انتشارًا في العالم، إلّا أنّ تفاديه ممكن بالوقاية واللقاح.
 

اقرأ في النهار Premium