النهار

آدم أوّل طفل غزاوي يتعالج في لبنان: طفولة جريحة ودرس في الصمود!
ليلي جرجس
المصدر: "النهار"
آدم أوّل طفل غزاوي يتعالج في لبنان: طفولة جريحة ودرس في الصمود!
آدم أول طفل غزاوي يتعالج في لبنان.
A+   A-
تحت القصف المتواصل في غزة ورفح، وبين القنابل ونيران الغارات، يحاول أطفال غزة الاحتماء تحت سقف أو خيمة. آدم طفل غزاوي لم يسلم من وحشية القصف الإسرائيلي، أصيب بأطرافه العلوية وتذوق كأس الألم باكراً، وشاهد بعينيه الصغيرتين الموت يسكن قريباً منه، في كل حيّ وبيت ومدينة فلسطينية.
 
وفي الوقت الذي يضطر فيه الناس إلى النزوح مرةً أخرى، انقطعت إمدادات الحياة عنهم تماماً. وفق أرقام وزارة الصحة الفلسطينية أكثر من 15 ألف طفل استشهدوا منذ بدء العدوان الإسرائيلي في غزة. في حين يواجه أكثر من 17 ألف طفل فلسطيني الحياة بمفردهم بعدما فقدوا ذويهم منذ اندلاع الحرب، حسبما أكدت مدير الإعلام في وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في قطاع غزة، إيناس حمدان.
 
آدم ، إبن الخمس سنوات، واحد من الـ 17 ألف طفل فقدوا أهلهم بعد أن قصفت إسرائيل منزلهم في غزة في 29 تشرين الأول 2023 وقتلت والده وشقيقته وجدته وعمته و 3 من أولاد خالته، في حين أُصيبت والدته وشقيقه شعبان بإصابات بليغة. كذلك أُصيب آدم بجروح خطيرة في كتفه وساقه اليسرى، وحاول الأطباء في غزة معالجته بالإمكانيات المتوفرة، وبعد شهر ونصف على إصابته جرى إجلاء آدم إلى مصر لتلقي العلاج المناسب.
 
ستة أشهر على سرير المستشفى في مصر، رافقه في رحلته العلاجية عمه عيد أفانا، ولكن آدم كان بحاجة إلى متابعة دقيقة ومتخصصة، خاصة أن مسار علاجه طويل، ولم يجده إلا مع الطبيب الفلسطيني غسان أبو ستة، الذي حارب على طريقته جنون الاحتلال في غزة.
 
من مصر إلى لبنان، وصل آدم لاستكمال نضاله وترميم جروحه في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت من خلال دعم صندوق "غسان أبو ستة" لعلاج الأطفال الجرحى بسبب حرب اسرائيل على قطاع غزة. وهنا بدأت حكاية أخرى، حكاية نضال تُشبه بفصولها نضال مدينة بيروت التي ترمم جراحها بعد انفجار بيروت.
 
يُمثل آدم جرح فلسطين النازف الذي احتضنته مدينة مجروحة لا تعرف الخضوع. يرسم آدم ضحكة على وجهه، يُقاوم بطفولته ظلم الاحتلال، ومن داخل غرفته في المستشفى يلعب بألعابه، يجد نفسه كما يقول عمه "كأنه في فندق وليس في مستشفى".
 
آدم هو أول طفل جريح يأتي إلى لبنان لتلقي العلاج، ويؤكد الطبيب غسان أبو ستة لـ"النهار" أن اختيار لبنان يعود إلى الخبرة والتمييز بهذا النوع من الإصابات المعقدة في القطاع الصحي اللبناني ليس له مثيل في مكان آخر. ونتيجة إرث الحروب المتلاحقة تحوّل لبنان إلى مركز إقليمي لإصابات الحروب في العراق وسوريا وجعلته مرجعاً طبياً يحضن الخبرات والاختصاصات الطبية".
 
تصوير: نبيل اسماعيل
 
لكن ما الذي جعل آدم حالة خاصة؟ يعترف أبو ستة أن "إصابته الدقيقة والصعبة يمكن معالجتها في لبنان بفضل الاختصاصات الطبية المتوفرة فيه. لذلك يكون الاختيار دائماً مبنياً على الحاجات الطبية الموجودة بالإضافة إلى وجود الأوراق الثبوتية للمريض والتي تسهّل انتقاله".
 
لن يكون آدم الأول ولا الأخير، هناك أطفال جرحى آخرون في صدد الإعلان عن قدومهم، هذه الخطوة ستكون بداية لنضال صحي آخر يساند انهيار القطاع الصحي في قطاع غزة.
 
من الطبيب الذي يداوي الجروح إلى عمّ آدم الذي يرافقه في مشواره، يوضح عيد أفانا في حديثه لـ"النهار" أن "منطقة شمال غزة كانت منطقة عسكرية منكوبة. انتقلت عائلة آدم إلى منطقة الكرامة التي ادعى الاحتلال أنها آمنة، إلا أنه في 10 تشرين الأول قصف الاحتلال منزلهم ونجا الجميع مع إصابات خفيفة. هذه الضربة دفعت بالعائلة إلى الانتقال مرة جديدة، وهذه المرة كانت الوجهة مخيم جباليا لتنتقل بعدها إلى منطقة قريبة قبل أن تقصف إسرائيل المنزل الذي كان يؤويهم ويستشهد عدد كبير من العائلة".
 
لا يخفي عمه أن الوضع كان صعباً جداً، كل أفراد العائلة بين قتلى وجرحى، وهنا بدأنا رحلتنا الطبية. وبعد 6 أشهر في مستشفيات مصر وصلنا إلى لبنان منذ أسبوع لاستكمال العلاج. وكما يقول عيد إننا "موعودون بتحسن حالته في المراحل المقبلة وفق الخطة العلاجية الموضوعة له. سيكون آدم المثال الحيّ للصمود في وجه سياسة الاحتلال التي تتعمد إبادة جيل بكامله، والدليل على ذلك أكبر عدد قتلى من صفوف الأطفال والنساء".
 
قد يكون تقرير وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" الأدق وصفاً للحالة التي يعيشها الأطفال، التي نشرت على منصة "إكس" أن "الأطفال في غزة يمرون بكابوس لا نهاية له". فهل يكسر آدم وباقي الأطفال همجية إسرائيل بانتصارهم على الموت واستكمال الحياة؟



اقرأ في النهار Premium