النهار

في لبنان زيوت ودهون وسكّر مضاف في حليب وأغذية الأطفال دون سنّ الثالثة... سحب عيّنات جديدة من السوق غداً
ليلي جرجس
المصدر: "النهار"
في لبنان زيوت ودهون وسكّر مضاف في حليب وأغذية الأطفال دون سنّ الثالثة... سحب عيّنات جديدة من السوق غداً
مَن يُراقب المنتجات الغذائيّة للأطفال في لبنان؟
A+   A-
بعد أن خرجت إلى العلن نتائج الدراسة التي أعدّها مركز البحوث العلمية حول وجود أغذية أطفال في السوق اللبناني غير مطابقة للمواصفات العالمية، باتت العيون مشخصة على المحاسبة التي تسقط غالباً أمام كارتيلات الشركات العالمية التي أصبحت أقوى من الدول.
 
لا ضمير ولا محاسبة، الفوضى تسود في السوق اللبناني والغشّ يواصل فصوله، وآخرها وجود زيوت ودهون وسكّر مضاف في أغذية الأطفال دون سن الثالثة، والأخطر عدم مطابقة اللوائح الغذائية المكتوبة على العلب مع مضمون المنتج في الداخل. ولكن ماذا بعد صدور النتائج؟
 
علمت مصادر "النهار" أنه ابتداءً من الغد سيبدأ مراقبو الاقتصاد سحب عينات من أغذية الأطفال في السوق اللبناني لفحصها والتأكّد من جودتها وسلامتها.
في العودة إلى الدراسة التي أعدّها عدد من الأكاديميين في المجلس الوطني للبحوث العلمية وأجريت في العام 2021-2022 ونُشرت في العام 2023، كشفت النتائج عن وجود 117 منتجاً غذائياً للأطفال غير مستوفية الشروط الصحية.
 
وفي التفاصيل، تبيّن أن بعض منتجات الأطفال في لبنان تحتوي في كل 100 غرام على 80 في المئة من الدهون المشبّعة، والتي تحتوي بدورها على زيوت مهدرجة وصلت نسبتها إلى 45 في المئة، إضافة إلى وجود سكّر مضاف تخطّى الـ 5 في المئة في الحليب المخصّص للأولاد بين عمر السنة والثلاث سنوات". 
 
ويؤكّد طبيب الأطفال جيرار واكيم أن "الآثار الجانبية لما يتناوله الرضّع والأطفال لن تظهر في المدى القريب، فلا عوارض مباشرة تظهر وإنّما التداعيات ستكون على المدى الطويل. إذ يؤدّي التعرّض لتناول السكّر المضاف إلى الحاجة للمزيد من تناول الطعام، أمّا الزيوت المهدرجة فتُسبّب السمنة".
 
في مقلب آخر، عقدت لجنة المرأة والطفل في الأسابيع المنصرمة اجتماعَين للبحث في نتائج الدراسة لتكون بداية لتحليل أكبر يكشف حقيقة واقع السوق اللبناني لتحديد الثّغرات وتتبع مسار المنتجات من بلد المنشأ إلى المستهلك اللبناني.
 
وعلمت "النهار" أنّ وزارة الصحة تريّثت في التعليق على نتائج الدراسة وطالبت بالإجابة على مجموعة استفسارات قبل أن تجري تقييماً على المنتجات الخاصة بالأطفال في لبنان. كما تعذّر حضور ممثلة وزارة الصحة في الاجتماع الثاني الذي عُقد بداعي السفر. في حين توجّهت اللجنة بكتاب رسمي إلى كلّ من وزارتَي الصحة والاقتصاد طالبت فيه اتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل تقييم واقع السوق اللبناني من حيث جودة المنتج وسلامته.
 
 
لا تخفي رئيسة لجنة المرأة والطفل النيابية النائب الدكتورة عناية عز الدين في حديثها لـ"النهار" من "أننا نجهل واقع السوق اللبنانيّ، وهذا ما دفعنا إلى المطالبة باتخاذ الإجراءات وإجراء الفحوص اللازمة للتأكّد من سلامة المنتجات الموجودة وجودتها ومصارحة المستهلك حول كلّ ما يصدر في هذا الشأن".
 
وتعترف عزّ الدين أنّه "بصرف النظر عن نتائج الفحوص، لا يمكن غضّ النظر عن بعض التفاصيل التي تعتبر في حدّ ذاتها مفصلية، وأهمها عدم تطابق الملصق الخارجي للمنتج مع ما يحتويه، لذلك يجب تحديد الثغرات الموجودة والمسؤوليات والتعاطي مع الموضوع بمسؤولية وحكمة وعدم التسرّع في الاتّهامات قبل إجراء كلّ ما يلزم في هذا الملفّ".
 
وكانت عزّ الدين قد تحرّكت بعد صدور تقرير من منظمة الصحة العالمية يتناول دخول بعض المنتجات الخاصة بغذاء الأطفال، والتي تحمل علامات تجارية عالمية إلى بعض الدول النامية وهي غير مطابقة للمواصفات الصحية، وتكون مختلفة عن تلك التي تدخل إلى الدول الغنية تحت الاسم التجاريّ نفسه. وبناءً عليه، قرّرت التحرّك ليتبين أنّ الدراسة التي أجراها مركز البحوث العلمية في العام 2021-2022 تتحدّث عن وجود موادّ ضارة يجب ألّا تكون متوفّرة في هذه المنتجات الغذائية.
 
وانطلاقاً من هذا الواقع، بدأت الاجتماعات للبحث في نتائج هذه الدراسة، والأهمّ تقييم السوق اللبناني وما يحتويه فعلياً من منتجات غير مطابقة للشروط. ونعرف جيّداً أنّ لبنان شهد أزمة اقتصادية دفعت بالكثيرين إلى استغلالها للغشّ والتحايل في الصناعة الغذائية لكسب الأرباح في ظلّ غياب الرقابة المطلوبة والمستدامة.
 
ما الذي يجري فعلياً؟ تشير عزّ الدين إلى أنّنا "لن نقبل بوجود منتجات أغذية للأطفال غير مطابقة للمواصفات لأنّ صحة أطفالنا مسؤولية لا يمكن التهاون بها. نعلم أنّ حليب الأمّ يبقى هو الأفضل للطفل، ولكن في حال تعذّر عليها إرضاعه يجب توفير بديل صحّي وسليم ويستوفي الشروط. وعليه، نحن في حاجة إلى اعطاء خريطة كاملة لمسار دخول أغذية الأطفال والرضّع في البلد لتحديد المسؤوليات ولإصلاح أيّ خلل في الآليّات المعتمدة، ولوضع حدّ لجريمة عدم مطابقة أغذية الأطفال المستوردة للمواصفات، والتأكّد من عدم وجود تواطؤ من قبل المستوردين من خلال إدخالهم هذا النوع من السلع إلى البلد".
 
 
بيان رسميّ يوضح نسبة الموادّ الموجودة في حليب الأطفال
 
من جهتها، رأت الأمينة العامة للمجلس الوطني للبحوث العلمية الدكتورة تمارا الزين في حديثها لـ"النهار" أنّ "موضوع سلامة الغذاء بكلّ جوانبه هو مصبّ اهتمام دوليّ، لأنّ تداعياته الصحّية المترتبة من الغذاء كبيرة. والدراسة العلمية التي أجريناها تُشبه الدراسات التي تجريها دول كثيرة وبتمويل من منظمة الصحّة العالمية، وتتناول حقيقة ما يتناوله الأطفال الرضّع وطبيعة مكوّنات الحليب ومدى مطابقته للمواصفات العالمية".
 
وتعتبر هذه الدراسة بمثابة "جرس إنذار" وفق الزين التي تفرض إجراء تقييم كامل يشمل كلّ المنتجات الغذائية الموجودة في السوق. ولم يُسلَّط الضوء على الدراسة عند صدورها، وقد يعود السبب إلى أزمات لبنان المتتالية، ولكن بعد صدور تقرير في إحدى الصحف الأجنبيّة يُذكر فيه إدخال منتجات لماركات عالمية مختلفة بمكوّناتها (أقلّ جودة) عن تلك الموجودة في الدول الغنية، وبعد هذه الفضيحة سُئلنا عن دراسة لبنانية تشمل هذا الموضوع، فأطلعناهم عندها على الدراسة التي أُجريت في العام 2021-2022".
 
واعتبرت الزين أنّ هذه الدراسة هي بحثية ويجب الاستناد إليها للتحذير من ثلاثة أمور أساسية لمعرفة الخطوات التالية وكشف الواقع الفعلي لما يحتويه السوق اللبناني. وعليه، تركّز الزين على أبرز النتائج الرئيسية وأهمها: نقطة تتعلّق بالمحتوى (وجود دهون مشبّعة ومهدرجة)، والنقطة الثانية تتمثّل بوجود سكّر مضاف (ونعرف تماماً أنّه يمنع وجود أيّ نوع سكّر في حليب الأطفال الرضّع)، والنقطة التي اعتبرناها الأخطر هي أنّ الملصقات الخارجية على المنتجات لا تتطابق مع نتائج التحاليل التي أجريت".
 
صورة تُظهر بعض نتائج الدراسة التي أجراها مركز البحوث العلميّة
 
وقد تلقّفت لجنة المرأة والطفل هذه الدراسة، وشدّدت عزّ الدين على أنّ الهدف "ليس التصويب على أحد وإنّما محاولة البحث عن الثغرة الحاصلة. هل المنتجات أساساً وصلت إلى لبنان بهذا الشكل ولم تكن هناك مراقبة دورية ومطابقة للشهادة الصحّية المرافقة للمنتج؟ أم هناك تغيير يحصل داخل البلد؟ نحن نجهل الإجابات عن كلّ هذه الأسئلة، وما يهمّنا معرفة الخطوات اللازمة التي يجب اتّخاذها وإجراء مسح للأنواع الموجودة في السوق ومقارنتها مع النتائج السابقة للتأكّد من صحّتها وسلامتها".
 
ما خطورة هذه المواد في أغذية الأطفال؟ تُعتبر هذه الأغذية أساسية لنمو الطفل وبناء صحّته السليمة للمستقبل. ونعرف أنّ سوء التغذية في لبنان يتسبّب بحالات بدانة وزيادة "التقزّم" عند الشعب اللبنانيّ، بالإضافة إلى الأمراض المزمنة مثل الكولسترول والسكّري وغيرها...
 
يظهر المسح الوطني للتغذية في لبنان لعام 2021 أنّ المؤشرات الغذائية الرئيسية للأطفال الصغار ضعيفة في أيامهم الأولى من الحياة، وتزداد خطرًا مع مرور الوقت. وأكثر من 90 في المئة من الأطفال لا يستوفون معايير الحدّ الأدنى التي تتيح لهم الحصول على الوجبات الغذائية المتنوّعة، المتكرّرة، التي يحتاجون إليها، أو النظام الغذائيّ المقبول خلال الفترة الأدقّ في حياتهم، التي تحدّد نموهم وتطوّرهم الصحّي حتى بلوغهم سنّ الثانية.
 
كما أظهر المسح أنّ "3 من كلّ 4 أطفال، دون سنّ الخامسة، يعانون من الفقر الغذائي، ما يعني أنّ وجباتهم الغذائية غير صحّية، وتكون قد تضمّنت نصف المجموعات الغذائية الموصى بها".
 

في المقابل، توضح مديرة الوقاية الصحيّة في وزارة الصحّة المهندسة جويس حداد لـ"النهار" أنّ "عيّنات الدراسة أخذت في العام 2021-2022 ولم نتبلغ بها إلّا خلال الاجتماع الذي عُقد في لجنة المرأة والطفل. يهمّني أن أؤكّد أنّ كلّ شحنة تدخل إلى البلد تخضع للمراقبة وللفحوص قبل دخولها إلى السوق، ولكن يبقى الخوف من احتمال تصنيع منتجات حليب أطفال في السوق المحلّي غير مرخّصة ولا علم لنا بها".
 
لذلك كان لدى وزارة الصحة استفسارات عديدة حول الدراسة ونتائجها ومنها كما تقول حداد "رقم Batch والبروتوكول المتّبع لفحص العيّنات".
وتشرح حداد البروتوكول المتّبع من وزارة الصحة حيث تقضي مصلحة الهندسة في الوزارة إلى إرسال العيّنات إلى مختبرات لأنّها المسؤولة عن حليب الأطفال منذ الولادة حتى سنّ الثالثة. يخضع حليب الأطفال للشروط نفسها الخاصة بالدواء (الحصول على موافقة مسبقة قبل وصول الشحنة- تقديم الطلب- شهادات من بلد المنشأ...) ويتمّ تسجيل ماركة الحليب وعند وصول أول شحنة تخضع لفحوصات كيميائية وجرثومية بالمختبرَين المتعارف عليهما، وهما معهد البحوث الصناعية ومعهد البحوث الزراعية".
 
وبناءً على تقرير المختبرَين تعطي وزارة الصحّة الموافقة على توزيعه إلى السوق بعد التأكّد من تطابقه للمواصفات العالمية.
 
وعليه، تؤكّد حداد "أنّنا طلبنا الحصول على رقم Batch الذي خضع للفحوص في الدراسة لمقارنتها مع النتائج الموجودة لدينا ومن مصدر العيّنات أو الصيدلية... وبالتالي نحتاج إلى معطيات أكثر لأنّنا اطلعنا على الدراسة خلال الاجتماع، وقد يكون الخطأ وارداً، ولكن لا يمكن الإدلاء بأيّ رأي علميّ قبل دراسة النتائج بشكل معمّق".

اقرأ في النهار Premium