بعد اعتزام الوكالة الدوليّة لأيحاث السرطان إدراج أكثر المحليات الصناعيّة شيوعاً في العالم "الأسبرتام" على أنّه مادّة مسرطنة محتملة، يبقى السؤال الأهمّ هل في إمكان الوكالة الدولية لأبحاث السرطان الوقوف في وجه الشركات الصناعية الكبيرة؟ ولماذا لا يُحظر استخدام "الأسبرتام" في المنتجات الغذائيّة؟
يعتبر السرطان السبب الرئيسيّ للوفاة حول العالم، وقد تسبّب في وفاة 10 ملايين شخص في العام 2020، أي ما يعادل وفاة واحدة تقريباً من كلّ 6 وفيات.
وتشتهر مادة "الأسبرتام" باستخدامها في تصنيع المنتجات التي لا تتسبّب في زيادة الوزن مثل المشروبات الغازيّة "كوكاكولا دايت" وغيرها من المنتجات الشائع استهلاكها عبر العالم.
هي ليست المرّة الأولى التي تُحذّر فيها منظمة الصحة العالمية من منتجات قد تكون مسبّبة للسرطان، والاكتفاء بإصدار توصيات متعلّقة بسلامة ومأمونية بعض المنتجات من دون أخذ تدابير أكثر جدّية.
أثارت قرارات مماثلة لوكالة أبحاث السرطان في الماضي، تتعلّق بمواد مختلفة، مخاوف المستهلكين بشأن استخدامها، ما أدّى إلى رفع دعاوى قضائية وزيادة الضغط على الشركات المصنّعة لإعادة صنع وصفات وإيجاد بدائل.
ووفقًا لبلومبيرغ، ستصدر منظمة الصحة العالمية تقريرين يقيّمان سلامة مكوّن مادة "الأسبرتام" الشهر المقبل. ومن المتوقّع أن يتضمّن التقرير الأول مخاطر المادة المسببة للسرطان، في حين سيتضمّن التقرير الثاني مخاطر الاستهلاك اليوميّ للمادة، وآثارها الضارة المحتملة الأخرى، على أن يُنشر التقريران في 14 موز القادم.
لكن هل إدراج هذه المادة ضمن قائمة المواد المسببة للسرطان سيؤدّي إلى مواجهة مع الشركات الغذائية المصنعة؟ وماذا عن المستهلكين؟
يوضح الأستاذ والباحث في علوم الغذاء في الجامعة اللبنانية الأميركية حسين حسن أنّ "المحلي الصناعي "الأسبرتام" موجود في أكثر من 6000 منتج في العالم. ومنذ بدء استخدامه في سبعينات القرن الماضي، تُطرح علامات استفهام حول سلامة هذه المادة المضافة، علماً أنّ التقارير الأخيرة أثبتت أنّ الاستهلاك المستمرّ "للأسبرتام" يؤدّي إلى زيادة الإصابة بأمراض مثل أمراض القلب والسرطان ومرض السكّري من النوع الثاني، الصداع النصفيّ والصرع."
واعلان الوكالة الدولية لأبحاث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية "الأسبرتام" مادّة مسرطنة محتملة يعود إلى الدراسات التي أجريت على الفئران والتي أظهرت آثاراً سلبية لهذه المادة على الصحّة، وبالتالي لا يمكن تطبيق هذه النتائج مباشرة على الإنسان.
في المقابل، وفق حسن إنّ بعض الدراسات أظهرت أنّ الأشخاص الذين يستهلكون منتجات تحتوي على "الأسبرتام" بشكل يوميّ لديهم خطر مرتين أو ثلاث مرّات أكثر الإصابة بأمراض القلب والسكّري النوع الثاني والسرطان...
وبالاستناد إلى هذه التقارير، بدأ الضغط على منظمة الصحة العالمية لاعتبار "الأسبرتام" مُسبّباً محتملاً للأمراض المذكورة.
ومنذ عام 1981، صرّح خبراء منظمة الصحة والـFAO بأنّ استهلاك المنتجات التي تحتوي على "أسبرتام" آمن "في حدود معينة"، حيث قالوا إنّ صحّة الشخص البالغ قد تكون في خطر إذا ما استهلك ما بين 12 و36 علبة من المشروبات الخفيفة التي تحتوي على المادّة المحلية على سبيل المثال.
صحيح أنّها ليست المرة الأولى التي تُحذر فيها منظمة الصحة العالمية من بعض المنتجات وتصدر توصيات خاصة حولها، إذ يؤكّد حسن أنّه " في السنوات الماضية الأخيرة، أصدرت موقفاً مشابهاً حول اللحوم المصنّعة ولم يتغيّر شيء، إذ ما زالت اللحوم المصنّعة مستهلكة بشكل عاديّ. وعليه، هذا التحذير يكون بمثابة جرس إنذار للمستهلكين لتوخّي الحذر عند استهلاك هذه المنتجات التي أصبحت في الآونة الأخيرة تُستخدم في الحميات الغذائية لإنقاص الوزن. وكشفت الدراسات الأخيرة أنّ هذه المنتجات تزيد من الشهية، وبالتالي لا تساعد على خسارة الوزن عكس الهدف المنشود".
وتأكيداً على ذلك، أشارت منظمة الصحة في أيّار الماضي إلى أنّ المحليات ليست فعّالة للتحكّم في الوزن على المدى الطويل، ويمكن أن يكون لها تأثيرات غير مرغوبة إذا استُهلكت لفترة طويلة مثل زيادة خطر الإصابة بمرض السكّري من النوع 2 وأمراض القلب والأوعية الدموية والوفيات لدى البالغين.
أمّا بالعودة إلى اللحوم الحمراء، صنّفت الوكالة الدولية لأبحاث السرطان، بعد استعراض شامل للأدلة العلمية في العام 2015، استهلاك اللحوم الحمراء بأنّه من مسبّبات الأمراض السرطانية المحتملة للإنسان، وخصوصاً سرطان القولون والمستقيم. وخلص الخبراء إلى أنّ كلّ 50 غراماً من اللحوم المصنّعة يؤكل يومياً يزيد من خطر الإصابة بسرطان القولون بنسبة 18 في المئة.
في السياق نفسه، صنّفت الوكالة الدولية لأبحاث السرطان برومات البوتاسيوم على أنّها مادة مسرطنة محتملة للإنسان، ما يعني أنّها يمكن أن تزيد من خطر الإصابة بالسرطان لدى البشر. على الرغم من هذا التصنيف، لا يزال استخدام برومات البوتاسيوم في الصناعات الغذائية قانونياً في العديد من البلدان، بما فيها الولايات المتحدة، في حين تمّ حظره في دول عدّة، منها دول الاتحاد الأوروبي وكندا والبرازيل والصين.
وأظهرت الدراسات أنّ العديد من المخبوزات تحتوي على مستويات غير آمنة من برومات البوتاسيوم، وكشفت البيانات أنّ بعض المخبوزات تحتوي على جرعة تزيد عن الحدّ المسموح به، والذي حدّدته هيئة الغذاء والدواء الأميركيّة، وهو 50 ملليغراماً لكلّ كيلوغرام.
ونتيجة كلّ ما ذكر، ما هي التوصيات التي يمكن تقديمها للمستهلك؟
يشدّد الأستاذ والباحث في علوم الغذاء في الجامعة اللبنانية الأميركية على أهمية أن نتذكّر دائماً أنّ الصناعات الغذائية هي صناعات عملاقة يمكن أن تؤثّر على صنّاع القرار، وعلى سبيل المثال في الولايات المتحدة أيّ قرار يتعلّق بالصناعة الغذائية يواجه بضغط شديد، ما يفسّر إبقاء الأمور ضمن خانة التوصيات وعدم تخطّيها هذا الحدّ. لذلك تبقى التوصيات الأساسية تتمثل بـ:"
* العودة إلى العادات الغذائيّة السليمة.
* التركيز على نظام حمية البحر الأبيض المتوسط.
ويشير حسن إلى أنّ "أيّ منتج غير طبيعيّ، مثل الأسبرتام وغيره، يُسبّب بردّة فعل معيّنة للجسم التي قد لا تظهر على المدى القصير. من هنا أهمية الاعتماد على السكّر الطبيعيّ، وتجنّب المنتجات المصنّعة، والحدّ من استهلاكها قدر المستطاع.
وفي الخلاصة، يستبعد حسن منع استخدام "الأسبرتام" لأنّ الصناعة الغذائية ترتكز عليه بشكل كبير في صناعاتها. وعليه، لن تتخطّى منظّمة الصحة العالمية حدودها التي تقف عند إصدار تحذير شفهيّ من دون أيّ قرار فعليّ على أرض الواقع، لأنّ صنّاع القرار يتحكّمون بكلّ شيء. لذلك على المستهلك الحدّ من استهلاك هذه المنتجات والتقليل من استخدام السكّر الأبيض من خلال اللجوء إلى المحليات الطبيعية مثل دبس الخروب، دبس العنب والعسل. ويمكن تناول السكّر من خلال الفواكه التي تتميّز بسكّرها الطبيعيّ قدر المستطاع، وتخفيف تعرّضنا للسكّر الصناعيّ والسكّر الأبيض".