أثار خبر إقفال 4 مراكز صحية في بلدة عرسال ضجة ومواقف مؤيدة ومعارضة خصوصاً في هذه الفترة التي عاد فيها ملف النزوح بقوة إلى الواجهة. وفي متابعة لما جرى، يبدو أن تطبيق القانون فوق كل شيء بعيداً عن العنصرية أو ما يحاول البعض تصويره. 4 مراكز تفتقر إلى المواصفات الصحية المطلوبة وغير مرخصة، أقفلت تنفيذاً لقرار محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر، في حين تفتح المستشفيات والمراكز الصحية الأخرى أبوابها لتلبية احتياجات السكان.
المسألة كما تحدث أكثر من متابع ليست شخصية وإنما صحية، والمراكز غير مؤهلة للاهتمام ومتابعة الحالات، وبرغم من الضغط السكاني نتيجة تواجد النازحين، إلا أن المنطقة قادرة على استيعاب كل الحالات الطبية.
يقول رئيس مكتب الصحة في بعلبك الدكتور علي صبحي هزيمة إلى البداية، لـ"النهار" إنه في 6 نيسان 2023 وجّه محافظ بعلبك بشير خضر إنذاراً إلى المسؤولين عن المستوصفات والمراكز الصحية على اختلافها في بلدة عرسال. وجاء في الإنذار تحذير من توظيف أو تشغيل ممرضين وممرضات وصيادلة من التابعية السورية، لأن القانون اللبناني لا يسمح لهم بمزاولة هذه المهن، وذلك تحت طائلة إقفال المركز وتحميلهم مسؤولية أي ضرر صحي يثبت أن هذه المراكز قد تسببت به. وعلل المحافظ هذا الإنذار بقانون العمل اللبناني وقانون تنظيم المهن الذي يمنع من مزاولتها إلا بحال وجود إقامة لصاحب العلاقة وخضوعه لامتحان الكولوكيوم واستحصاله على إذن مزاولة المهنة من النقابة المعنية.
ما يسعى إليه المحافظ هو تطبيق القانون، وما طلبه هو الاستحصال على إذن مزاولة مهنة للعمل بطريقة شرعية، وقد وصلت برقية الإنذار وسجلت في بلدية عرسال في 11 نيسان، وعليه تم إبلاغ المستوصفات والمراكز من قبل قوى الأمن بالقرار، وفي اليوم الثاني من عيد الفطر أغلقت الهيئة الطبية في عرسال المركز من تلقاء نفسها التزاماً منها بقرار المحافظ.
ويؤكد هزيمة أنه "بعد أن كشفنا على المستوصف الذي كان مقفلاً، وهو تابع لمصطفى الحجيري الملقب بأبو طاقية، ويديره ابنه الذي اجتمعنا به، أكد لنا التزامه بالقرار. علماً أن هذا المركز غير مرخص وهو يقدم علاج غسيل الكلى من دون متابعة طبية من الطبيب المختص، وبالتالي هو لا يخضع للمواصفات المطلوبة وغير مطابق لها".
وعليه، يتوجب على مرضى غسيل الكلى التوجه إلى منطقة الهرمل أو بعلبك حيث تتواجد مراكز لغسيل الكلى، أما بالنسبة إلى الخدمات الطبية فيمكن التوجه إلى المستشفيات الموجودة في البلدة للحصول عليها.
سد الثغرة ولكن
تشرح المنسقة الاجتماعية وعضو في جمعيات عدة و نائبة رئيس بلدية عرسال سابقاً ريما كرنبي لـ"النهار" أن هناك عدداً من الممرضين والأطباء السوريين يعملون في مراكز ومستوصفات صحية في عرسال بعد الهجرة الطبية التي شهدها لبنان للطواقم الطبية والتمريضية منذ الأزمة الاقتصادية. إلا أنه التزاماً بتطبيق القانون، أصدر محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر قراراً يقضي باستحصال العاملين السوريين في المستوصفات والمستشفيات على إذن مزاولة المهنة وأن يعملوا بطريقة شرعية".
وعليه، أقفلت 4 مستوصفات ومراكز صحية وهي: مجمع الأمل الطبي، مركز السلام الطبي، الهيئة الطبية في عرسال وفيها قسم لغسيل الكلى، ومستشفى الرحمة. وجميعها كانت موجودة في منطقة عرسال، وكانت تقدم خدمات صحية للبنانيين كما السوريين في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلد وصعوبة تأمين الكلفة العلاجية في بعض المستشفيات.
وترى كرنبي أن "هذه المراكز استطاعت أن تسد الثغرة التي خلفتها الهجرة الطبية وكانت سنداً للأهالي والنازحين في المنطقة، وقد نجح مستشفى الرحمة في إنقاذ حياة كثيرين كونه يضم غرفة طوارئ قادرة على أن تتعامل مع الحالات الصحية الطارئة. أما اليوم، لم تعد هذه المراكز والمستوصفات توفر هذه الخدمات نتيجة إقفالها، وبالتالي بات على الأهالي والنازحين التوجه إلى أقرب مستشفى والتي تبعد 40 كلم أي تستغرق حوالى الساعة للوصول إليه. والخوف من عدم قدرة الكثيرين على التوجه إلى مستشفيات أبعد أو أن يداهم الوقت الحالات الطارئة التي قد تُسبب الوفاة في حال عدم التدخل سريعاً. هذه الإشكالية لا يمكن التغافل عنها، الواقع الصحي صعب والخيارات باتت محدودة جداً.
لا يمكن إنكار أن هذه المراكز كانت قادرة على تلبية حاجات الناس، خصوصاً أن الأوضاع المالية صعبة عند فئة كبيرة. تتشابك المسألة الإنسانية مع الواقع القانوني، فمن جهة الناس بحاجة إلى هذه المراكز للحصول على الرعاية الصحية، ومن جهة أخرى، يتطلب القانون اللبناني الاستحصال على إذن مزاولة المهنة ليكون العمل بطريقة شرعية.
خطوة ضرورية
يتحدث مدير عام مستشفى بعلبك الحكومي الدكتور عباس شكر عن أن الثغرة الوحيدة التي نعاني منها ونطالب بها من دون أن نلقى آذاناً صاغية تتمثل بغياب جهاز تمييل في المستشفى، ما يعني عدم قدرة المستشفى على إجراء ما يلزم للمريض الذي تعرض لأزمة قلبية. وبالتالي قد يموت البعض لأنهم عاجزون عن دفع تكاليف الاستشفاء في مستشفى خاص. هذه المشكلة الأكبر التي يواجهها المستشفى، أما بالنسبة إلى الحالات الأخرى فهي ستتلقى العلاج المطلوب حتى لو لم يكن المريض قادراً على دفع التكاليف".
وشدد شكر على أن إقفال المراكز هو خطوة ضرورية لأنها لا تستوفي الشروط الصحية وغير مطابقة للمواصفات الطبية. كيف يمكن لمركز غسيل كلى أن يقدم خدمات من دون مراقبة طبية أو تواجد طبيب كلى أو فلترة للمياه. لذلك كان يجب إقفاله وتحويل الحالات إلى مستشفيات أخرى تواكب المريض خطوة بخطوة وهي مرخصة".
تبلغ نسبة الفقر في منطقة بعلبك -الهرمل 80 في المئة، منهم 60 في المئة يحصلون على الخدمات الصحية في المستشفيات الحكومية وما تبقى يتوزعون على المستشفيات الحكومية في مناطق أخرى. علماً أن نسبة الإشغال في المستشفى تتخطى الـ80 في المئة نتيجة الضغط عليه.
في حين يرى المدير العام في مستشفى دار الأمل الجامعي الدكتور علي علام أن "هناك حوالى 15 مريضاً من السوريين يخضعون لغسيل الكلى ويمكن متابعتهم من خلال الجمعيات الخاصة للبحث عن خيارات أخرى. أما بالنسبة إلى المرضى اللبنانيين فما زالت العلاجات مغطاة كاملاً ولا يوجد مشكلة في عدم توفر مراكز لغسيل الكلى في المنطقة".
ولا يخفي علام أن "وصول الحالات إلى المستشفى متأخرة هو واقع لمسناه منذ اشتداد الأزمة وليس اليوم، وتتعدد الأسباب ويعتبر السبب المادي الأول المسؤول عن تأخير طلب المساعدة الطبية. يحاول البعض تفادي الدخول إلى المستشفيات ولكنهم يقصدونها عندما تسوء حالتهم. ولكن وجود مستشفيين حكوميين في المنطقة يخفف من الأعباء والفاتورة الاستشفائية المرتفعة، كما لا يمكن أن ننسى أن المنطقة تضم 11 مستشفى وهي قادرة على أن تلبي احتياجات المنطقة".