لم تكن ريتا خليل ابنة الـ28 عاماً تعرف أن هذا الورم في داخل رأسها سيخطف حياتها بلحظة، وأن الجراحة التي ستخضع لها ستكتب لها نهايتها لا بداية جديدة. وقد كانت تأمل في أن تطوي صفحة المرض الذي كانت تجهل حقيقته، إلا أنّ ما جرى معها غيّر مسار حياتها وحياة عائلتها.
ريتا الزوجة والابنة والصديقة والأخت خسرت حياتها بعد ساعات من خضوعها لجراحة دقيقة في الرأس؛ هي التي شعرت - وفق ما يقول شقيقها إيليو لـ"النهار" - بأنها ليست على ما يرام، وأنها تعاني من آلام قوية بعد خروجها من غرفة العمليات".
تعرف عائلتها تماماً أن مخاطر هذه الجراحة كثيرة، وأن الأعمار بيد الله، ولكنّها تريد أيضاً أن تأخذ حقّ ابنتها معنويّاً بعد حادثة وفاتها.
أسبوع واحد كان كفيلاً بنقل ريتا من حياة عادية إلى مواجهة مع عوارض صحيّة كشفت مرضاً خبيثاً. ويتحدّث شقيقها إيليو عن مرحلة اكتشاف المرض وتفاصيل ما جرى وصولاً إلى الوفاة.
يعود الشقيق إلى بداية ظهور العوارض حين "بدأت تعاني ريتا من تقيّؤ ودوخة وعدم وضوح في الرؤية، ممّا استدعى إجراء صورة الرنين المغناطيسيّ، التي كشفت عن وجود ورم في الدماغ. كان وقع الخبر صاعقاً علينا، بمجرّد السماع يوجود ورم، فقد كان بحدّ ذاته رعباً، ولكن كان علينا التريّث وعدم التسرّع في الأحكام".
وقفت العائلة على أكثر من رأي طبيّ قبل أن تقدم على أيّ خطوة. ومن بين الأطباء كان هناك رأي طبيّ متخصّص من طبيب معروف ببراعته في هذه الجراحات، فأكّد لهم أن احتمال حدوث مضاعفات لا يتعدّى الـ5%، وأنّه لا داعي للقلق، فهي مجرد "دهنيّة" في الرأس، ويمكن استئصالها من خلال جراحة.
وفق إيليو "كان كلامه مريحاً، وأن نسبة الخطر ليست كبيرة، وأن هذه الجراحة شائعة، ولقد أجراها كثيراً في لبنان، ولا تتعدّى مدة الجراحة الساعتين والنصف. لكن ما جرى على أرض الواقع كان مغايراً لما سمعناه، وهذا ما دفعنا إلى الحديث عن الموضوع وإثارته".
تقصير طبي؟
يشرح إيليو بأنّه "بعد تحديد موعد الجراحة، دخلت ريتا إلى غرفة العمليات عند الساعة العاشرة صباحاً، ولم تخرج إلا بعد سبع ساعات. وبعد خروجها من غرفة العمليات كانت منزعجة جداً، وتشكو من ألم قويّ في رأسها. ونتيجة ذلك، تلقّت حقنة مورفين لتنويمها عوض أن يتأكّد من سبب هذا الألم الذي تبيّن لاحقاً أنّه نتيجة تجمّع الماء في الدّماغ ممّا أدّى إلى توقّف قلبها ودماغها في ما بعد".
لا يهمّ العائلة القدح في سمعة الطبيب أو الإساءة إليه، بل ما يهمّها هو أن تعرف ما جرى مع ابنتها حتى لا يتكرّر السيناريو مع عائلات أخرى.
برأي شقيقها "عتبنا هو بإخفاء حقيقة الورم السرطانيّ وخطورة الوضع. كان عليه أن يخبرنا الحقيقة حتى نختار ما هو الأفضل، سواء بإجراء الجراحة أو باللجوء إلى وسائل علاجية أخرى. نعرف أن السرطان خطر، خصوصاً أن الورم موجود في منطقة حسّاسة من الدماغ، ولكن كان من حقنا أن نعرف كلّ هذه التفاصيل ومدى خطورة الجراحة. والمؤلم أنّه لم يتصرّف سريعاً بعد أن اشتكت من ألم في رأسها، وكان يجب عليه أن يضع "نربيش" لتصريف المياه من الدماغ في حال تجمُّعها كردة فعل بعد الجراحة".
لقد وثقت العائلة بالطبيب لأنه لامع ومعروف في هذا المجال، وهي لا تصوّب على مهنيّته ومسيرته الطبية الناجحة، بالرغم من أنّ ما جرى معهم كان صادماً ومؤلماً.
لا ينسى إيليو ما قال له الطبيب بعد "حدوث مضاعفات وإدخال ريتا مرّة جديدة إلى غرفة العمليات، فما زالت كلماته مطبوعة في ذاكرته وقلبه، حين قال "الأعمار بإيد الله".
"والصدمة الكبيرة التي اكتشفناها لاحقاً أن المستشفى الذي أجرينا فيه العملية ليس مجهّزاً طبيّاً للجراحة، وهو مخصّص أكثر لعمليّات التجميل وليس لجراحة كبيرة كتلك التي خضعت لها شقيقتي".
"لم نعرف أنها على درجة عالية من الخطورة"
لم تكن العائلة وفق ما أكّدته تعرف كلّ هذه التفاصيل التي اكتشفتها لاحقاً بعد وفاة ابنتها ريتا. يشدّد إيليو على أن "خطر الوفاة علميّاً بسرطان مرتفع جداً، وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها، ولكن الطبيب أخطأ عندما لم يضع "نربيش" بعد الجراحة لتصريف المياه، وأخطأ عندما لم يتابعها بسرعة بعد أن اشتكت من آلام في رأسها. لم تكن بحالة جيّدة عندما خرجت من غرفة العمليات.كان يمكن أن تموت من السرطان، ولكن ليس بهذه الطريقة. هذا ما يؤلمنا. لقد توجّعت، وعانت خلال الجراحتين، وفي النهاية خسرت حياتها بغمضة عين".
وبعد استشارة أطباء بعد وفاتها، أكّدوا لنا أن العمليّة "من أخطر الجراحات التي تجرى في الرأس، وهذا ما لم يُعلمنا به الطبيب، وما حصل كان صادماً بالنسبة إلينا".
في المقابل، حاولت "النهار" التواصل مع الطبيب المعنيّ للاستماع إلى الرأي الآخر، ومعرفة الأسباب الطبيّة المسؤولة عن هذه الوفاة، إلا أنّه تمنّع عن الإدلاء بأيّ حديث صحافيّ باعتبار أنه "لا يحقّ لنا كأطباء أن نتشارك خصوصيّة المريض، وأن الملف الطبي موجود، ويمكن تقديمه إلى لجنة طبية. لكن أتفهّم وجع الأهل بخسارة ابنتهم، إلا أنني أرفض أن يقال إن ما جرى هو نتيجة خطأ طبي".
وعليه، نضع هذه القصة في عهدة وزارة الصحة لمعرفة حقيقة ما جرى، وهدفنا كشف ما جرى ضمن الأطر الطبيّة والعمليّة وإخماد نار الألم في نفوس هذه العائلة المفجوعة.