مسبّبات كثيرة توصلك إلى الموت في هذا البلد، وقد يكون المرض عاملاً رئيسيّاً، بل فقدان الأدوية بات سبباً في هذه الأيام العصيبة التي يمرّ بها لبنان، حيث نشهد حالات وفاة أو تراجعاً في الحالة الصّحيّة للمريض. وما يجري في بيوت لبنان، حيث تسلّل المرض الخبيث، جريمة فعليّة بحق مرضى كثيرين، وكذلك في أروقة بعض المستشفيات، حيث السرقة موصوفة؛ أمّا ما يجري في وزارة الصحة... ففضيحة!
في هذه السطور سنروي قصة السيدة حليمة حمزة (68 عاماً) التي عانت الأمرين بين سرطان الثدي المنتشر وبين انقطاع قاسٍ لأدويتها. فقد مرّت سنة و3 أشهر قبل أن تُنهي رحلة عذابها بالموت، وتترك حسرة ولوعة في قلوب أبنائها. هي قصّة من مئات القصص والصرخات لتأمين حق العلاج والأدوية السرطانيّة للانتصار على المرض، اليوم سنكون صرخة تلك المريضة التي توفيت، ولم تستطع إطلاقها، والسبب عدم قدرتها على تأمين دوائها لأشهر.
تتحدّث ابنتها فاطمة لـ"النهار" عن معاناة الوالدة والعائلة أثناء البحث عن علبة دواء، فتقول: "حاولنا المستحيل حتى أننا نشرنا إعلانات ونداءً إنسانيّاً لتأمين دواء والدتي، التي تعاني من سرطان الثدي، لكن أحداً لم يُساعدنا. أعرف جيداً حالة الجميع وأن عائلات كثيرة تطلب المساعدة نتيجة انقطاع الأدوية أو ارتفاع أسعارها الجنوني، وما جرى معنا حدث مع مرضى آخرين."
"بعنا كل شيء لعلاجها"
"تبلغ علبة الدواء الواحدة نحو 7 ملايين ليرة، لم يكن بمقدورنا أن نؤمّنها بهذه السهولة". وتؤكّد ابنتها" أنه اضطررنا إلى الاستدانة مراراً حتى نتمكّن من شراء علبة. الوضع الاقتصاديّ صعب، ومع ذلك كنّا مستعدّين لفعل أيّ شيء حتى لا نحرمها حقّها في العلاج. لقد بعنا كلّ ما نملك لنوفّر ما أمكن لدفع تكلفة علاجها واستشفائها."
بدأت القصة منذ أن اكتشفت كتلة في ثديها، وطلب الطبيب انتزاع خزعة للتأكّد من طبيعتها. لقد أهملت والدتي الموضوع بداية، ثم وقع انفجار بيروت حيث تعرّضت للإصابة. ولكن ما عانته من بعدها أدرجه الطباء تحت خانة الصدمة النفسيّة في حين أنّها كانت حقاً تعاني من سرطان صامت يكبر في داخلها. اكتشفنا بعد سقوطها في داخل المنزل أنها مصابة بالسرطان وهو منتشر في جسمها. خضعت والدتي للجراحة، ثمّ بدأنا رحلة العلاج المتعارف عليها، ومعها بدأت معاناتنا في إيجاد الدواء".
فرحلة البحث لم تكن سهلة أبداً، في وقت يعاني البلد من نقص وشحّ مخيف في الأدوية، ومن وضع اقتصادي صعب يمنع الناس من شراء الدواء من الخارج. وبعد الاستفسار عن دوائها في الخارج، ظهر للأهل أن "الأسعار تتفاوت ما بين 2500$ إلى 3000 يورو".
رحلة الذل التي انتهت بمأساة
برأي ابنتها: "والدتي توفيت بسبب انقطاع الدواء. مرّت 5 أشهر لم نتمكّن من تأمين علاجها إلا مرتين من خلال مساعدة جمعيّة بربارة نصار".
كان كل شيء يزداد تعقيداً، فعليك أن تدفع كلّ شيء قبل الدخول إلى المستشفى، تقول ابنتها "يمصّون دمك قبل الدخول إلى المستشفى. عليك أن تدفع مسبقاً. حتى تأمين كيس الدم بات تجارة إذ بلغ بدل وحدة الدم 900 ألف ليرة، ورفض المستشفى إعطاءنا الزمرة قبل تأمين بديل من نفس الزمرة، علماً بأن حالتها الصحيّة كانت سيّئة جداً. وقد رحلت والدتي منذ 6 أشهر، وما جرى معها سيبقى حرقة في قلوبنا".
هذه عينة من مرضى يواجهون الذلّ والموت كلّ يوم بسبب ما يعانونه من انقطاع وارتفاع في تكلفة العلاج، وليس هناك من جهة أو مسؤول يشعر بهم.
علامات استفهام و"السرقة ماشية"
هذا الوجع تُقابله فضيحة أخرى، يكشفها رئيس جمعية "بربارة نصار" خلال فيديو مصوّر يتوجّه فيه بنداء استغاثة إلى المعنيّين لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه، حيث يقول: "منذ 4 أشهر تقريباً ونحن ننتظر وصول بعض الأدوية الأساسية للسرطان (دواء XTANDI على سبيل المثال الذي يُعطى لمرضى سرطان البروستات). وبحسب بيانات الشركة يوجد نحو 150 رجلاً يأخذون هذا الدواء شهرياً.
الكمية التي وصلت إلى لبنان في خلال شهرين هي 350 علبة، وقد توزّعت على الجهات الضامنة، وبقي نحو 122 علبة أُرسلت إلى وزارة الصحة. وللأسف - وفق نصار - توجه بعض المرضى الذين يحقّ لهم علبة كلّ شهر إلى وزارة الصحة لاستلامها لتكون المفاجأة أن المخزون نفد! فكيف يمكن لهذه الكمية المرسلة إلى وزارة الصحة أن تنفد والمريض المعنيّ لم يستلم دواءه؟ وكيف يُمكن أن يفرغ المخزون ولم ينتهِ الشهر، والمريض لم يأخذه دواءه؟".
المتاجرة بأوجاع المرضى
وبالتالي، القصة باتت واضحة للعيان، وهي ليست متعلّقة فقط بنقص التمويل، وإنما – وفق تأكيد نصار - أكبر من ذلك وأخطر بكثير "هناك سرقة ونهب وتهريب. وقد التقينا بعض المرضى الذين اشتروا علبة XTANDI بقيمة ألف دولار بالفريش، والمضحك المبكي أنها مختومة بختم من وزارة الصحة".
كذلك تحدّث نصار عن القطاع الخاص، "حيث تصل وصفات طبية بأسماء مرضى نساء لسرطان البروستات، وهذه فضيحة أخرى؛ ممّا يعني بطريقة أخرى أن هناك بعض الأطباء متواطئين مع مافيا التهريب واستغلال وجع الناس لسحب ما يُمكن سحبه من الوكيل حتى يتمّ بيعه بالفريش دولار للمريض الذي يعاني من سرطان البروستات".
إذن نحن أمام مشكلة أخلاقية، وأمام نهب وسرقة وتزوير، والخوف اليوم من أدوية أخرى ستواجه المصير نفسه، إذ يشير نصار إلى أننا "بانتظار وصول أدوية سرطانيّة لسرطان الثدي، وقد طال انتظارها، ولكن هل ستصل إلى المريضات أم ستباع أيضاً في السوق السوداء؟ ولماذا هناك بعض السيدات اللواتي لم ينقطع عنهن الدواء لأشهر، وتصلهن العلبة بشكل منتظم، في حين أن مريضات محرومات من أدويتهن؟ أين هي العدالة في توزيع الدواء بين كلّ المرضى؟