النهار

فيروس منتشر أكثر من الانفلونزا... مدارس تبلغ عن إصابات كبيرة
ليلي جرجس
المصدر: النهار
فيروس منتشر أكثر من الانفلونزا... مدارس تبلغ عن إصابات كبيرة
ما هو سبب انتشار هذه الفيروسات بكثرة؟
A+   A-

يشهد لبنان انتشاراً واسعاً لفيروسات موسميّة بعد أن اختفت في العامين الماضيين نتيجة جائحة #كورونا.
وبالرغم من تسجيل اصابات كبيرة في المدارس والحضانات، واضطرار بعضها إلى الإقفال لمدة يومين للحدّ من هذه العدوى، فإنّه وفق مديرة الإرشاد والتوجيه في وزارة التربية هيلدا خوري هناك "5 مدارس فقط أبلغت وزارة التربية بوجود حالات رشح بأعداد كبيرة عبر الخطّ الساخن للوزارة".

وبالرغم من الاتصالات المعدودة التي تلقّتها وزارة التربية من المدارس، وبعد التواصل مع وزارة الصحة، أبلغت المدارس بعدم الإقفال واتّخاذ الإجراءات الوقائيّة اللازمة.
تشرح خوري لـ"النهار" بأن "مصلحة الترصّد الوبائيّ في وزارة الصحة العامّة تؤكّد أنّه لا داعي لإقفال الصفوف أو المدرسة بسبب الرشّح الموسميّ بل الاكتفاء بالإجراءات الوقائية وعدم استقبال التلاميذ الذين لديهم عوارض رشح.
لذلك نطلب إلى جميع المدارس الرسميّة والخاصّة عند وجود أيّ سبب صحيّ دقيق الاتصال بوزارة التربية التي تتّصل بدورها بوزارة الصحة لاتخاذ الإجراءات اللازمة".

وتشير خوري إلى أنّه "في وزارة التربية خطّ ساخن ٠١٧٧٢٠٠٠ تديره غرفة عمليات مشتركة بين وزارة التربية والتعليم العالي والصليب الأحمر اللبناني. وعند تلقّي اتّصال عن موضوع صحيّ دقيق، يتم الاتصال بوزارة الصحة العامة لتقرير اللازم."

فهل فيروس الأنفلونزا هو المسؤول الوحيد عن هذا الانتشار الكبير للإصابات في المجتمع اللبناني؟ وهل يؤثر اختلاف السّلالة في اختلاف العوارض؟

يؤكّد رئيس مركز أبحاث الأمراض الجرثوميّة في الجامعة الأميركية والاختصاصي في طبّ الأطفال البروفيسور غسان دبيبو لـ"النهار" أن "اختلاف سلالات الأنفلونزا لا يؤثر على العوارض التي تشكّل إجمالاً ارتفاعاً في الحرارة، آلاماً في الرأس، ألماً في الجسم، سعالاً، رشحاً وألماً في الحلق، في حين قد يعاني الأطفال من عوارض إضافيّة مثل ألم البطن، والإسهال والتقيّؤ".

ويقول "إن الفحوص المخبريّة التي تُجرى في بعض المختبرات لسلالات الأنفلونزا، تكون عادة للتمييز بين الأنفلونزا A والـB. وتكون أيضاً لتحديد نوع السلالة إذا كانت مثلاً أنفلونزا A H1N1 أو A H3N2، لأننا نحتاج عندها إلى فحوص دقيقة متاحة في المختبرات الجامعية الكبيرة، من خلال تقنية الـPCR.
لكن دبيبو يُضيف بأنّ "كلّ شخص يتمّ تشخيصه بالأنفلونزا A يَعتبر أنه مصاب بالأنفلونزا H1N1 حتى انتشر هذا التعميم والتقدير بين الناس وبعض المختبرات، في حين أن السلالة السائدة اليوم حسب مركز الأمراض المعدية في المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت هي H3N2 بنسبة 75 في المئة، مع تسجيل بعض الحالات لـH1N1 بنسبة 25 في المئة".

وتعتبر هاتين السلالتين H3N2 وH1N1 هما المنتشرتان في المجتمع اللبناني في الوقت الحاضر. مع ذلك، يؤكد دبيبو أن "هناك 3 فيروسات رئيسيّة منتشرة اليوم، وهي فيروس كورونا الذي ما يزال موجوداً، وفيروس الأنفلونزا بالسلالتين اللتين تحدّثنا عنهما، والفيروس التنفسي المخلويّ (RSV) الذي يظهر عادة في هذا الوقت من السنة، ويُسبب عوارض مشابهة للأنفلونزا (حرارة مرتفعة - سعال قوي - ضيق في التنفس وصفير في الصدر)، وهو ينتشر بنسبة 29 في المئة أكثر من الأنفلونزا بنسبة 21 في المئة في الأسبوعين الأخيرين من تشرين الثاني.

وعن العوامل التي أدّت إلى هذا الانتشار الواسع للفيروسات، يرى دبيبو أن "العامل الأساسيّ والأهمّ يتمثل بغياب الفيروسات التنفسية الأخرى في ظلّ ظهور وانتشار فيروس كورونا الكبير. وقد سُجّل اختفاء بعض هذه الفيروسات، ومنها الأنفلونزا والفيروس التنفسيّ المخلويّ خلال عامين من الجائحة، وبالتالي أدّى ذلك إلى انخفاض المناعة المجتمعيّة ضد هذه الفيروسات، وحدثت فجوة مناعيّة، خصوصاً عند بعض الفئات، ومنها الأطفال الذين لا يتمتّعون بمناعة ضدّ هذه الفيروسات التنفسيّة التي كانت منتشرة قبل جائحة كورونا.
 

وبما أن نسبة التلقيح متدنية ضد الأنفلونزا، وفي ظل غياب لقاح فعّال ضد الفيروس التنفسيّ المخلويّ، شهدنا انتشاراً كبيراً لهذه الفيروسات عند الأطفال وكبار السنّ.
أما بالنسبة إلى نسبة الاستشفاء الناجمة عن الإصابة بهذه الفيروسات الموسميّة، فهي تتراوح وفق دبيبو بين "2 في المئة إلى 5 في المئة حسب الفئة العمرية. وتعتبر الفئات الأكثر تأثراً الأطفال دون السنتين، وكبار السن فوق الـ65 عاماً. ويعود السبب إلى ضعف المناعة بالإضافة إلى وجود مشكلات صحيّة أخرى".

بحسب المراكز الأميركيّة لمكافحة الأمراض والسيطرة عليها (CDC)، فإنّ معظم الأطفال يصابون بالفيروس المخلويّ التنفسيّ قبل بلوغ عامهم الثاني. أما حديثو الولادة فيحصلون على بعض الحماية السلبية من أمهاتهم اللواتي يمرّرن أجسامًا مضادة لهم بوساطة الرضاعة.

لكن ما الذي جرى اليوم؟
إن فرصة التقاط الأطفال الذين ولدوا خلال الجائحة، ومَن يحيطون بهم، لهذا الفيروس أو الفيروسات الأخرى، تدنّت في العامين المنصرمين. وبالتالي تضاءلت مناعتهم أو لم تتشكّل أساسًا. لذلك عندما بدأ هؤلاء الصغار وأولياء أمورهم بالتفاعل مع الآخرين، أصبحوا أكثر عرضة للإصابة بالمرض.
 

ولكن متى تستدعي الحالة إدخال الطفل إلى المستشفى؟
يوضح دبيبو بأنه "طالما انخفضت حرارة الطفل عبر مخفّض الحرارة، وما زال قادراً على تناول الطعام والشراب، وجسده نشيط وتنفسّه جيّد، فلا داعي للخوف أو للذهاب إلى المستشفى. ولكن في حال انخفضت الحرارة وبدا الطفل متعباً ولديه صعوبة في التنفس فيجب التوجّه به سريعاً إلى المستشفى. فهذه الفيروسات تُسبّب بعض المضاعفات الصحيّة، ومنها الجفاف والالتهاب الرئويّ الحادّ الذي تسبّبه بكتيريا اغتنمت الفرصة وأدّت إلى زيادة الالتهابات في الرئة نتيجة الفيروس".

في المقلب الآخر، يرفض دبيبو إقفال المدارس والصفوف، إذ برأيه "كان يجب تأمين الوقاية عن طريق اللقاح، لأنّ هذه الفيروسات تعتبر موسميّة، وتظهر وتنتشر كلّ سنة، وما اختلف هذا العام يتمثل بحدّتها أكثر مقارنة بالسنوات السابقة، بتأثير من الأسباب التي تحدّثنا عنها في البداية.
أضف إلى ذلك أن الفيروس يتغير ويطوّر نفسه، فيؤدّي هذا التغيير إلى إحداث موجة فيروسيّة قويّة نتيجة تهرّب السلالة الجديدة من المناعة المجتمعيّة المكتسبة".

اقرأ في النهار Premium