النهار

صحة المرأة ومسار المساواة
المصدر: "النهار"
لا تزال الملايين من النساء غير قادرات على الاهتمام بصحّتهن، ولا على الوصول إلى خدمات صحيّة، بسبب اعتبارات مجتمعيّة وماديّة وشخصيّة.
صحة المرأة ومسار المساواة
صحة المرأة أولوية.
A+   A-
د. فيصل القاق
 
عندما سُئلت النساء في دراسة معمّقة قمنا بها في كلية العلوم الصحية في الجامعة الأميركية في بيروت عمّا يشتكين منه عموماً، تضمّنت إجاباتهنّ المشكلات الاقتصادية والأسريّة. وعندما طلبنا إليهنّ الإجابة عن أحوالهن الصحيّة، تعدّدت الإجابات لتشمل الصحة النفسيّة والإنجابيّة والجنسيّة والتعب والهمود.
 
كلّ هذه المشكلات الصحيّة لم تظهر وتَبنْ أمام ما اعتبرته النساء هموماً حياتيّة ومعيشيّة وعائليّة، ممّا يُشير إلى تدنّي موقع وأهميّة المسألة الصحيّة الخاصّة بالمرأة، مع إدراكها لضرورتها وتبعاتها، كفعل تضحية أمام الأمور التي تخصّ أسرتها والعائلة.
 
لم يساعد ربط وصول المرأة إلى الرعاية الصحيّة من باب الحمل والخصوبة والإنجاب، لا في تعزيز الصحة الشاملة والمتكاملة لها، ولا في ممارسة كامل حقوقها المتعلّقة بالصحة الإنجابية والجنسيّة، لا بل أدّى ذلك الربط المحدود إلى إهمال صحّة المرأة، عبر مراحل حياتها، وأثّر بشكل ملحوظ في الجهود الدوليّة المستمرّة حول الحقوق والمساواة والعدالة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
 
تُعتبر الصحة والوصول إلى الخدمات الصحيّة مدخلاً أساساً لتعزيز وتوسيع الفرص الاقتصادية للمرأة، يُمكّنها من الاهتمام بنفسها وأسرتها، ويفتح آفاقاً رحبة تساهم في تطوير ذاتها ومجتمعها.
 
لا تزال الملايين من النساء غير قادرات على الاهتمام بصحّتهن، ولا على الوصول إلى خدمات صحيّة، بسبب اعتبارات مجتمعيّة وماديّة وشخصيّة، أهمّها عدم تمكين المرأة ومساعدتها على اعتبار جسدها وصحته وسلامته والحفاظ عليه حقاً مقدّساً من حقوقها، لا يُهمل ولا يسقط مهما ضاقت سُبلٌ أو اضطرب مجتمعٌ.
 
بان ذلك بوضوح خلال وباء كوڤيد. وأشارت دراسات متعدّدة إلى سقوط معظم المكتسبات المتعلّقة بصحّة المرأة وحقوقها الإنجابية والجنسيّة وتدنّي عدد النساء اللواتي يستعملن الخدمات الصحيّة، لأن النظام الصحيّ غير جاهز، وغير مستعدّ للأزمات، فاستعان بما لصحة النساء ليدعم وهن استجابته للوباء، تماماً كما دعمت إحدى الحكومات اللبنانية "الكاجو" على حساب الرزمة الأساسية لصحّة المرأة.
 
ما زال العالم يُخيّب النساء، ويُصيبهنّ بالفشل بعدم تقديره مفصليّة صحّة المرأة في الأولويات والسياسات.
 
تُرى هل يعلم المسؤولون أن النساء اللواتي زرن مقدّم الرّعاية الصحيّة، ولو لمرّة واحدة، كان عمرهن المتوقّع أعلى بـ٢-٣ سنوات من اللواتي لم يزرن الطبيب؟!
 
أكثر من مليار ونصف المليار امرأة لا يصلن إلى الرعاية الصحيّة، ونحو ١٠ في المئة فقط يُجرين فحوصات تُقصي السرطان!
 
تخسر العائلات والمجتمعات حيوات النساء من دون مبرّر. هناك ما يقارب ٩٠ ألف وفاة بسبب سرطان عنق الرحم في شرق المتوسط، وكان بالإمكان إنقاذهنّ لو قرّرت الحكومات أن تستثمر قليلاً في الصحّة الوقائيّة والصحّة العامّة.
 
فكيف لسياسات التنمية والتطوير أن تكون أصلاً، وتستمر؟
 
 
يمكن للصحة والسياسات الصحي~ة العادلة، وفق ما تشير منظمة الصحة العالمية، أن تكون إحدى المسارات الجديّة والحقيقيّة نحو المساواة الجندرية والعدالة المجتمعية. بدأ وعي الحكومات يزداد تجاه ضرورة الاستثمار في صحّة المرأة. وبالرغم من التقدّم الحاصل في خفض وفيات الأمّهات، فإنّ الحكومات تُدرك اليوم الأعباء الصحيّة التي ما زالت ترزح تحتها النساء والفتيات إلى جانب وباء العنف والحرمان من العلم والعمل.
 
في الوقت الذي يدعو فيه يوم المرأة العالمي لعام ٢٠٢٣ إلى الإبداع والتكنولوجيا الرقميّة نحو المساواة الجندرية، لا يمكن لذلك الهدف أن يُنجز من دون نساء يتمتعنّ بصحة جسديّة ونفسيّة جيّدة، ويُمارسنّ حقوقهن الإنجابيّة الجنسيّة ضمن قناعاتهن وخياراتهن الشخصيّة.
 
وفي هذا الإطار، نعمل مع منظمة الصحة العالمية ضمن أحد برامجها على إتمام رزمة الرعاية الشخصيّة الذاتيّة للنساء اللواتي لا يتمكّن من الوصول الملائم إلى الرعاية الصحيّة.
 
ستغيّر الرعاية الذاتيّة وجه الرعاية الصحيّة وتمنح المرأة القدرة على الاضطلاع بدور أساسي في الحفاظ على صحّتها عندما تمنعها الظروف العديدة من ذلك.
 
سبع سنوات تفصلنا عن استحقاق أهداف التنمية المستدامة ٢.٣٠، التي تعتمد على تحقيق الصحّة والتمكين الجندريّ من بين أهداف أخرى؛ لذا لا يجب أن ننسى أنّ المرأة المتمتعة بصحّة جيّدة تقودنا نحو مجتمع صحيّ واقتصاد صحيّ؛ أمّا غير ذلك فهو مضيعة للوقت والموارد.
 
عندما تخطو النساء إلى الأمام، يخطو العالم معهنّ إلى الأمام، وكلّ عام ونساء العالم بأفضل حال.
 
 
*طبيب نساء وباحث
الجامعة الاميركية في بيروت

اقرأ في النهار Premium