منذ أيام قليلة، أصدر المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي محمد كركي مذكّرة، استناداً إلى قرار هيئة مكتب مجلس الإدارة، قضت برفع تعرفة جلسة غسل الكلى من 500 ألف ليرة لبنانية إلى مليون ليرة لبنانية، وبرفع بدل أتعاب الطبيب المعالج من 75 ألف ليرة لبنانية إلى 200 ألف ليرة لبنانية، على أن تتقاضى المستشفيات أتعابها وفق هذه التعرّفة من دون أن تُحمّل المضمونين أيّة فروقات ماليّة؛ وذلك بهدف الحدّ من الأعباء التي يتحمّلها المرضى. على الرّغم من ذلك، التحدّيات أمام مرضى الفشل الكلويّ كثيرة، وأسبابها عديدة، وقد تفوق خطورةً كلّ ما يرزحون تحته من ضغوطات في ظلّ الأزمة.
بحسب رئيسة قسم أمراض الكلى في مستشفى "أوتيل ديو دو فرانس"، الدكتورة دانيا شلالا، التحدّيات كثيرة فعلاً أمام المرضى، لأن تكلفة الجلسة من المفترض أن تكون موحّدة في مختلف المستشفيات، إنّما ثمة عوامل عديدة يمكن أن تؤثر في ذلك كالمستلزمات المطلوبة في الجلسات، ومدى توافرها، والقدرة على تأمينها، وصيانة الأجهزة؛ مع الإشارة إلى أنّ ثمة مستلزمات عديدة في جلسة غسل الكلى تستخدم مرة واحدة فقط كالمصفاة، والحقن، والماء، الذي يحتوي على موادّ لتنقية الدم.
وتُضيف: "ما يعتبر إيجابياً ويخفّف من الأعباء على المواطنين حتى اللحظة هو أن الموادّ المستخدمة في الجلسة والمستلزمات لا تزال مدعومة، ممّا يعني أنّ ثمة دعماً للمريض لتحمّل تكلفة الجلسة، علماً بأن تكلفة الجلسة الواحدة اليوم هي تقريباً 20 دولاراً أميركياً في ظلّ الدعم. إنّما المشكلة ليست هنا، ولا في رفع التعرفة، كما حصل، لأن هذا القرار يبقى حبراً على ورق، بما أن مستحقّات المستشفيات لم تُسدّد من قبل وزارة الصحة منذ بداية العام 2021".
تُوضح شلالا بأنّ معظم مرضى غسل الكلى في المستشفيات يستفيدون من تغطية الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أو وزارة الصحة، والمستشفى مستمرّ في معالجتهم بشكل طبيعيّ، من دون أيّ تضييق، بل ثمّة التزام إنسانيّ تجاههم بالدرجة الأولى.
وتؤكّد أنّه لا يُمكن التقصير بحقهم؛ على العكس، هم ملتزمون بعلاجاتهم، وليس هناك تأخير في أيّ منها أو في الفحوص التي تُجرى لهم بانتظام، والتي تغطّيها أيضاً وزارة الصّحة أو الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بنسبٍ معيّنة، فيما تُدرك جيداً أنّ هذا لا ينطبق، وللأسف على كافة المستشفيات، ومنها ما قد يخفّف من الأعباء عبر الحدّ من الفحوص التي تُجرى دورياً للمرضى مثلاً، إذ في مجالات أخرى تؤثر سلباً على صحّة المريض. هذا، فيما يعلم الكلّ أنّ وضع مرضى الفشل الكلويّ دقيق للغاية، وقد يكون أكثر خطورة من وضع مرضى السرطان بما أنّ عامل الوقت أساسيّ لهم وأيّ تأخير يُهدّد حياتهم، لا بل يُعتبر حكماً بالإعدام عليهم.
فأمام كلّ التحدّيات والصعوبات المريض هو أول من يدفع الثمن. ويضاف إلى التحديات التي يواجهها المريض مشكلة التنقّلات والتكلفة العالية لأسعار المحروقات، وكثيرٌ من المرضى يعجزون عن تحمّل هذا العبء الإضافي، ومنهم من يطلب خفض عدد جلساتهم إلى جلستين في الأسبوع بدلاً من 3 ليخفّفوا من التكاليف، غير آبهين بما يُمكن أن يُسبّبه ذلك من مشكلات صحيّة لهم.
المستشفيات في ورطة أيضاً
ما تؤكده رئيسة قسم أمراض الكلى في مركز "بلفو" الطبيّ الدكتورة شادية بعيني هو أن مستلزمات جلسة غسل الكلى لا تزال مدعومة بنسبة كبرى فعلاً، لكن يبدو أنّ الشركات الكبرى بدأت تطالب المستشفيات بالتسديد بالدولار الفريش قبل التسليم والدعم.
لكن مصرف لبنان لا يحوّل الأموال اللازمة في حينها، ممّا يمنع توفير هذه المستلزمات للمرضى ويهدّد بأزمة حقيقية في هذا المجال ما لم يتم تصحيح مسار الأمور. "زيادة تعرفة جلسة غسل الكلى لا يلغي الأزمة نظراً للتكلفة الكبرى للجلسة بالدولار، والتأخير في تسديد مستحقات المستشفيات من قبل وزارة الصحّة والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والذي يتخطّى العام أو أكثر.
فإذا ما سدّدت هذه المستحقات، قد تكون نفقات المستشفيات موازية لما تحقّقه من مداخيل، لكن بما أن مستحقاتها لا تُسدّد، فهي تتحمّل خسائر كبرى ولن تتمكّن من الاستمرار بهذا الشكل، وهذا ينطبق على الأطباء الذين لن يتمكّنوا من الصمود في ظلّ هذا الوضع".
أما بالنسبة للمرضى، فوقع هذا الوضع عليهم كارثيّ، مع مَا ينتج عن ذلك من تداعيات على صحتهم، لأنهم عاجزون عن التوجه إلى المستشفى في مواعيد جلساتهم، ويفضّلون خفض عدد هذه الجلسات بسبب الوضع المعيشيّ وعدم قدرتهم على تحمّل الأعباء.
وبالنسبة لأدويتهم فهي من الأدوية المزمنة التي هم ملزمون بتناولها طوال حياتهم، وأصبحت تكلفتها عالية جداً عليهم بحسب "البعيني"، التي تشير إلى أن لا أحد يعلم إلى متى يمكن أن يستمرّ المريض بالصمود وبتحمّل كلّ هذه الأعباء التي تُلقى على عاتقه. هذا، من دون أن ننسى أن مريض غسل الكلى يحتاج إلى دخول المستشفى أكثر من غيره من المرضى، بسبب حالته الصحيّة، فكيف له أن يتحمّل تكاليف الدخول إلى المستشفى التي يعلم الكلّ حجمها.
من المؤكّد أن خطورة الوضع تطال مختلف الجهات، إنّما يبقى المريض الضحيّة الكبرى، وتبدو حياته مهدّدة في مثل هذه الظروف، ما لم يتمّ تصحيح الأمور بأيّ شكل من الأشكال. فأيّ تأخير أو تهاون يزيد من حجم المأساة وعندها لن يعود للندم أيّة فائدة.