يبدو أن جرثومة الكوليرا باتت الشغل الشاغل في البلد بعد أن خيّم فيروس كورونا لسنتين وبعد انتشار لفيروس إلتهاب الكبد الفيروسي أ في منطقة الشمال في الأسابيع الماضية. لم يعد الموضوع محصوراً في مشكلة واحدة وإنما في أرضية مهترئة تعاني من مشاكل متراكمة أدت إلى ظهور الفيروسات والأوبئة وآخرها الكوليرا.
ما بات معروفاً أن شبكة المياه تعاني كثيراً، المشكلة زادت سوءاً خصوصاً بعد الأزمة الاقتصادية وانقطاع الكهرباء، ونتيجتها تلوث مياه المنازل بمياه الصرف الصحي. صحيح أن انتقال الكوليرا إلى لبنان جاء على الأغلب من سوريا نتيجة التفشي الكبير للكوليرا، لكن ما يتخوف منه كثيرون انتشار هذه الجرثومة بشكل سريع لاسيما في بعض المناطق التي تعاني أصلاً فقراً وعوزاً وازدحاماً سكانياً.
يؤكد مدير مستشفى الراسي الحكومي الدكتور محمد خضرين لـ"النهار" أن "هناك 3 حالات في المستشفى، واحدة في العناية الفائقة نتيجة تأخرها لطلب الرعاية الطبية، والحالتان الأخريان في صحة جيدة وستغادران المستشفى بين اليوم والغد".
لكن ماذا عن مناطق أخرى؟ وهل تسللت الكوليرا إلى مخيمات أخرى، في ظل الحديث عن أخذ عينات لأكثر من 20 شخصاً في عرسال وغيرها؟
في حديث لـ"النهار" يوضح رئيس بلدية عرسال باسل الحجيري أنّه "تم أخذ عينات لحوالى 25 شخصاً غالبيتهم في المخيم خلال يوميّ الخميس والجمعة الفائت، إلا أن النتائج لم تصدر بعد، ونحن في انتظار صدورها حتى نتأكد من الواقع الوبائي في المنطقة".
ويتخوف الحجيري من أن تكون النتائج إيجابية، لاسيما في المخيمات التي تشهد ازدحاماً واحتكاكاً مع الناس خارج المخيم، وأن الأطفال السوريين يتعلمون مع أطفال المنطقة، ما يعني أن الاحتكاك موجود طيلة الوقت. كما أن الظروف الاجتماعية الصعبة قد تصعّب على كثيرين اتّباع الاجراءات الوقائية والعزل وغيرها، لذلك الموضوع ليس سهلاً ونحتاج إلى تعاون ومتابعة حثيثة لتوعية المواطنين على كيفية الوقاية والتصرف في حال الإصابة".
في ظل التكهنات والترجيحات التي ما زالت ضمن خانة الشك وليس التأكيد، يمكن القول إن هناك حوالى 14 اصابة مؤكدة حتى الساعة في لبنان. وهذا ما تؤكده رئيسة مصلحة الطب الوقائي في وزارة الصحة الدكتورة عاتكة بري لـ"النهار" أنّه "حتى الساعة هناك 14 حالة مثبتة بإصابتها بالكوليرا؛ 3 منها موجودة في مستشفى الراسي الحكومي، و6 يعانون من عوارض خفيفة يتم معالجتهم في المنزل و5 لا يعانون من أي عوارض والحالات تقع في منطقة جغرافية واحدة.
أما بالنسبة إلى الحالات المشتبه بها في عرسال وغيرها من المناطق، تتابع وزارة الصحة كل الحالات التي تعاني من إسهال مائي حاد وأخذنا عينات لها في انتظار صدور النتائج لتأكيد أو نفي إصابتها بالكوليرا".
ومن المهم أن نعرف أن 80% من حالات الكوليرا تكون خفيفة و20% تستدعي الدخول إلى المستشفى و5% تعاني من عوارض شديدة قد تهدد حياتهم. وحالياً الحالات الموجودة في المستشفى جميعها مستقرة، في حين لم تصدر نتائج الطفل الذي توفي منذ أيام، ولكن يرجح ان لا يكون مصاباً بالكوليرا لأنه عانى من اسهال دموي ما يستبعد أن تكون جرثومة الكوليرا هي السبب. ومع ذلك عند صدور النتيجة سيتم الإعلان عنها، وفي الوقت الحالي ترسل العينات إلى مختبر مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت ولكنه سيصبح متاحاً في مستشفى الحريري ومن ثم بعض المستشفيات المرجعية الأخرى. كذلك تسعى منظمة الصحة العالمية إلى تأمين فحص سريع أولي سيساعد في تشخيص مبكر وسريع لمنع الانتشار السريع".
وترى بري أن "وجود مشكلة في المياه والصرف الصحي يؤدي إلى ارتفاع مخاطر انتشار الأوبئة سواء الكوليرا أو غيرها، وبالتالي إصابة واحدة بالكوليرا وقدومها إلى المستشفى متأخرة تؤدي الى انتشار الجرثومة في الصرف الصحي. من الناحية الوبائية؛ عند تسجيل حالة كوليرا، تكون بمثابة إنذار وبائي وإمكانية انتشار الجرثومة في المنطقة التي سجلت فيها الحالة. كما أن تردي شبكات الصرف الصحي وتداخلها مع المياه المستخدمة في المنازل، تؤدي إلى زيادة عدد الحالات".
وعن الحالات الخمس المصابة بالكوليرا من دون عوارض، تشير بري إلى أن "اصابتهم جاءت نتيجة الاحتكاك بالحالة الأولى وعدم اتباع النظافة الشخصية. وبرغم من عدم وجود عوارض، إلا أن هذه الحالات قادرة على نقل العدوى إلى غيرها، خصوصاً في حال عدم معالجة البراز الذي سينتقل عبر الصرف الصحي".
وترجح رئيسة مصلحة الطب الوقائي أن تكون سلالة جرثومة الكوليرا هي نفسها الموجودة في سوريا كوننا في نفس المنطقة الجغرافية، ولكننا في انتظار صدور النتائج لتأكيد ذلك. وتجدر الإشارة إلى أن غالبية الحالات المصابة بالكوليرا مترابطة ببعضها، ولكن هناك حالتين يتم متابعتهما وهما غير مرتبطتين بالحالة الأولى إلا أنها من المنطقة نفسها. وتتابع وزارة الصحة لمعرفة كيفية انتقال العدوى إليها وإصابتها بالجرثومة.
وتوضح بري أن الدواء موجود في المستشفيات لا سيما حلبا والحريري، فيما يتم تجهيز المستشفيات المرجعية السبعة الأخرى تباعاً بالتنسيق مع منظمة الصحة العالمية. والدواء موجود في مستودع الوزارة في انتظار توزيعه على المستشفيات المرجعية التي قد تستقبل الحالات. وحتى الساعة، يستقبل مستشفى حلبا الحكومي ومستشفى رفيق الحريري الحكومي الحالات المصابة كونها مجهزة بالكامل لمتابعة ومعالجة المصابين، في حين يتم تجهيز المستشفيات الأخرى وسيعلن عنها في وقت لاحق بعد انتهاء التجهيزات.
وتعتبر المسألة حساسة مع الكوليرا لأن التخلص من الفضلات الصحية في المستشفيات دقيقة، لأنه يتم وضع أسرة مفتوحة للمريض غير القادر على الذهاب إلى المرحاض، وبالتالي يتخلص من البراز من خلال خزان صحي ومن ثم تعقيمه قبل التخلص منه بطريقة سليمة.
شهدنا منذ أشهر في منطقة الشمال، انتشاراً لحالات التهاب الكبد الفيروسي أ ويعود السبب إلى تداخل مياه الصرف الصحي مع المياه المنزلية نتيجة الحفريات التي حصلت، ما أدى إلى ارتفاع الحالات أكثر من المعدل. مع العلم أن التهاب الكبد الفيروسي أ هو فيروس مستوطن في لبنان وكل سنة يُسجل مئات الحالات خصوصاً مع أول أيام الشتاء حيث تتداخل مياه الصرف الصحي مع مياه المنازل.
لكن، تشدد بري على أن ما يقلقنا أكثر هو انتشار الكوليرا لأنه لم نُسجل حالات منذ العام 1993، في حين أن التهاب الكبد الفيروسي أ هو مرض مستوطن في لبنان.
من جهته، اعتبر نقيب الأطباء في بيروت الدكتور يوسف بخاش أنّه "يجب عزل المصابين بالكوليرا لكسر سلسلة العدوى، ووزارة الصحة بدأت بفحص المياه لمعرفة مصدر الانتشار إذا كان من سوريا أو من تلوّث المياه الجوفية"، أما وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض فرأى بعد جولته بالأمس على محطة المياه في طرابلس أنه "مع غياب المياه السليمة والنظيفة سيكون انتشار الوباء سريعاً".