تتوسّع رقعة انتشار الكوليرا في لبنان، ويرتفع عدد الإصابات في مختلف المناطق، في الوقت الذي دقّ وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض ناقوس الخطر، مؤكّداً أن "اعداد المصابين بالكوليرا إلى تزايد، ونحن بحاجة إلى التعاون والوعي للحدّ من انتشار الوباء".
وشدّد الأبيض على أن "البنى التحتية مهترئة، وتقوم الوزارة بإجراءات وجولات عينيّة للكشف عن مصادر التلوّث. ومع ذلك نعتقد أنه لدينا فرصة قبل التفشّي الكبير".
وفق آخر أرقام وزارة الصحة، سجّل لبنان بالأمس 118 حالة مشتبه فيها ومثبتة، خلال الـ24 ساعة الماضية، ليُصبح مجموع الحالات 3160 حتى تاريخ 10 تشرين الثاني 2022، في ظلّ التدهور المعيشي والاقتصادي المستمرّ، وتراجع مستوى الخدمات الصحية، واستنزاف النظام الصحي الذي يواصل كفاحه منذ ثلاث سنوات.
وكانت منظمة الصحة العالمية قد حذّرت في 31 تشرين الأول من الانتشار السريع لوباء الكوليرا الفتّاك في لبنان، موضحة بأن "الإصابات في البداية كانت محصورة في الأقضية الشمالية إلا أنها سرعان ما انتشرت، وسُجّلت إصابات مؤكّدة في جميع المحافظات".
وحذّر ممثل منظمة الصحة العالمية في لبنان عبد الناصر أبو بكر في حديث له من هشاشة "الوضع في لبنان، فالبلد يكافح لمواجهة أزمات أخرى، وهذه الأزمات يتضاعف أثرها بسبب التدهور السياسي والاقتصادي المستمرّ منذ مدة طويلة".
في مواجهة المرض الزاحف، تلّقى لبنان 600,000 جرعة من لقاح الكوليرا من المخزون العالمي بدعمٍ من منظمة الصحة العالمية، على الرغم من أن هذا لا يكفي لحماية جميع المعرّضين للخطر.
وأعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في لبنان، في بيان له، أنه "استجابةً لتفشّي الكوليرا الذي أُعلن في 6 تشرين الأول، والذي يستمر في الانتشار في جميع أنحاء البلاد، أعلن منسّق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في لبنان عمران ريزا عن تخصيص صندوق الأمم المتحدة المركزي لمواجهة الطوارئ والصندوق الإنساني للبنان ما مجموعه 9.5 ملايين دولار لاحتواء تفشّي الكوليرا في لبنان".
إذن التحدّيات جديّة في لبنان، والمرض يكاد يخرج عن سيطرة المعنيين، وقد تطلّب الوضع مساعدة أمميّة للوقوف بوجه الكوليرا، حيث يرى الاختصاصي في الأمراض الجرثومية الدكتور عيد عازار مع "النهار" أن "الكوليرا تنتشر وتتمدّد، ولكن لا يمكن أن نحسم درجة استيطان المرض في لبنان، ووجوده في كلّ الأحياء. وفي العودة إلى الجدول اليوميّ الصادر عن وزارة الصحة، يبدو واضحاً تسجيل حالات كوليرا في مختلف القرى اللبنانية، حيث ما يزال المرض في أغلبها لا يتخطّى الإصابة أو الإصابتين. لكن الخطر أن تُسجّل هذه المناطق ارتفاعاً في الإصابات لتصل إلى 20-30 حالة في كلٍّ منها، وعندها يكون الكوليرا قد استوطن بين الناس".
يُشدّد عازار على أن "هذا السيناريو ليس محسوماً، ولا أحد يمكن أن يتنبّأ بما نحن قادمون عليه، إلا أنّه في المقابل، نتابع مسار الوباء في سوريا ومراقبة عدد الإصابات المسجّلة. فإذا بقيت الأرقام تشهد زيادة، وبقيت الحدود بين البلدين مفتوحة، فإن ذلك سيؤدّي حكماً إلى زيادة الإصابات في لبنان، بالإضافة إلى أن الأمر مرتبط بقدرة وزارة الصحة اللبنانية على تتبّع وترصّد كلّ الحالات المشتبه فيها والمؤكّدة، وفحص كلّ مصادر المياه للتأكّد من سلامتها".
بناءً على ما تقدّم، يضعنا عازار أمام سيناريوهين:
- "السيناريو الأول: انخفاض الإصابات في سوريا، وانحسار المرض أكثر بما يتناسب مع تناقص عدد الإصابات الداخلة إلى لبنان من سوريا. في الوقت نفسه، ينبغي تتبع ورصد اللاجئين السورين في لبنان لمنع انتقال العدوى إلى المجمّعات السكّانية أو نقلها إلى المدارس، بالإضافة إلى التلقيح ( لقاح الكوليرا) الذي سيساعد على الحدّ من انتشار الجرثومة. وعليه، تتراجع الإصابات بالكوليرا، وينحسر الوباء بشكل كبير ويختفي".
- "والسيناريو الثاني: انتشار الكوليرا أكثر في المناطق اللبنانية، وعدم قدرة السلطة المعنيّة على السيطرة عليها، فنكون أمام انتشار وبائيّ كبير محلّي".
وأمام هذا الواقع، لا يمكن لأحد أن يقدر ما هو السيناريو الذي قد نشهده في لبنان، لذلك كما يقول عازار "علينا الانتظار والمراقبة، وتشجيع الوزارات المعنية على فحص أكبر عدد ممكن من الحالات، بالإضافة إلى فحص مصادر المياه لمعرفة كمية التلوّث بالكوليرا، ومتابعة ارتفاع الحالات في كلّ منطقة حتى نتمكّن من إجراء الخريطة الوبائيّة التي تُحدّد المناطق التي تشهد انتشاراً كبيراً للإصابات، وتلك التي تُسجّل فيها إصابات محصورة".
إذن، برأي عازار "علينا العمل على أكثر من جهة لنتمكّن من احتواء الوباء بوساطة الكشف المبكر على المشبه فيهم لتفادي نقل العدوى وحصر مناطق الانتشار. ومن المهم أن نعرف أن التركيز على وسيلة واحدة لن يأتي بالنتيجة المرجوّة".
ويضيف عازار "نحن نجهل عدد الأشخاص الحاملين أو المصابين بجرثومة الكوليرا. إذا كان لدينا رقم كبير فهذا يعني أنّه مع الوقت سيتمّ تلويث كلّ مصادر المياه. أمّا إذا كان الرقم قليلاً فنحن أمام مشكلة أقلّ سوءاً. وفي ظلّ علامات الاستفهام الكثيرة حول سلامة شبكات المياه في لبنان، وفي ظلّ عدم معرفة الخريطة الوبائية بكلّ تفاصيلها ونسبة مصادر المياه الملوّثة ونسبة القادمين من سوريا الحاملين لجرثومة الكوليرا، ستبقى الأمور غير واضحة، ووحده الوقت سيحدّد خطورة الوضع من عدمه في لبنان".