يدير محمد عابدين، الذي عمل مدرباً للجمباز في وقت سابق، صيدلية صغيرة في شمال لبنان تقدّم علاجاً رخيصاً يعتمد على الأعشاب لزبائن أنهكهم النقص المزمن في الأدوية وارتفاع أسعارها.
وترجع تلك الممارسات إلى آلاف السنين وتعرف باسم الطب البديل أو طب الأعشاب وتعتمد على لفافات من الأعشاب والبهارات والزيوت الطبيعية ويحصل عليها المرضى في محاولة لعلاج أمراض من بينها البرد والكحة وآلام المعدة.
وينتمي عابدين إلى أسرة من الصيدلانيين في مدينة طرابلس الساحلية بشمال لبنان. وبعد انهيار اقتصادي استمر قرابة ثلاثة أعوام يزيد الطلب على أدويته.
وقال عابدين الذي يبلغ من العمر 53 عاماً إن "الناس لما غلت الأسعار عليها والدواء وكذا، صارت تلجأ لهذا الطب".
في أيلول، حذّرت الأمم المتحدة من أن الرعاية الصحية لن تكون في متناول 33 في المئة من الأسر في لبنان. وسيكون أكثر من نصفهم غير قادرين على الحصول على الأدوية إمّا لأنها غالية أو لأنها غير موجودة في الصيدليات.
بعد صدور هذا التحذير بأسابيع، رفعت الحكومة الدعم عن معظم الأدوية، ومن بينها الأدوية التي تعالج الأمراض المزمنة مثل السرطان، وتسبّب ذلك في زيادات جديدة في الأسعار.
وبشكل خاص تضرّرت طرابلس بشدّة من الانهيار المالي، لأن الأمم المتحدة صنفت المدينة باعتبارها الأفقر على البحر المتوسط حتى قبل بدء الأزمة.
ليست بديلاً
في السياق، قال عابدين إن زبائنه يأتون إليه بعد أن أعيتهم طلبات الأطباء والمستشفيات "بدك دواء التهابات، بدك كشف دم، اعمل لي فحص، اعمل لي... بيهلكوا، بيهلكوا".
وأضاف أنه لذلك يقدّم لهم بدائل مثل زوبع وهو عشب لبناني مثل الزعتر يضاف إلى الشاي لتخفيف التهاب الحلق.
من جهته، قال الصيدلاني عمر الرافعي إن الناس يتجهون إلى الأدوية المستندة للنباتات حتّى للأمراض الأكثر خطورة.
وقال الرافعي: "هي الأدوية صارت غالية كتير. يعني مثلاً دواء السكري يمكن حقه هيك شي مليون أو مليون ومئتين ألف" أيّ قرابة مثلي الحد الأدنى للأجور في البلاد وهو نحو 600 ألف ليرة.
وقال المعالج بالأعشاب الذي يبلغ من العمر 48 عاماً "بيقدر يشتري شي عشبة من عندنا بخمسين ألف خلينا نقول".
وقال وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض محذّراً من المخاطر إن وزارة الصحة تعرف أن هناك مرضى بالسرطان يتناولون أدوية الأعشاب لأن علاجهم لم يعد متاحاً.
وقال لـ"رويترز" إن "هذا مقلق. هذا ليس بديلاً، وكثير من الناس لا يفهمون هذا".
في حين تخضع الأدوية لاختبارات صارمة لتحديد فعاليتها وآثارها الجانبية المحتملة ليس هناك معايير لصناعة أدوية الأعشاب.
وقال الأبيض إن عدم وجود معمل مركزي في لبنان يقوم بالاختبارات الخاصة به ويصدر اللوائح يترك الباب مفتوحاً أمام إساءات استعمال واسعة النطاق باستخدام "مواد غير خاضعة للفحص" مثل العلاج المعتمد على النباتات.
بدوره، قال نقيب الصيادلة جو سلوم إن الاستعمال العارض للفافات الأعشاب يمكن أن يخفّف الألم، لكن الجرعات غير المحدّدة سلفاً يمكن أن تكون لها مخاطر صحية.
وقال سلوم: "إمتى بتصير خطرة؟ لما نكون عم نستعملها بشكل مركز وحدا عم يضبها (يضعها) بكابسولات، وبالتالي عم يستعملها بطريقة خاطئة".
قال عمر العلي، وهو صيدلاني في طرابلس، إن زبائنه يشترون الحبوب بالشريط لأنهم لم يعودوا يستطيعون شراء العبوة كاملة ويطلب كثير منهم أدوية الأعشاب.
وقال العلي: "من قبل الناس بتروح عليها، بس كانت قليلة، اليوم شوي الاتجاه أكثر للهروب من المبالغ الطائلة للدواء".
وحتّى الصيدليات لم تسلم من زيادات الأسعار.
بعد الحصول على الإمدادات من دول مثل الهند والصين اضطر الكثيرون إلى خفض وارداتهم من الخارج لأنها مسعرة بالدولار الأميركي الأقوى كثيراً الآن من الليرة اللبنانية.
وقال الصيدلاني كمال الشهال: "بنقتصر على الأشياء المطلوبة وما عدنا عم نتوسع مثل قبل".