من أول معقل لمواجهة فيروس #كورونا إلى أول مستشفى حكومي يُجري عملية دقيقة وبتقنيات متطورة كما تقوم بها المستشفيات الخاصة الجامعية. يحاول مستشفى رفيق الحريري الحكومي أن يبثّ رسالة أمل إلى المرضى في لبنان، يسعى أن يثبت قدراته الطبية والعلمية على غرار المستشفيات الكبيرة رغم كلّ التحديات والظروف التي تواجه القطاع الصحي في لبنان وتحديداً الصعوبات التي تعانيها المستشفيات الحكومية.
كانت الجائحة درساً كبيراً للقطاع الصحي في العالم، وقد استخلص الكادر الطبّي والتمريضي الكثير من العبر، تحديات وإنجازات، تعب، انتصار مشاعر متنوعة اختبرها طيلة سنتين، لكن اليوم الوضع مختلف. تزيد الأزمة الاقتصادية من تصدّع أساسات هذا القطاع، الخوف من الانهيار الكبير، وفي ظل هذه الضبابية التي تسود الاستشفاء بارقة أمل تضيء النفق المظلم الذي يسود البلاد.
صحيح أن هذه العملية ليست الأولى من نوعها في لبنان، وأن مستشفيات جامعية كبيرة مثل الجامعة الأميركية ومستشفى القديس جاورجيوس ومستشفى الرسول الأعظم أجرتها في غرف العمليات لديها، إلا أنها المرة الأولى الذي تُجرى في مستشفى حكومي. وهذا بحدّ ذاته إنجاز لهذه المستشفيات التي تعاني من الحرمان والحقوق المنسية والمطالب المعلّقة.
قبل جائجة كورونا، كانت المستشفيات الحكومية في لبنان ترزح تحت أوضاع مأساوية ومطالب لا تحصى، إضرابات وتحرّكات احتجاجية لموظفيها، إهمال في تمويلها ودعمها، ومتروكة لمصيرها. لكنّ كلّ شيء تغيّر بعد فيروس كورونا، وباتت مقصداً لكثيرين وجدوا في هذه المستشفيات الخلاص لحياتهم. لم تعد الصورة النمطية تتحكم بالمشهد، وأثبتت أنّها قادرة أن تكون مواكبة ومتمكنة في إدارة الأزمات ومواجهتها بطواقم طبية كفوءة ومتميزة.
كانت كورونا الدرس الأول لتصحيح صورة المستشفى الحكومي، أمّا الدرس الثاني فكان في إجراء أول عملية ترميم الصمّام الأبهر في القلب من دون جراحة عبر القسطرة. وبالرغم من محدودية الإمكانات والدعم المادّي، إستطاع الفريق الطبي إتمام هذه العملية بنجاح وبنصف تكاليف العملية التي تُجرى في المستشفيات الخاصة.
منذ 3 أسابيع، خضعت المريضة البالغة من العمر 70 عاماً، والتي تعاني من انسداد في الشريان الأبهري، ويشرح مسؤول قسم القلب في الجامعة اللبنانية البروفسور علي السيد لـ"النهار" أنه "عادة كانت الجراحة لمثل هذه الحالات تُجرى من خلال شقّ الصدر وتغيير الصمام. ولكن منذ سنوات، شهدنا جراحة متطورة تعالج الصمام الأبهري من دون الحاجة إلى الجراحة من خلال القسطرة، إلّا أنّ الجديد اليوم يتمثل في إجراء مثل هذه العملية في مستشفى حكومي. وهذا يدل على أن المستشفى الحكومي أظهرت ثقة تامة وأنها قادرة على إجراء عملية تعتبر من أكثر الجراحات المعقدة (تتطلب تغيير صمام من دون جراحة)."
إذاً، بمعنى آخر، المستشفيات الحكومية قادرة على القيام بالكثير من الإنجازات الطبية إذا تأمّنت لها الظروف المؤاتية والدعم اللازم. لا شيء يمنع من تقديم التقنية والجودة الموجودة في المستشفيات الخاصة، خصوصاً في هذه المرحلة الصعبة التي يشهد فيها القطاع الصحي تصدّعات بسبب انهيار العملة وانقطاع المستلزمات الطبية والمعدات الأساسية والأدوية وغيرها من التحدّيات الصحية الأخرى.
ويرى السيد أنه "لم يعد المريض مضطرًّا للذهاب إلى مستشفى خاص جامعي لإجراء هذه العملية، وبات مستشفى رفيق الحريري الحكومي قادرًا على تقديم هذه الخدمة المتطورة في قسم القلب ومعالجة الحالات المعقّدة والمتقدمة، وهذا إثبات على أنّ المستشفى الحكومي لديه الإمكانيات البشرية والتقنية التي تسمح له بالتقدم وإحراز الإنجازات العلمية على غرار المستشفيات الكبرى، وبتكلفة أقلّ."
وعن مدّة العملية، يوضح السيد أنّها "استغرقت حوالى الساعتين وهي تشمل مدة التحضيرات وتجهيز المريضة، أمّا العملية في حدّ ذاتها لا تتخطى الـ 30 دقيقة. وفي التفاصيل، نقوم بالدخول من الساق وصولاً إلى القلب حيث نفتح الصمام الأبهر ونضعه في مكانه. وقد خرجت المريضة بعد 24 ساعة من المستشفى، إلا أننا أعلنّا عن نجاح العملية بعد 3 أسابيع على إجرائها."
كما تحدّث على أهمية تحديث القسم الذي حقّق منذ تجديده في الثامن عشر من آب الماضي، "قفزة نوعية في مستوى الخدمات التشخيصية والعلاجية المقدمة للمرضى، إذ أصبح قسم القلب في المستشفى مستعدًّا للقيام بكافة أنواع الإجراءات الطبية كزرع الشبكيات على أنواعها وفتح الانسداد المزمن في شرايين القلب، وإجراء تغيير الصمام بالطريقة التدخلية، وذلك بكلفة متواضعة نسبيًّا تخفّف على المواطن العبء المالي وتكاليف العلاج".
هذا الإنجاز بمثابة رسالة يقدّمها مستشفى الحريري إلى اللبنانيين بأننا "قادرون على الصمود والتمتّع بالكفاءة والخبرة والاستمرار في تقديم الأفضل رغم التحدّيات.