"لا تفقد الأمل!". هذه هي الرسالة التي أرادت الدكتورة سامية جوزف خوري إيصالها إلى اللبنانيين جميعاً، وتحديداً إلى مرضى التصلّب اللويحي، بعد نيلها جائزة الملك سلمان للأبحاث العلمية لأبحاث الإعاقة مناصفةً مع الدكتورة إلينا قريقورينكو من جامعة بيل (الولايات المتحدة).
في مقابل ما يعيشه لبنان من أزمات، خصوصاً الصحيّة، ثمّة إصرار على الحياة، وإرادة صلبة تتمثّل بإنجازات المواطنين اللبنانيين، أفراداً وجماعات، في شتّى المجالات، لا سيّما الرياضيّة والصحيّة.
في السياق، يأتي إنجاز الدكتورة خوري (رئيسة معهد أبو حيدر لعلوم الأعصاب في الجامعة الأميركيّة في بيروت، ومديرة مركز نعمة وتيريزا طعمة للتصلّب المتعدّد)، ونيلها الجائزة العلميّة، نتاج مسيرة طويلة من الأبحاث العمليّة في حياتها المهنيّة، وليسلّط الضوء - بالرغم من كونه تكريماً شخصيّاً - وفق تأكيدها "على حاجات مرضى التصلّب اللويحي، وعلى أهميّة إنشاء أوّل مركز متخصّص في المنطقة العربية للتصلّب اللويحيّ، وفق منهجية التخصّصات البينيّة، والأهمّ إشراك المرضى في الأبحاث التي نجريها في لبنان".
لقد نجحت خوري في أن تخطف الأضواء بمسيرتها البحثيّة الطويلة، بالرغم من أنها تعترف بأنها لم تكن تتوقّع الفوز وسط 360 بحثاً مقدّماً، "خصوصاً أن عدد المشاركين في هذه الجائزة كان كبيراً"، ثمّ تؤكّد أنّه "كان شعوراً جميلاً، فهذه الجائزة في هذا الوقت هي بمثابة حافز، وباقة معنويات لكلّ الفريق، وللمرضى الذين يتوافدون على المركز".
منذ 20 عاماً كان مرض التصلب اللويحي يعني السير نحو الإعاقة. واليوم، بفضل جهود الباحثين، لم يعد المرض يمثّل إعاقة بل مرضاً مزمناً، ويمكن التعايش معه واستكمال الحياة، في الوقت الذي شقّ كثير من الأدوية طريقه إلى علاج التصلّب اللويحي، بالإضافة إلى استمرار الأبحاث السريرية.
وتأمل الدكتورة سامية خوري في حديثها لـ"النهار" في ألا يقف عائقٌ أمام جهود القضاء على المرض، معتبرةً أن "لا شيء مستحيلاً في الحياة، وقد نصل في المستقبل إلى منع حدوث المرض أو إيقافه".
تتمسّك بحلمها الذي بدأ بأول خطوة منذ دراستها في جامعة هارفرد، حيث كانت أولى أبحاثها عن مرض التصلّب اللويحي، والتي تناولت دراسة عمل الجهاز المناعيّ خلال الإصابة بهذا المرض لدى الفئران. وعليه، تقول خوري "سعيتُ إلى دراسة كيفيّة تعامل الجهاز المناعيّ مع هذا المرض بهدف البحث في كيفيّة إيقافه أو اختراع أدوية لتغيير مسار الجهاز المناعيّ ومنع الالتهاب".
كان تركيز الدكتورة خوري يصبّ في بحثها الأول على هذه النقطة تحديداً، لكن الجهود والمساعي البحثيّة لا تتوقف عند فرضيّة واحدة أو طرح واحد. كان المرض يفرض تحديات جديدة، وكان حافز خوري البحث دائماً عن وسيلة لوقف جموح المرض وسرعة تطوّره.
كانت تعرف عدوّها جيّداً، ولذلك قرّرت أن تغوص أكثر وأكثر في عالمه. وهذا ما دفعها إلى العمل على أبحاث أخرى وأهمّها - وفق ما تشرح لـ"النهار" - كيفيّة ظهور بروتين فيروس EBV في دم مرضى التصلّب اللويحي أثناء الهجمات، ومحاولة فهم العلاقة بين فيروس إبشتاين – بار أو الـEBV والمرض؛ مع العلم أن فيروس EBV يُصيب 90 في المئة من الناس، ولكن قليلين يعانون من مضاعفاته (بعضهم يواجه سرطان الغدد الليمفاوية، والبعض الآخر يُصاب بمرض التصلّب اللويحي). و"كان الهدف من البحث أن نفهم كيف يحفز فيروس EBV الجهاز المناعيّ حتى يتفاعل أكثر خلال الهجمات".
لم تتوقف خوري عند هذا الحدّ، بل انطلقت إلى بحث آخر يتناول نقص الفيتامين "د" وتأثيره على الذاكرة والتفكير، فوجدت أن "الأشخاص المصابين بالمرض، ولديهم نقص في الفيتامين "د"، تتحسّن لديهم قدرات الذاكرة وسرعة التفكير، في حال تمّ تحسين مستويات الفيتامين".
وتوضح بأن "الضمور في طبقة معيّنة في شبكة العين يمكن أن يكشف لنا (قبل الفحص السريري) أن المريض ينتقل إلى مرحلة متقدّمة (Progressive phase)، وقد نُشرت هذه الدراسة حديثاً في مجلة علميّة (scientific journal)".
وتكمن أهمية البحث، الذي تُشير إليه د. خوري، في أنه يساعدنا على الكشف السريع عن واقع المريض الصحيّ، وبالتالي الإسراع في تغيير البروتوكول العلاجيّ والأدوية قبل انتقاله إلى تلك المرحلة المتقدّمة من المرض.
وتتحدّث خوري باختصار عن مرض التصلّب اللويحي شارحةً بأن "هذا المرض يُصيب الجهاز العصبي نتيجة خلل في الجهاز المناعي، الذي يهاجم مادة "المايلن" (Myelin)، التي تغلّف الأعصاب. ثم يُسبّب الهجوم على هذه المادة التهاباً وأضراراً في هذه المادة، ممّا يؤدي إلى حدوث عوارض في الجهاز العصبي. يبدأ المرض في أغلب الأحيان بهجمات فجائيّة تظهر وتختفي، ويُصيب النساء أكثر من الرجال، ويستهدف الفئة العمريّة ما بين 20 و30 عاماً. ولكن هذا لا ينفي واقع أنّ المرض يمكن أن يُصيب أطفالاً لا تتجاوز أعمارهم أحيانًا الست سنوات، أو قد يُصيب مسنين في الستينات من أعمارهم.
وتشير خوري إلى وجود عوامل وأسباب عدّة تؤدّي دوراً في زيادة خطر الإصابة بالمرض أهمّها:
الوراثة في 30 في المئة من حالات الإصابة.
البيئة المحيطة التي تتأثّر بالتلوّث كالتدخين، والإصابة بفيروس EBV (فيروس إبشتاين – بار) أو النقص بالفيتامين "د".
وتعمل علاجات التصلّب اللويحي، الذي يُعدّ مرضاً مزمناً، على وقف الالتهاب وتطوّر المرض وتأخير الوصول إلى المرحلة المتقدّمة منه.