ينتشر وبشكل واسع استخدام الحقن المثبطة للشهية بهدف تخفيف الوزن، بعدما أخفق شعار "الحمية والتمرينات الرياضية" ببساطة في تحقيق الهدف لدى غالبية الأشخاص، وفق ما نشرت وكالة "سي إن إن" البريطانية.
لكن هل ينبغي أن نصف عقار "سيماغلوتايد" semaglutide المستخدم في تلك الحقن بأنه "معجزة" أو بأنه "حقنة النحافة" في وقت يرى فيه بعض الأطباء أنه علاج مثير للجدل؟ هل النتائج التي يحققها تستحق الضجة المثارة حوله؟ أم أننا فشلنا في التعامل مع أسباب السمنة وارتضينا بأن يقضي الأشخاص الذين يعانون من البدانة بقية أعمارهم في تلقي العقاقير الطبية؟
كانت جان، وهي من سكان مقاطعة كِنت في إنكلترا، من بين أول من شارك في التجارب التي أجريت على عقار سيماغلوتايد في العالم. هناك نسختان للعقار، الأولى تباع باسم "ويغوفي" Wegovy لأغراض إنقاص الوزن، والثانية باسم "أوزمبيك" Ozempic وهي مخصصة لمرضى السكري، ولكن البعض يشتري النسخة الثانية بغرض إنقاص الوزن أيضاً.
يقلد سيماغلوتايد الهرمون الذي يفرزه الجسم عندما نأكل، ويجعل الدماغ يعتقد بأننا نشعر بالشبع، ويقلل من شهيتنا، ومن ثم يجعلنا نتناول كميات أقل من الطعام. وبمجرد أن بدأت جان في أخذ الحقن، تغيرت علاقتها بالطعام بشكل كبير لدرجة أنها أخبرتني بأن السبب في ذلك هو إما العقار، أو أن تكون "كائنات فضائية" قد اختطفتها، وفق ما أفاد كاتب التقرير.
للمرة الأولى أصبحت تستطيع أن تدخل مقهى من المقاهي وترى كعك الشوكولاتة والكراميل بدون أن يصرخ جسمها "أنا بحاجة إلى هذا".
تقول جان: "لا أشعر بالجوع... إنه جسمي الذي يقول لي إنني لا أريد الطعام وليس ممارستي لقوة الإرادة".
في المتوسط، الأشخاص الذين يعانون من البدانة فقدوا نحو 15 في المئة من وزنهم عندما أخذوا سيماغلوتايد إلى جانب اتباع نمط حياة صحي خلال التجارب. لاحظ أن ذلك ليس "حقنة نحافة" - فنسبة 15 في المئة تعني أنه إذا كان وزنك 127 كيلوغراما فإنه سينخفض إلى 107 كيلوغرامات.
وأشارت الدراسة إلى أن الوزن تقلص في العام الأول ثم أصبح مستقراً على مدى الأشهر الثلاثة المتبقية من مدة التجربة. لا نعرف ماذا سيحدث عندما يتناول الأشخاص ذلك العقار على مدى أعوام.
فقدت جان 28 كيلوغراماً من وزنها. النتائج تبدو أقوى من النتائج المعتادة للحمية، التي عادة ما تكون بدايتها جيدة، ثم ترسل مخازن الدهون المستنفدة في الجسم إشارة إلى الدماغ لطلب الطعام. لهذا السبب تفشل الحميات في نهاية المطاف.
يقول البروفيسور سير ستيفن أوراهيلي في معهد البحث الطبي Medical Research Council: "أكثر من 90 في المئة من الأشخاص ينزعون إلى العودة إلى نفس الوزن الذي بدأوا به رحلة الحمية".
ويرى أن مثل هذه العقاقير تشكل "بداية لمرحلة مثيرة" تستطيع خلالها الأدوية مساعدة الأشخاص الذين "يعانون منذ فترة طويلة" من مشكلة زيادة الوزن التي تضر بصحتهم.
انتهت التجربة التي شاركت فيها جان، ولم يعد باستطاعتها تناول عقار سيمغالوتايد. بدون ذلك العقار، لم تعد هناك تلك المادة الكيميائية التي تخدع الدماغ وتجعله يشعر بالشبع.
تخبرني جان قائلة: "كنت حزينة جداً لأن وزني بدأ يزداد مرة أخرى"، وبأنها كانت على استعداد لأن تقدم أي شيء لمن يعطيها العقار مرة أخرى.
جربت جان حقناً أخرى تهدف إلى إنقاص الوزن، لكنها قررت في النهاية الخضوع لجراحة تكميم المعدة لإنقاص حجمها، ما يجعلها تشعر بالامتلاء بصورة أسرع عند الأكل.
جان لا تشعر بالندم على المشاركة في التجربة، ولا تزال تصف العقار بأنه "أفضل شيء حدث لي على الإطلاق".
عودة الوزن من جديد
بيد أن تجربة جان ليست فريدة بأي حال من الأحوال، فزيادة الوزن بعد التوقف عن تعاطي سيماغلوتايد تحدث بسرعة كبيرة. أفضل ما لدينا من بيانات طويلة المدى توضح أن الأشخاص يكتسبون ثلثي الوزن الذي فقدوه في غضون عامين من التوقف عن تلقي الحقن.
تقول الدكتورة مارغريت ماكارتني، وهي طبيبة عامة ومن مؤيدي الاعتماد على أدلة قوية في الطب: "يبدو أن هناك حاجة إلى الاستمرار في تناول ذلك العقار لضمان عدم عودة الوزن المفقود، وهذا، بالنسبة لي، يعتبر مشكلة كبيرة".
خدمة الرعاية الصحية الوطنية في بريطانيا سوف توفر العقار للأشخاص على مدى عامين فقط، وهي الفترة المحددة للعلاج في عيادات إنقاص الوزن التابعة للجهاز. ولكن نظرا لأن الوزن يعود مرة أخرى بعد التوقف عن تناول العقار، يحق لنا أن نسأل: ما الفائدة إذن؟
تقول الدكتورة ماكارتني: "إنها مشكلة كبيرة بالنسبة للكثير من الأشخاص الذين يرغبون في إنقاص أوزانهم ويفشلون في ذلك على مدى أعوام في العادة. فإذا ما عثرت على شيء يحقق لك هذا الغرض، ثم يأتي جهاز إن إتش إس ويسحبه مرة أخرى، يبدو لي ذلك الأمر مجحفاً إلى حد ما".
بالطبع هناك ظروف يكون نقصان الوزن فيها بشكل مؤقت شيئاً مفيداً. على سبيل المثال، ينبغي ألا يتجازو الوزن سقفاً معيناً لكي يتمكن المرضى من الخضوع لبعض الجراحات أو تلقي علاجات بعينها.
العقار جديد، ومن ثم سلامته على المدى البعيد غير معروفة بعد. كما أن له أعراضاً جانبية تشمل القيء والإعياء والتهاب البنكرياس.
نصر طبي أم إخفاق مجتمعي؟
شخصياً، لا أستطيع أن أقرر ما إذا كان ينبغي علينا أن نحتفل بإنتاج الطب عقاراً كهذا، أم أن العكس هو الصحيح: وهو أننا فشلنا فشلا ذريعاً في معالجة السمنة على الصعيد المجتمعي لدرجة أننا صرنا بحاجة إلى عقاقير للتغلب عليها.
يقول البروفيسور نافيد ستّار أستاذ طب الأيض بجامعة غلاسكو: "الكثير منا يتصارع مع هذه المشكلة".
ويضيف أنه من المتوقع أن يصبح نصف سكان الكوكب إما يعانون من زيادة الوزن أو السمنة بحلول عام 2035، وهناك صلة بين الوزن الزائد والإصابة بالنوع الثاني من مرض السكري وأمراض القلب وبعض أنواع السرطان. كما أن السعرات الحرارية الرخيصة "أثرت على البيولوجيا البشرية في ما يتعلق بإغراء الطعام والإسراف في الأكل".
العديد من مرضى جهاز إن إتش إس "يعانون من 4 إلى 5 حالات مرضية نتيجة وزنهم الزائد، ونحن لا نتخذ أي إجراءات فعلية في الوقت الحالي لمعالجة المشكلة"، على حد قوله.
في الوقت ذاته، السياسات الحكومية التي تهدف إلى معالجة مشكلة السمنة - كان هناك 14 سياسة من ذلك النوع في العقود الثلاثة الماضية - لم تحقق أي تقدم ملحوظ، وهو ما كان له آثار ضارة بوجه خاص على الأشخاص الأكثر فقراً في البلاد. فهناك صلة واضحة بين الفقر والبدانة.
تقول الدكتورة ماكارتني إننا بحاجة إلى التعامل مع كيفية قيام العالم الذي نعيش فيه بتغذية مشكلة السمنة، بدلا من أن نتقبل أن الناس ستزيد أوزانهم ثم ننتظر منهم أن "يرضوا بالتدخل الطبي لمعالجة المشكلة".
لقد شرع سيماغلوتايد في تغيير المشهد في ما يتعلق بمشكلة السمنة، وهناك بعض البدائل الأخرى في الطريق.
يقول البروفيسور أوراهيلي إنه حتى ولو قضينا على الأسباب المجتمعية للسمنة، "سيظل هناك أشخاص يعانون من السمنة وسوف يمرضون"، لذا يرى أن العقاقير سوف تنقلنا إلى عالم تجري خلاله معالجة السمنة "كما ينبغي، بوصفها حالة مرضية".
لكن تظل تلك العقاقير مثيرة للجدل، وقد ناقشنا فقط استخدامها لتحسين الحالة الصحية.