نسمع أخيراً بحالات كثيرة من المعاناة بسبب كوفيد طويل الأمد، فيما الدراسات المحدودة التي تناولت هذا الموضوع اقتصرت على البالغين أكثر من تناولها للفئات الأخرى، بالرغم من أن مضاعفات فيروس كورونا وآثاره قد تطال الصّغار أيضاً، ولو بنسبة ضيئلة جداً.
ويبدو أن قصّة ليبي، ابنة الـ10 سنوات، تختصر معاناة إصابتها بكوفيد طويل الأمد؛ ونتشارك قصّتها لنشر الوعي أكثر، ولكي تكون بمثابة دعم لباقي المصابين الذين يمرّون بالتجربة نفسها.
أصيبت ليبي بفيروس كورونا في شهر شباط، ولم تكن عائلتها تتوقّع للحظة أنّها ستعاني إلى هذا الحدّ، خصوصاً أنّ عوارض الفيروس لدى الصّغار تكون ضعيفة الأثر. لكن ما جرى مع ابنتهم غيّر من تصوّراتهم الجاهزة والمقولبة.
كانت إصابة ليبي شديدة، وهي لا تزال تعاني التعب الشديد والصداع المستمرّ، ليتبيّن لاحقاً - بعد زيارة الأطباء - أنّها تعاني بسبب كوفيد طويل الأمد، تسبّب لها بصعوبةٍ في المشي وتعثّرٍ في الكلام، بالرّغم من مرور 6 أشهر على الإصابة، وفق ما نشر موقع "بي بي سي".
وتُشير توقّعات مكتب الإحصاءات الوطنية البريطانية إلى أنّ 0.6 في المئة فقط من الأطفال، الذين تتراوح أعمارهم ما بين عامين وأحد عشر عاماً في المملكة المتحدة، مصابون بأعراض كوفيد طويلة الأمد.
صحيحٌ أنه لا توجد بعدُ بيانات واضحة ودقيقة حول الأطفال الذين يعانون من كوفيد طويل الأمد، إلا أن كيت ديفيز، التي هي من مؤسّسة "أطفال مصابون بكوفيد طويل الأمد" الخيريّة، تشير إلى أن النسبة قد تكون أعلى من ذلك، نظراً إلى أنّ "العديد من الأطفال بعيدون عن الأنظار".
وبالرغم من هذه النسبة الضيئلة، كانت ليبي واحدة من هؤلاء الأطفال الذين ما يزالون يُحاولون جاهدين استرجاعَ حياتهم الطبيعيّة، والأهمّ معادوة المشي والكلام من جديد.
لا تُخفي ليبي أنّها "تشعر بالرّعب"؛ فهي منذ إصابتها تعاني من "صداع مستمرّ. لا أستطيع النوم ليلاً، وأشعر بدوار شديد. لم أستطع خلال الأسابيع الخمسة الماضية الوقوف أو المشي. أحتاج دوماً إلى كرسيّ متحرّك في تنقلّاتي".
ليبي، التي تطمح إلى أن تصبح طبيبة بيطريّة أو معالجة للكلاب البوليسيّة، تحبّ ممارسة رياضة التجديف بالزورق والترامبولين والسباحة، إلا أنّها اليوم عاجزة عن ممارسة هواياتها بسبب مضاعفات كورونا طويلة الأمد.
تعاني ابنة العشر سنوات من ضيق في التنفّس حتى أثناء القيام بأشياء صغيرة، وتمكّنت بصعوبة شديدة من أن تذهب إلى المدرسة منذ إصابتها بالفيروس، وتتخوّف من استحالة عودتها إلى حالتها الطبيعية.
تشارك ليبي ما جرى معها بالقول: "أوّل ما حدث لي هو فقدان صوتي، ثمّ أصابتني الحمّى وآلام الظهر وانسداد الأنف والصداع والتعب. كنت أشعر بألم حادّ وشديدٍ جداً في الحلق، ممّا حال بيني وبين النوم بسبب عدم شعوري بالراحة".
وتتابع: "ذهبتُ إلى الأطباء مرات عديدة، وتناولت مضادّات حيويّة، لكنها لم تساعد. أسوأ شيء أعاني بسببه هو عجزي عن المشي، والحاجة إلى مساعدة أمي وأبي للقيام بأشياء بسيطة. كذلك أشعر بالوحدة ليلاً، لأنّني أظلّ مستيقظة، وصوتي ضعيف إلى حدّ لا أستطيع معه التواصل وطلب المساعدة عندما أحتاج إلى ذلك".
لقد شخّص الأطباء حالتها بالإرهاق المزمن الناتج من إصابتها بكوفيد.
تفتقد ليبي المدرسة، فهي لم تستطع الذهاب إليها خلال الأشهر القليلة الماضية، لأنها تبقى مستيقظة طوال الليل، وتنام في النهار. كذلك تفتقد رفاقها ورياضة الجمباز في أوقات اللعب في المدرسة.
وتوضح ليبي "لم أرَ كثيراً من أصدقائي، لأنني لا أستطيع ذلك؛ حتى التحدّث يرهقني، ويؤلم حلقي. أرى أحياناً بعض الأصدقاء من جيراني إلا أن استخدام كرسيّ متحرّك يُصعّب الأمور".
ومع ذلك، تسعى ليبي للعودة إلى المدرسة لاستكمال عامها الأخير في المدرسة الابتدائية، وادّخار بعض المال من أجل تحقيق ما تطمح إليه، وهو شراء زورق تجديف.
تقول "شاهدتُ أحد إخوتي يُمارس رياضة التجديف، وأثار ذلك في داخلي الدافع للمشي مرّة أخرى. آمل أن أتعافى قريباً لأنّ الشّعور بالضعف طوال الوقت غير ممتع".
وتشدّد والدة ليلي، جوان، على أن "ابنتها شجاعة، فهي تعاني من ألم مستمرّ"، وتُضيف "لم أشعر بالقلق بداية، لأنه كما بات معروفاً أن الأطفال لا يعانون من عوارض شديدة. ولكن عندما ظهرت العوارض بعد بضعة أسابيع اشتهبتُ في أنها قد تكون أعراض كوفيد طويلة الأمد".
وتعترف جوان بأنّه "من الصعب جدّاً أن ترى ابنتك تفقد أشياء تحبّها. كنتُ أشعر بالذّنب كلّما اصطحبتُ أبنائي إلى أنشطة من دون ليبي".
واضطر الوالدان إلى وضع حاسوب لوحيّ في غرفة ليبي حتى تتمكّن من استدعائهما إذا احتاجت إلى مساعدة أو احتاجت إلى مسكّنات للألم، لأنّها لا تستطيع المجيء إليهما أو طلب المساعدة.
وتأمل جوان، التي تعمل معظم الوقت من المنزل حالياً لرعاية ابنتها، في أن تكون ليبي على طريق التعافي، لكنّها قلقة بشأن المدّة التي ستعانيها، إذ أخبرها الأطباء بأنّ الأمر قد يستغرق بضع سنوات.