النهار

"لحقني خيّي كلّو دم"... جان بو جدعون يروي لـ"النهار" تفاصيل الحادث المشؤوم ورسالة إلى المسؤولين!
ليلي جرجس
المصدر: النهار
"لحقني خيّي كلّو دم"... جان بو جدعون يروي لـ"النهار" تفاصيل الحادث المشؤوم ورسالة إلى المسؤولين!
الممثل جان بو جدعون وابنه إيليا.
A+   A-
منذ أسبوع تقريباً، يُقاوم جسد إيليا بو جدعون كل الكسور والرضوض التي كست جسده ووجهه في إحدى غرف العناية في مستشفى عين وزين. لم يكن يعرف أن مشواره مع شقيقه لشراء الساندويش سينتهي بهذه الكارثة وأن تقصير الدولة والمواطنين كاد يكلفه حياته لولا العناية الإلهية.

صرخة شقيقه بعد وقوع الحادث تهزّ الحجر، "لحقني يا بيّي خيّي ع الأرض وكله دم"، كيف يمكن أن نمحو ذلك المشهد الفظيع من ذاكرته؟ كيف يمكن أن تُسكت الغضب الذي اعترى والده الممثل جان بو جدعون بسبب حادث كاد يودي بحياة ولديه لأن صاحب الشاحنة قرّر أن يركنها بشكل عرضي أمام منزله في ظلّ غياب الإنارة أو أيّ إشارة تحذيرية؟

لم يصحُ إيليا بعد تماماً، يتأرجح بين الوعي والنوم، فتح عينيه للمرة الأولى بعد جراحته الثانية التي استغرقت أكثر من 5 ساعات لترميم الكسور التي شوّهت وجهه. ما تعيشه العائلة أشبه بكابوس، واليوم ردّ جان بو حدعون على هاتفه لتوضيح ما جرى والمشوار الذي ما زال ينتظر ابنه.

يستعيد تلك اللحظات المشؤومة قائلاً لـ"النهار" إنه "نتيجة الأزمة الاقتصادية وما رافقها من أزمات في مختلف القطاعات ومنها المحروقات، اشتريتُ دراجة نارية لتسهيل عملية التنقل بما تيسّر. وفي ذلك اليوم، اقترح ولداي تناول ساندويش من أحد المحالّ وذهبا معاً لشرائها. وفي طريقهما فوجئا بشاحنة مركونة بشكل عرضي من بعد منعطف قوي من دون أي تحذيرات أو تنبهيات لتوقفها".

قرّر صاحب الشاحنة ركنها بهذه الطريقة من دون أن يضع أيّ علامات تحذيرية تنبّه السائق إلى وجودها، وعند السؤال عن السبب "كان جوابه أنه ما عم تجي الكهربا". بهذه البساطة تهرّب من مسؤوليته وسحب الشاحنة فوراً بعد وقوع الحادث. لكن المشكلة ليست فقط في إخفاء الشاحنة بل بالضرر الذي سبّبته في جسد إيليا الذي طار من الدراجة النارية ووقع أرضاً.

يوضح جان بو جدعون أن "الشارع كان مظلماً ولا إشارة أو إضاءة تساعد السائق على السير بأمان. وبعد أن انعطف ولداي فوجئا بالشاحنة المركونة بهذه الطريقة حيث اصطدما بها من دون القدرة على التخفيف أو التوقف، علماً بأنهما كانا يقودان بسرعة عادية جداً وليسا من هواة السرعة. ابني الذي كان يقود الدراجة كان يضع الخوذة ولم يُصب بأيّ ضرر، لكن الضربة الأكبر تلقاها ابني إيليا الذي طار في الهواء قبل أن يصطدم بالأرض".

بعد اتصال ابنه، توجّه جان بو جدعون إلى مكان الحادث قبل أن يُنقل ابنه إيليا إلى المستشفى، وهناك بدأت رحلة شاقة في انتظار أن يستفيق إيليا. وفق بو جدعون "تسبب الحادث بكسور عديدة في مختلف أنحاء جسمه، إذ يعاني من 5 كسور في الوجه، وكسر في الفخذ، وكسر في إحدى الفقرات في النخاع الشوكي، وانتفاخ في الدماغ ورضوض في الرئة. وضعه كان دقيقاً وصعباً وقد خضع لأولى عملياته في الفخذ وهو لم يستيقظ من غيبوبته، وبعدما خضع لعمليته الثانية في الوجه حيث استغرقت 5 ساعات ونصف الساعة، فتح عينيه وتحدّث قليلاً".

في تلك اللحظات، سأله بو جدعون "هل تحبّني"، فأجابه "كتيرررر"، بهذه الكلمات استعاد جان عافيته وقوته بعدما كسره الحادث، وبتلك الكلمات ينتظر أن يسترجع باقي تفاصيله مع ابنه. اليوم كما يقول "علينا الانتظار، ولا نعرف ما الذي تخبّئه لنا الأيام، إيماننا قويّ وأحمد الله أنه ما زال حيّاً، ولكن ما يحزنني أنه كان يمكن تفادي كلّ هذا الألم والعذاب لو يتحلى المعنيون بالمسؤولية، وأن يكون المواطن مسؤولاً أيضاً لأن حياة الناس ليست رخيصة.

نجا ابني بأعجوبة ولكن شباباً كثراً خسروا حياتهم نتيجة عدم تأهيل الطرقات وغياب السلامة المرورية، وأتمنّى أن يبادر كل مسؤول بتأهيل طريق وإنارتها عوّض تقاذف المسؤوليات أو تعزية العائلة بعد وفاة حبيبهم".

ويشدّد بو جدعون على أنّنا "نريد أن ينقذوا حياة أولادنا لا أن يقوموا بواجب العزاء، وكنتُ أتمنى من المسؤولين أن يسألوا عن الطرقات قبل أن يسألوا عن وضع ابني، ربّما ما كنا وصلنا إلى هذه الكارثة. ولكن للأسف في هذا البلد بات علينا أن نقوم بما يجب على الدولة القيام به".

ما زال أمام إيليا طريق طويل، إذ تحتاج الفقرة في العمود الفقري إلى 9 أشهر لتلحم، كما سيكون عليه تناول الطعام في "الشالمون" نتيجة الكسور العديدة في وجهه وحنكه. ولكن كما يؤكد بو جدعون "كتر خير الله ع كل شي والأهم أنو نجا".

هذه الطرقات التي تحصد يومياً شباباً وأرواحاً، تنتظر مبادرات فردية لتأهيلها بعدما تهرّبت الدولة من مسؤولياتها، إما لجهلها الخطة اللازمة للسلامة المرورية في لبنان أو لأن النهب والسرقة "ماشي" حتى في مشاريع الصيانة والتأهيل و"الترقيع" والعترة على الشعب.

كيف يمكن أن ينام المسؤولون ليلاً ودماء كثيرين تُزهق على طرقات هذا الوطن؟ كيف يمكن أن يقود المواطن في شوارع مظلمة، وغير مجهّزة وتغيب عنها أدنى معايير السلامة المرورية؟

يؤكد الخبير في إدارة السلامة المرورية كامل إبراهيم لـ"النهار" أنه "منذ عشر سنوات عرضنا مشكلة السلامة المرورية في لبنان وحلها ولكن ما دام المسؤولون لا يلجؤون إلى هذا الحلّ فستبقى المشكلة قائمة. وأكبر دليل على ذلك، أنه في جلسة مجلس النواب الأخيرة التي ناقشت الموازنة، صرّح رئيس الحكومة بأن السلامة المرورية في لبنان بحاجة إلى 100 مليون دولار، وهذه مشكلة كبيرة لأن القيّمين على البلد لا يعرفون كيفية حلّ هذه المعضلة".

ينص قانون السير الجديد على آلية لحل مشكلة حوادث السير وتكمن في إنشاء هيئة قيادية مسؤوليتها وضع استراتيجية وطنية للسلامة المرورية في لبنان، وتتابعها مع الإدارات. وما هو موجود وفق إبراهيم "الهيكلية التي أوجدها قانون السير ولكن لم تنفذ فعلياً، وبالتالي ستبقى المشكلة قائمة ما دام المسؤولون والمعنيون لا يفكرون بتطبيق هذا البند وإنشاء هيئة تتابع هذا الموضوع بكل تفاصيله".

ويشير إبراهيم إلى أن وزراء الداخلية المتعاقبين منذ 3 سنوات لم يهتموا بالسلامة المرورية أبداً، بالإضافة إلى رؤساء الحكومة بالرغم من كل المآسي التي حصلت في البلد، وما صرّح به رئيس الحكومة في جلسة الموزانة أن السلامة المرورية تتطلب 100 مليون دولار ولا قدرة لنا على تحمّل هذه التكلفة، فيما الحقيقة أنها لا تتخطى مليون دولار، علماً بأنه في السنوات الماضية كان هناك مئات الملايين إلا أنها صُرفت في المكان الخطأ".

إذن، برأي إبراهيم، السلامة المرورية مبنيّة على خطط مرورية علمية واضحة على المدى القصير والمتوسط والطويل الأمد، واستراتيجية تشمل كل القطاعات ولا تركز "على تسكير جورة" مقابل عدم تطبيق القانون. ولن تُحل المشكلة بإقفال الحفر، وهذه معتقدات خاطئة ونحتاج إلى تعزيز الثقافة المرورية في المدارس ومعالجة مشكلة حوادث السير بطريقة علمية.

ويشدّد إبراهيم على أن "السلامة المرورية بحاجة إلى قرار سياسي قبل الموزانة، وإن لم تكن هناك إرادة سياسية من الحكومة لمعالجة هذه المشكلة حتى لو وجدت الميزانية اللازمة فلن يقوموا بشيء. ومن ثم نحتاج إلى متخصصين لتحديد ما يمكن فعله وتشخيص المشكلة ووضع أهداف واضحة للمعالجة وفق الإمكانيات الموجودة استناداً الى خطة مستدامة وفعالة ولكن يستحيل معالجتها بطريقة عشوائية".

ويلفت إلى أن هناك عوامل تُسبب الحادث وأخرى تُسبب الوفاة، ولمعرفة ما يجري في لبنان نحن بحاجة إلى الاستناد إلى تحقيقات علمية لحوادث السير. لذلك، ما نحتاج إليه هو تطبيق الإصلاحات في قانون السير وتشخيص المشكلة وإرادة سياسية قبل الحديث عن العائق المادي".

اقرأ في النهار Premium