ما كان منذ 3 أيام مجرد شائعة بغيضة تزيد من حالة القلق التي يعيشها اللبنانيون بعد تفشي حالات الكوليرا في بعض المناطق اللبنانية، يبدو أنها تحمل حقيقة مرّة مفادها أن بعض مصادر مياه الصرف الصحي في بيروت تحمل بالفعل جرثومة الكوليرا.
في تقرير مفصل لمنظمة الصحة العالمية المنشور على موقعها الرسمي في 19 تشرين الأول 2022، يكشف أن المعطيات المتداولة منذ أيام ليست مجرد تهويل وانما نتائج أجريت لبعض العينات لمياه الصرف الصحي في بيروت التي جاءت نتيجتها إيجابية.
وقد فنّدت منظمة الصحة العالمية تفاصيل الحالات المؤكدة بالكوليرا ومسارها وانتقالها في بعض المناطق اللبنانية، بالإضافة إلى العوارض التي ترافق المريض، والعلاجات المتاحة والإجراءات المتخذة بالتعاون والتنسيق مع منظمة اليونسيف وزارة الصحة واللجنة الدولية للصليب الأحمر...
ومن ضمن التقرير، أوردت مقطعاً أكدت فيه أنّ "فحوص المياه في الصرف الصحي في عين المريسة - بيروت ومحطة الغدير وبرج حمود في جبل لبنان أظهرت وجود الكوليرا في هذه المصادر الثلاثة، ما يشير إلى انتشار بكتيريا الكوليرا في منطقتين (بيروت وجبل لبنان) البعيدة عن الحالات الأولى المثبتة في منطقة الشمال".
وقد علمت "النهار" أنه بالفعل أُرسلت العينات إلى مختبرات المركز الطبي في الجامعة الأميركية حيث جاءت نتائج الفحوص ايجابية، وبالتالي وجود الكوليرا فيها.
في حين كانت "النهار" قد تواصلت مع وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال الدكتور فراس الأبيض نهار الجمعة الفائت الذي نفى أن تكون الوزارة قد فحصت المياه في بيروت لناحية تلوثها بالكوليرا.
وأكد الوزير عدم تسجيل تقارير حول إصابات بالكوليرا في بيروت حتى الآن.
لكن المسألة لا تتوقف عند حدود منطقة أو بقعة جغرافية، فوضع المياه في لبنان يطرح علامات استفهام كثيرة في ظل غياب الفحوص المخبرية والدورية لكثير من مصادر المياه ومتابعة الصهاريج التي تنقل المياه إلى المنازل من مصادر غير معروفة أو نظيفة.
وما قامت به بلدية الغبيري ليس إلا عينة صغيرة من واقع أكبر ومخيف، حيث بادرت بإجراء فحوص لمياه الصهاريج في المنطقة وكانت الصدمة. تبين أن 7 عينات من 10 لمصادر المياه التي توزع بواسطة الصهاريج ضمن نظاق بلدية الغبيري هي ملوثة وغير مطابقة للمواصفات وتحوي جراثيم خطيرة مع وجود جراثيم ناتجة عن اختلاط بالصرف الصحي ومنها جراثيم مقاومة للحرارة.
ويؤكد رئيس بلدية الغبيري معن خليل أن "مصادر هذه المياه أغلبها آبار خارج نطاق الغبيري وموزعة في الشياح، فرن الشباك، الحازمية، طريق النهر، سن الفيل.
وبانتظار صدور باقي نتائج فحوصات لثلاث عينات أخرى، يبقى السؤال ماذا بعد هذه النتائج؟ ومن يراقب سلامة المياه ومأمونيتها؟ المشكلة ليست محصورة ببكتيريا الكوليرا، بعض المياه كما كشفت الفحوص أظهرت وجود طفيليات وبكتيريا وجراثيم تبدأ عوارضها كتسمم غذائي، وقد تؤدي في بعض الأحيان حسب نوعها إلى خلل في وظائف الجسم لاسيما الكبد والأمعاء ومشاكل صحية وأمراض سرطانية.
ومن بين اللائحة المنشورة لأسماء مياه الصهاريج، كان لنا حديث مع عمر زهير عن مياه الأسمر 1، الذي أكد أن "مياهه التي يوزعها على المنازل نظيفة ولم يشتكِ أحد من نظافة أو صحة مياهه. وأنا واثق من صحتها وإلا لما كنتُ استخدمها في منزلي، ولولا ثقة الناس بصحة مياهي "لكان اخترب بيتي من ورا النتايج يلي نشروها".
ولكنه يعترض كما يقول "على طريقة أخذ العينة لفحصها، من خلال فتح قسطل على الأرض من دون أدنى إجراءات وقائية لأخذ العينة بطريقة صحيحة. لذلك إذا أراد أحد التأكد من سلامة المياه عليه الحضور إلى ناعورة المياه التي نأخذ منها وأخذ العينة كما يجب وعندها لكل حادث حديث".
الحقيقة البسيطة التي يمكن الاعتراف بها أن عودة الكوليرا في لبنان بعد القضاء عليها في العام 1993، تفضح إهمال الدولة والوزارات المعنية للبنى التحتية لشبكات المياه. الحق يُقال لولا التلوث الكبير في البلد وغياب علاج الصرف الصحي نتيجة الفساد والإهمال لما كان الوباء ليتفشى بهذه السرعة.
وقد تأتي تغريدة البروفيسور عصمت قاسم العامل في مركز سلامة الغذاء في جامعة جورجيا (الولايات المتحدة) كتأكيد على الواقع المزري لما نعيشه اليوم. ويشير إلى أنه "كان أول من وثّق مع فريقه تلوث المياه في مخيمات اللاجئين وأثر الصرف الصحي بسلسلة أبحاث منشورة من العام 2018. ولكن رمي سبب تفشي الكوليرا على المخيمات فقط يعتبر خطأ، لأن حتى مياه الصرف من اللبنانيين لا تعالج والدليل أن هناك 42 مليون متر معكب من المجارير تدخل الليطاني سنوياً".
(حسام شبارو)
مضيفاً "في ناس بتكون حاملة أمراض و بتسافر و لكن ما بيتفشى المرض في البلد المضيف لأنو الأنظمة الصحية بما فيها علاج الصرف الصحي أساس للحد من هيك مسائل... مش ترف. لازم نطلع على البلد ونشوف شو نحن عملنا فيه وما نكب دايما #الحق_على الآخر و الا الكوليرا ما حتكون خاتمة الأحزان #اقتضى_التوضيح".
ولكن لم العجب من نتائج المياه، فلطالما تحدثنا عن نتائج لدراسات عديدة أجريت لبعض مصادر المياه في لبنان والتي تبين أنها ملوثة وغير صالحة للشرب أو للسباحة أو حتى للاستخدام المنزلي.
وقد تحدث البرفيسور قاسم في مقابلة سابقة مع "النهار" بالقول: "من خلال فحص مياه الصنبور (الحنفية) في عدّة مناطق لبنانية مثل: زحلة، بعلبك، المرج، راشيا والهرمل، أظهرت النتائج أن المياه غير صالحة للشرب، بل حتى للاستخدام الشخصيّ نتيجة تلوّثها بالبكتيريا والطفيليّات".
وتشير المؤشرات الموجودة إلى وجود نوعين من ملوّثات المياه هما:
* coliforms fecal : تشير إلى وجود تلوّث بالبراز، وعادة ما يكون مصدر هذا التلوّث من مياه الصرف الصحيّ أو مصادر حيوانيّة.
* staphylococci : تكشف عن نظافة المياه.
وتبّين أنه من كلّ 100ml هناك نوعان من البكتيريا التي تؤكّد تلوّث المياه بالبراز، بالإضافة إلى عدم نظافتها وصحّتها.
ويوضح قاسم أن لدينا نوعين من التلوث:
* التلوّث الجرثوميّ: ناجم عن بكتيريا وفيروسات وطفيليّات تُسبّب التهابات، ولها خطر شديد على الصحّة، وقد تُسبّب مرضاً موقتاً أو أثراً طويلاً ومزمناً.
* التلوّث بالموادّ الكيميائيّة: له أثر كبير على الصحّة، ويُسبّب أمراضاً حادّة وشديدة ومزمنة وسرطانية.
نحن نتحدّث عن بكتيريا وفيروسات وموادّ كيميائيّة من شأنها أن تُسبّب أمراضاً شديدة، لها أثر خطير ومتعدّد على صحة الناس، ومنها أمراض مزمنة وسرطانية، بالإضافة إلى التهاب في الكبد، وصولاً إلى التسمّم في الدم... كما أنها تؤثر على نمو الأطفال وتُسبّب تشوّهات.
في موازاة ذلك، لقد تمّ صرف نحو 1.3 مليار دولار لإنشاء معامل تكرير مياه الصرف الصحّيّ، وبحسب التقديرات لا يعالج سوى 2-3 في المئة من هذه المياه، في حين يبقى 92-95 في المئة منها غير معالج في لبنان. ما يعني أنّ كلّ الجراثيم الموجودة والأدوية والمواد الكيميائيّة التي نستخدمها يصبّ في الأنهر وبالتالي في الزرع. اذاً، نحن نتحدّث عن تلوّث جرثوميّ وتلوّث كيميائيّ، وقد كشفت الدراسة التي شملت 14 نهراً في لبنان أنّ 70 في المئة من عينات المياه من الأنهار غير صالحة للريّ جرثوميّاً.