لم يكن ملف سلامة الغذاء سهلاً في لبنان، كشف الفضائح الغذائية لم يكن قادراً على تغيير شيء، فكيف إذاً الحال اليوم في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية التي قد تفعل فعلها من دون حسيب أو رقيب؟
منذ حوالى الأسبوع تقريباً، يتفاعل خبر عن وجود لبنة ممزوجة بـ"الجفصين" في الأسواق اللبنانية، وسط تحذير من احتواء هذا المنتج على مواد مسرطنة. هذه المعلومة المتداولة دفعت بوزارة الصحة إلى اجراء فحوص لبعض العينات المأخوذة من مختلف المناطق للتأكد من صحة ما يُشاع.
وفي ظل ترقب باقي النتائج لإعلانها إلى الناس في مؤتمر صحافي يعقده وزير الاقتصاد، إلا أن مصادر متابعة للملف أكدت لـ"النهار" أنّه "من أصل 12 عينة أو منتجاً في منطقة البقاع تبيّن أن 5 منها غير مطابقة للمواصفات (لا تعود إلى ماركات معروفة). أما في الشمال فتبّين أنه من أصل 6 أنواع لبنة هناك 4 غير مطابقة للمواصفات".
في حين لم تصدر بعد نتائج عينات الجنوب بسبب إرسالها إلى بيروت لإجراء الفحوص عليها نتيجة غياب مختبرات تجري هذا النوع من الاختبارات. ومن المتوقع صدور نتائج محافظتي الجنوب وبيروت ( 6-7 عينات او أنواع لبنة) مطلع الأسبوع المقبل.
ولكن ماذا نقصد بغير مطابقة للمواصفات؟ يشير المصدر المتابع إلى أن "في الشق الأول مخالفته خطرة وتكمن في وجود مصدر دهون نباتي الذي يعني وجودها أن المنتج لا يمكن أن نسميه لبنة. كما أنها مادة مضافة غير مسموح ياستخدامها في قوانين سلامة الغذاء. اما الشق الثاني فيعود إلى وجود نشاء في اللبنة والهدف منه تحقيق الربح المادي ولا يعتبر سمّاً غذائياً. واستخدام النشاء الذي يساعد على احتباس الماء حيث يتم الغش في وزن العلبة وبيعها على أساس 400 غرام مثلاً".
وكإجراء أولي، سطرت وزارة الاقتصاد محاضر بحق المخالفين، وتتجه في الأسبوع المقبل بعد إصدار كل نتائج العينات الأخرى إلى إصدار قرار في سحب التداول فيها لوقف المصدر وسحبها من نقاط البيع.
ولكن ماذا عن مخاطر وجود زيوت مهدرجة ومصدر دهون نباتي على صحة المستهلك اللبناني؟
تشرح اختصاصية التغذية زينب حرب أننا "نشهد في الآونة الأخيرة انتشار الكثير من المنتجات الغذائية السيئة ومن بينها على سبيل المثال المستحضر الغذائي الذي يُباع على أنه لبنة والتي يندرج ضمن مكوناتها الأساسية الزيت المهدرج الذي مُنع في العديد من الدول بإعتباره من الأسباب الأساسية المسؤولة عن الإصابة بالأمراض السرطانية والمزمنة. كما تحتوي بعض منتجات اللبنة المتواجدة في السوق على السكر الأبيض الذي تعتبر أضراره كثيرة، بالإضافة إلى الملونات والمواد الحافظة والخليط من الزيوت المكررة والمهدرجة".
وتتحدث حرب عن أن "زيت النخيل المهدرج قد يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية مثل تصلب الشرايين، حيث تؤدي الحرارة العالية إلى تغيير تركيبته وتحويل الدهون الموجودة فيه إلى دهون مشبعة التي تؤدي بالتالي إلى زيادة الكولسترول في الدم".
وعليه، من أهم مكونات اللبنة التي يجب أن تكون موجودة هي: اللبن، الملح وحليب مبستر، وهذه المكونات القليلة هي التي تحمل فوائد أكثر من تلك التي فيها إضافات.
وتنصح حرب كل من يريد اتباع نظام صحي "اعتماد المنتجات البلدية الخالية من الإضافات والاستفادة من العناصر الغذائية الموجودة في الأجبان مثل الكالسيوم والفيتامين د التي أظهرت الدراسات أهميته في الوقاية من الأمراض المزمنة. كما تنصح بإعداد اللبنة المنزلية.
وأضافت: "نحن دولة لا تحب تطبيق القوانين، لماذا؟ لأن الدولة اللبنانية تتلكأ في إصدار المراسيم التطبيقية لقانون سلامة الغذاء في العام 2015 أو حتى في تطبيق قانون حماية المتسهلك الصادر في العام 2005. وما يجري في ملف سلامة الغذاء يجري في ملفات أخرى، ولن تنجح الحكومات السابقة في التصدي للفساد والفضائح لأن "حاميها حراميها" من مافيا التجار والسياسة والمصارف".
ولا يُخفي رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو في حديثه لـ"النهار" أن في كل الأزمات التي شهدها البلد يستفيد التجار من هذه الفوضى، ونعرف جيداً أن سلامة الغذاء قبل الأزمة كان غير آمن فيكف الحال اليوم في ظل تخبط البلد منذ 3 سنوات بأزماته والدولة شبه منتهية؟ وبالتالي أتوقع أن نشهد كوارث في المنتجات الغذائية وسنسمع المزيد من الأخبار المتعلقة بها".
ويؤكد أن "المواد المخزنة اليوم أعيد تزويرها بعد أن استفاد التجار منها في مرحلة الدعم ( 23 مليار دولار خصصت للدعم) حيث عمد التجار إلى تخزين المواد لمدة طويلة أدى إلى فسادها ( تسوس- عفن- فطريات) ولم يتم التخلص منه بل تم إعادة تزويرها بالإضافة إلى ظهور بضاعة مجهولة من دول قريبة بصناعة لا تخضع لأي رقابة أو مواصفات مقابل اختفاء كل السلع المعروفة بسبب انخفاض القدرة الشرائية للناس. وما يجري هو انعكاس طبيعي لانهيار البلد وظهور هذه المخالفات سواء باللبنة أو غيرها من المنتجات الغذائية ، وبالتالي أصبحت سلامة الغذاء في لبنان خطيرة ومتجهون نحو الأسوأ".
بين عاميّ 2015 و2017 أظهرت نتائج عينات جمُعت لدراسة أعدتها الجامعة الأميركية في بيروت أن ربع ما يأكله اللبنانيون غير مطابق للمواصفات جرثومياً، خصوصاً من اللحوم والدجاج ومشتقات الحليب والمياه والبهارات. وجاءت نتائج الألبان والأجبان أن 30% منها غير مطابقة جرثومياً. وقد وجد معدّو الدراسة أن 300-350 عيّنة من الجبنة تحتوي على بكتيريا الإشريكية القولونية، وبعضها على السالمونيلا، وبكتيريا الليستيريا وجميعها خطيرة عند استهلاكها.
وفي دراسة أخرى في العام 2021 أي بعد الأزمة تجاوز المحتوى الجرثومي في عينات من الجبنة جمعت في منطقة بيروت ثمانين ضعف المعدلات المسموح بها كحد أقصى. وجاءت هذه النتائج لتؤكد مدى تأثير أزمة الكهرباء في تكاثر البكتيريا في الأجبان.
الجميع بعرف ضمنياً أن سلامة الغذاء من سيئ إلى اسوأ، وأننا نسمع بين الحين والآخر فضيحة حول أحد المنتجات الغذائية سواء الجبنة أو اللبنة أو اللحوم الفاسدة. وجاءت الأزمة الاقتصادية وانقطاع الكهرباء والتقنين القاسي إلى ضرب معايير سلامة الغذاء بعرض الحائط، وكانت حالات التسمم الغذائية خير دليل على أن ما يأكله اللبناني فاسد وغير مطابق للمواصفات.
وهنا نسأل برو ما هي الحلول المطروحة؟ برأيه نحن بحاجة إلى 3 عناصر أساسية:
1- تحسين القدرة الشرائية ووضع سياسات اقتصادية ككل
2- عودة الدولة إلى دورها الطبيعي
3- تطبيق قانون المنافسة
وعليه من دون تطبيق هذه العناصر الثلاثة لن يتم على الإطلاق حل أي مشكلة وسننتظر مآسي جديدة في الأيام المقبلة. ومن المتوقع أن يكون الوضع أسوأ في المرحلة المقبلة نتيجة الانهيار الكبير لليرة اللبنانية وتراجع كبير في القدرة الشرائية، بالإضافة إلى تواجد النظام السياسي نفسه. وبالتالي نحن بحاجة إلى البحث في الأسباب التي أدت إلى هذه النتيجة ومعالجتها".
وعن قانون سلامة الغذاء، يرى برو أن "هناك تحالفاً سياسياً مصرفياً تجارياً أدى إلى عدم تطبيق القانون حتى الساعة، بالإضافة إلى قانون حماية المستهلك الذي صدر في العام 2005 لم يُطبق منه شيء. نحن اليوم لسنا بلد قوانين، وما نشهده اليوم من انقسام وصل إلى القضاء وعكس الحالة المزرية، وكل المظاهر التي تظهر في الأزمات تكون نتيجة طبيعية لغياب الحل السياسي في البلد.