بعد مرور 9 أشهر على هبة "صندوق قطر للتنمية" لدعم المستشفيات الحكومية لشراء مادة المازوت، يبدو أن المستشفيات الحكومية في مواجهة تحدٍ آخر لتأمين هذه المادة في ظل الارتفاع الجنوني لأسعار المحروقات والدولار.
لم تلقَ وزارة الصحة اللبنانية بعد أي رد من الجانب القطري لتجديد تلك الهبة مرة أخرى، وبما أن "الشحادة" أو الدعم الخارجي لن يكون حلاً مستداماً ولا مصدراً دائماً لضخ التمويل، على المعنيين البحث عن خطط وبدائل طويلة الأمد حتى لا نقع في كارثة صحية.
وكما بات واضحاً للجميع، تحوّلت المستشفيات الحكومية من مكان طبي تقصده الطبقة الفقيرة إلى الخيار الأول لفئات أخرى، وإقبال كثيف عليها نتيجة الكلفة الاستشفائية الباهظة في المستشفيات الخاصة.
هذا النزوح الكبير زاد من مسؤولية المستشفيات الحكومية التي لعبت دوراً مهماً في مواجهة جائحة #كورونا، فيما اليوم تكون ملاذاً لمرضى كثيرين عاجزين عن تحمّل تكاليف المستشفيات الخاصة والفواتير الاستشفائية التي تضاعف أسعار عشرات الأضعاف.
وهذا ما أكد عليه نقيب المستشفيات الخاصة سليمان هارون في حديث صحافيّ قائلاً أن "قسماً كبيراً من المرضى لم يعودوا يلجؤون إلى المستشفيات، لأنّهم غير قادرين على تكبّد مصاريف الاستشفاء، ما أدّى إلى تراجع نسبة من يدخلون المستشفيات ما بين 40 و50 في المئة بعدما تحولت الفواتير للفريش دولار .
في العام 2021، اشتدت أزمة انقطاع المحروقات وأطلقت المستشفيات آنذاك نداءات استغاثة نتيجة اقتراب نفاد مادة المازوت، فيما كان بعضها الآخر مهدداً بالتوقف عن العمل، وبالتالي التوقف عن تقديم الخدمات الطبية، ما يعني كارثة صحية على المرضى.
مادة المازوت محور الأزمة كما الحل، فبعد أن كانت المشكلة تكمن في تأمين المازوت وتسليمه نتيجة الشح الكبير في هذه المادة، باتت اليوم المشكلة في دفع كلفته المرتفعة مع الارتفاع المستمر والجنوني لسعر الصرف.
استفادت المستشفيات الحكومية التي تفتح أبوابها اليوم 32 مستشفى من الهبة القطرية، 20 منها استطاع تركيب ألواح طاقة شمسية لتغطي جزءاً من مصارف مادة المازوت التي تتكبدها المستشفيات حسب كبرها وتعدد وأقسامها. واستطاع مشروع تركيب الطاقة الشمسية توفير بين 35 إلى 40 في المئة من الكلفة التشغيلية للمستشفيات.
وبعد أن كانت الهبة مقررة لمدة 6 أشهر، توصل الاتفاق النهائي في حزيران الماضي إلى تمديدها لتغطي 9 أشهر انتهت في شهر شباط الفائت. ويوضح رئيس دائرة المستشفيات والمستوصفات في وزارة الصحة هشام فواز لـ"النهار" أن "المستشفيات الحكومية هي مؤسسة عامة لديها استقلاليتها المالية، ونحن كوزارة صحة لدينا سلطة رقابية عليها وليس سلطة تمويلية. وبالتالي أي شيء تقوم به وزارة الصحة هو بمثابة دعم، وإيماناً بدور المستشفيات الحكومية نسعى إلى تقديم الدعم بكل الوسائل الممكنة."
وبما أن أزمة المحروقات ليست جديدة، بدأت الوزارة في البحث عن مشاريع طاقة ، ووفق ما يؤكده فواز أن هناك حوالى 20 مستشفى جُهزت بالطاقة بالتعاون مع مؤسسات الأمم المتحدة، في انتظار تجهيز باقي المستشفيات الأخرى.
وعليه، ملايين الدولار صُرفت لتجهيز المستشفيات الحكومية بالطاقة الشمسية للتخفيف من قيمة فاتورة المازوت، فيما العمل جار على تجهيز المستشفيات الحكومية المتبقية، وهناك وعود جدية لتجهيزها في الأشهر المقبلة.
ويشدد فواز على أن الهبة القطرية وُزعت وفق معايير عدة ومحددة، منها عدد الأسرة في كل مستشفى، نسبة الأشغال، مدى استفادة كل مستشفى من الطاقة، واذا تستفيد من تغذية الليطاني، وعدد المولدات لدى كل مستشفى. والجدير ذكره أن دراسة أجريت قبل بدء توزيع الهبة القطرية تتناول استهلاك الكهرباء لكل مستشفى، ونتيجة ذلك تم توزيع الحاجة حسب النسبة التقريبيّة لكل مستشفى من حاجتها والكمية الشهرية والسنوية لاستهلاك الكهرباء، بالإضافة إلى عدد الأسرة.
يبدو واضحاً الثقل الذي تسعى وزارة الصحة إلى وضعه على المستشفيات الحكومية من خلال دعمها بمشاريع عدة، وتوفير الأعباء بمختلف المجالات بدءًا من تأمين المستلزمات الطبية ومساعدة الطواقم التمريضية وتصحيح المعدات الطبية أو تأمينها عبر البنك الدولي والجهات المانحة. ويعتبر مشروع تركيب الطاقة الشمسية جزءاً من مشاريع أخرى تعمل الوزارة على تأمينها لهذه المستشفيات على وجه خاص.
ومع ذلك تتحمّل كل ادارة مستشفى حكومي مسؤوليتها، ولهذا نلاحظ مستشفيات حكومية ناجحة وأخرى متعثرة ويعود ذلك إلى قدرتها على التوازن بين ايرادات والأعباء.
من جهته، يثني مدير مستشفى طرابلس الحكومي ناصر عدرا على الهبة القطرية التي تهدف إلى مساعدة المستشفيات الحكومية وتأمين جزء من حاجتها، ومع انتهاء هذه الهبة التي كنا بصدد معرفة تفاصيلها ومدة انتهائها، نعرف جيداً أن التحدي يكبر اليوم في ظل ارتفاع أسعار المحروقات بشكل كبير ومستمر. وعليه، تُشكّل المحروقات عبء كبير ومصروف لا يستهان به في المستشفيات، وعلى سبيل المثال يحتاج مستشفى طرابلس الحكومي حوالى 60 ألف ليتر من المازوت شهرياً.
والخطة البديلة كانت في تركيب طاقة شمسية عن طريق هبة (المفوضية العليا للاجئين)، وفق ما أشار إليه عدرا، قادرة على تغطية 40 في المئة من حاجة المستشفى. وعليه، يبقى على المستشفى أن تؤمن الكلفة المتبقية، لأنه لا يمكن التوقف عن العمل في أيّ قسم خصوصاً في ظل الإقبال المتزايد على المستشفيات الحكومية بسبب ارتفاع الفاتورة الاستشفائية في المستشفيات الخاصة.
ويأمل عدرا أن تزيد ساعات التغذية أكثر مع توفر الكهرباء، برغم من الكلفة الباهظة"، ولكن لا يُخفي أن الأزمة ستعود عند بعض المستشفيات الحكومية التي ليست مجهزة اليوم بالطاقة الشمسية أو في المناطق النائية. إذ ساعدت الطاقة على تخفيف نسبة 30 في المئة من الكلفة التشغيلية، مقابل زيادة واضحة في نسبة الأشغال التي وصلت في مستشفى طرابلس الحكومي غلى 100 في المئة. ويعود ذلك إلى نزوح المرضى من المستشفيات الخاصة إلى الحكومية نتيجة غلاء الفاتورة الاستشفائية، ما يزيد الضغط أكثر على المستشفيات الحكومية حيث يضطر بعض المرضى على النوم في أسرّة الطوارئ إلى توفير الأسرّة أو خروج أحد المرضى من المستشفى.
في حين يرى مدير عام مستشفى رفيق الحريري الجامعي الدكتور جهاد سعادة أن "الطاقة الشمسية التي تغذي المستشفى توفر 30 في المئة من تكاليف التشغيلية للمازوت يومياً، ولكن في بعض الظروف مثل ساعات الليل أو في أيام الطقس الماطرة لا يمكن التعويل على دورها في تخفيف هذه المصاريف.
وفي أكبر مستشفى حكومي في لبنان كمية مصروف كبيرة جداً للكهرباء، حيث نملك حوالى 6 مولدات، وفي ظل انتهاء الهبة القطرية، نقوم المستشفى في شراء المازوت كأيّ مؤسسة أخرى. ويشير سعادة إلى أنه قبل تركيب الطاقة الشمسية، كان المستشفى بدفع حوالى 250 ألف دولار شهرياً كلفة مازوت، ولكن مع وجود الطاقة الشمسية انخفضت الكلفة إلى 170 ألفاً واليوم وصلت إلى 150 ألف دولار نتيجة تغذية ساعات الكهرباء.
ونتيجة الضغط والإقبال الكثيف عليه، يسعى المستشفى إلى مخطط تأمين الكهرباء من خلال محطة الأونسكو التي توفر الكهرباء 24/ 24 إلى المستشفى (خطّ من المحطة إلى المستشفى)، ويجب أن يمد تحت الأرض ويؤمن 33 ألف واط، وستوجب عملية حفر لمد الخط ومن ثم تزفيت الأرض، إلّا أن كلفته تصل إلى 200 ألف دولار. وفي انتظار تأمين تمويله كما يؤكد سعادة، يعمل المستشفى على تأمين هذا التمويل سواء أكان جزئياً أم كلياً حيث سيوفر تكاليف كبيرة.