يعتبر العدد المتزايد من النساء اللواتي يفارقن الحياة بسبب المضاعفات المرتبطة بالحمل من أبرز التحدّيات في مجال صحّة المرأة، علماً بأن العدد تضاعف بمعدّل ثلاث مرات منذ عام 2021/2020.
إضافة إلى ذلك، لم تستطع نسبة 20 في المئة من المصابات بأمراض مزمنة الوصول إلى الأدوية الحيوية. هذا الواقع يدفع المعنيين في لبنان إلى إطلاق صرخة توعوية بهدف بذل جهود أكبر لمواجهة التحديات التي تواجه النساء في لبنان.
أثار التقرير الذي أصدرته منظمة "اليونيسيف" في العام 2022 اهتمام المجتمع اللبناني بكشفه عن ارتفاع عدد النساء اللواتي يمتن في لبنان بسبب مضاعفات الحمل بنسبة ثلاث مرات على وقع أزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلد. ولكن ما حقيقة وضع الحوامل في لبنان؟ وهل يتوجّب فعلاً دقّ جرس الإنذار بشأن الصحّة النسائيّة؟
ممّا لا شكّ فيه أنّ لبنان حقّق نجاحاً كبيراً في الحدّ من وفيات الحوامل في السنوات الماضية، قبل أن تعود الأرقام إلى التزايد مجدّداً في الفترة ما بين 2019 إلى 2021، من 13.7 إلى 37 وفاة من كلّ ألف ولادة، بحسب تقرير "اليونيسف". لكن المهم في الموضوع الإشارة إلى أنّ هذا الارتفاع ليس محصوراً بلبنان فقط بل يطال مختلف الدول نتيجة جائحة #كورونا ومضاعفاتها خصوصاً لدى الحوامل.
يؤكّد الطبيب في دائرة الأمراض النسائية والتوليد في المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت، وعضو مجموعة خبراء السياسات الخارجية في "منظمة الصحة العالمية"، الدكتور فيصل القاق، أن "لبنان من الدول القليلة التي حقّقت أهداف التنمية المستدامة المتعلّقة بوفاة الأمهات من خلال تخفيض معدّل الوفيات بنسبة 75 في المئة".
لكن تجدر الإشارة إلى أن المعدّل الرسميّ لوفيات الأمهات في لبنان هو 23 وفاة لكلّ مئة ألف ولادة حيّة. وقد حافظ لبنان على معدّل وفيات سنويّ في السنوات الـ12 الماضية بلغت أدنى من 23 وفاة.
لماذا كان العام 2020-2021 صعباً وكارثياً على الحامل في لبنان؟
جاءت الأزمة الاقتصادية وولادات النازحات السوريات بنحو 40 إلى 50 ألف ولادة إضافية لتؤدّي إلى إنهاك النظام الصحيّ وزيادة الأعباء. وبالرغم من هذا التحدّي، لم تتخطَّ الوفيات 17 حالة وفاة في لبنان.
في المقابل، شكّل العام 2020-2021 محطة استثنائيّة وقاسية. ويعترف القاق بأن التفسير العلميّ والمنطقيّ لما جرى يعود إلى انتشار متحوّر #دلتا الذي تميّز بأعراضه ومضاعفاته الشديدة، خصوصاً على الحوامل، وأدّى إلى ارتفاع معدّل الوفيات لدى هذه الفئة، ليس فقط في لبنان وإنما في كلّ دول العالم. ناهيك بتدنّي معدّل التلقيح في لبنان، الذي أدّى إلى وفاة 43 امرأة، أكثر من نصفهنّ يعود إلى الإصابة بمتحور #دلتا أو مضاعفاته الصحيّة.
أما النقطة الأخرى التي يشدّد عليها القاق اليوم فتتمثل بالركود في معدّل الوفيات، بالرغم من الأسباب المتشابهة في السنوات العشر الماضية، وبعدم القدرة على تخفيض هذا المعدّل. برأي القاق أن "هذه الظاهرة عالمية حيث نشهد استقراراً في معدّل وفيات الحوامل في العالم، ممّا يطرح أسئلة كثيرة، أهمّها ضرورة التشديد أكثر لإيجاد مراكز متخصّصة تتقصّى الحالة الصعبة، ودور الكشف المبكر الذي يمكن أن يحدّ من حالات الوفاة، خصوصاً في ظلّ وجود أسباب عديدة للوفاة قابلة للمعالجة.
وبالاستناد إلى الواقع اللبناني، تؤدّي الأزمة الاقتصادية دوراً في التشخيص المتأخّر نتيجة عدم قدوم الحامل خلال الفترة الأولى من حملها إلى الطبيب، فتتأخّر المتابعة للمشكلة المرضيّة أو المشكلة الصحيّة المزمنة غير المضبوطة بسبب انقطاع الأدوية أو تفاعل المرض أكثر نتيجة الحمل وربّما الوفاة.
أما السبب الثاني فيعود إلى رفض بعض المستشفيات استقبال بعض الحوامل اللواتي يعانين من مشكلة صحيّة، ممّا يدفعهن إلى البحث عن مستشفى يستقبلهنّ، فيتأخّر علاجهنّ والتعامل مع حالاتهن الصحيّة الخاصّة.
وانطلاقاً من ذلك، يُطالب القاق بتحديد عدد من المستشفيات التي تتعامل مع هذه الحالات الصحيّة الخطيرة أو الصّعبة. وعليه يكون اللجوء إلى مراكز متخصّصة وعناية سريعة من دون تأخير هو الحلّ الأفضل للتخفيف من حالات الوفاة.
كذلك يجب تسليط الضوء على أهمية إعادة النّظر بنظام الرعاية الأولية في ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة بما يكفل تغطية أوسع بالخدمات وتغطية أوسع للأفراد.
ولا يخفي القاق أن هناك تدنياً في نسبة تقصّي الحالات السرطانيّة والأمراض المزمنة بسبب الأزمة الاقتصادية وعدم إجراء قسم كبير من اللبنانيين الفحوص اللازمة للكشف أو متابعة الحالة والسيطرة على المرض، ممّا يؤدّي إلى تفاعل المرض وصعوبة زيادة نسبة الشفاء.
من جهتها، تقول الاختصاصية في الجراحة النسائية والتوليد في مركز كليمنصو الطبي الدكتورة نادين عليوان إن "المرأة الحامل في لبنان عانت الكثير في السنوات الثلاث الأخيرة نتيجة جائحة كورونا. ولكن سبب المعاناة الأكبر كان الأزمة الاقتصادية التي شهدها البلد ولم يزل يشهدها".
وتُشدّد على أن "ضمان ولادة سليمة للأم والطفل مرتبط بالرعاية والعلاج خلال فترة الحمل. وكلّما كانت الحامل مواظبة على المتابعة الصحيّة لدى الطبيب، وعلى إجراء الفحوصات اللازمة وشراء العلاج المطلوب، كانت النتيجة أفضل في النهاية".
وترى عليوان أنه "مع الأزمة الاقتصادية لم يكن كلّ ذلك متوافراً، وفُقدت أدويةٌ كثيرة من الصيدليّات، واضطرّت الحامل إلى أن توفّرها من السوق السوداء بأسِعار ناريّة. ونذكر - على سبيل المثال - حُقن التسييل التي تستخدم لمنع الإجهاض. ولكن بطبيعة الحال، لم يكن بمقدور الكثير منهنّ تحمّل هذه الأعباء وإجراء الفحوصات اللازمة".
أما بالنسبة إلى الحلول، فتشير إلى أنّها "مرتبطة بحلّ الأزمة الإقتصادية عمومًا. وبانتظار الحل الشامل، علينا تعزيز دور المستوصفات من جديد، والاستفادة من المنظّمات الأهليّة الموجودة قدر المستطاع، وإعادة تفعيل دور الضمان الاجتماعي، مع الاستمرار بحملات التوعية حول صحّة المرأة الحامل والتشديد على أهمية المتابعة".