خسر 3 أطفال خدّج من أصل 39 في مستشفى الشفاء في غزة معركتهم مع الحياة. الحرب عليهم كانت أقوى من قدرتهم على الصمود، فأجسادهم الصغيرة جداً استسلمت في حين يُصارع الـ36 الباقون بقلوبهم الصغيرة للبقاء على قيد الحياة.
عملية إجلاء هؤلاء الأطفال المبتسرين من الحضانات إلى أقسام أخرى بعد نفاد الأوكسيجين والوقود، جعلتهم مكشوفين، حيث غلّفوا بالقصدير ووضعوا بجوار الماء الساخن في محاولة يائسة لإبقائهم على قيد الحياة.
وقال مدير مستشفى الشفاء في غزة، الدكتور محمد أبو سلمية في تصريح لـ"بي بي سي"، "إنهم في وضع حرج للغاية"، خصوصاً مع ارتفاع درجات الحرارة في غزة وهو ما لا يلائم حالتهم.
وأضاف أبو سلمية أن هؤلاء الأطفال يحتاجون إلى مياه نقية وهو ما لم يتوفر لهم، ما يحول دون تجهيز رضاعات لهم.
وأكد في تصريحه أن "بعضاً من هؤلاء الأطفال بدأت حالتهم تسوء، ما يمكن أن يؤدي إلى وفاتهم".
وإزاء هذا الواقع، يبقى الهاجس الأكبر هو مصير هؤلاء الأطفال الصغار الذين يحتاجون إلى عناية خاصة للبقاء على قيد الحياة.
يشرح رئيس قسم الأطفال في مستشفى بيروت الحكومي الدكتور عماد شكر في حديث لـ"النهار" أن الأطفال الخدّج الذين يولدون قبل أوانهم أو في ظروف صحية صعبة، يتطلب دخولهم إلى العناية الفائقة المركزة. وهذا يعني أن الأطفال بحاجة إلى مساعدة طبية كبيرة ودعم على مختلف الأصعدة. وحوالى 60 في المئة من الأطفال الذين يدخلون إلى العناية المركزة هم الأطفال الذين يولدون قبل أوانهم، ولكل حالة خصائصها وعلاجها التي تختلف عن الحالات الأخرى، إلا أن جميعها بحاجة إلى رعاية مشددة ومكثفة من قبل الفريق الطبي والتمريضي".
يولد 15 مليون طفل قبل أوانهم حول العالم سنوياً، ما يشكل السبب الأول لإدخالهم إلى العناية المركزة، في حين تتراوح نسبة الوفاة بين 10 إلى 15 في المئة منهم في الدول المتطورة، وقد تزيد النسبة إلى 20 في المئة في الدول الفقيرة وذات الإمكانيات الطبية الضعيفة والمحدودة.
ويتساءل شكر "إن نسبة الوفيات للأطفال الخدّج في أيام السلم تصل إلى 15 و20 في المئة حسب امكانيات كل دولة، فكيف الحال في أيام الحرب والكوارث الطبيعية أو في ظروف سيئة جداً، كما هي الحال اليوم في غزة ومستشفياتها حيث الوضع يعتبر سيئاً جداً".
وعليه، فإن الدخول إلى العناية المركزة يتطلب علاجاً عاماً للجميع، ما يعني أن كل الأطفال الذين يدخلون إلى العناية يحتاجون إلى الرعاية أو الحاضنة للحفاظ على حرارتهم ومراقبتهم مراقبة مشددة. ومن المهم الإشارة إلى أن قسم العناية الفائقة هو قسم يختلف عن باقي الأقسام في المستشفيات، إذ يتطلب حرارة دائمة وتوفير الكهرباء والأوكسيجين بشكل دائم ومستمر، والأهم وجود طواقم طبية وتمريضية متخصصة للتعامل مع هؤلاء الأطفال.
ويشدد رئيس قسم الأطفال في مستشفى بيروت الحكومي على أن العائق الأساسي في وجود الأطفال في العناية الفائقة يتطلب تأمين مستلزمات طبية وآلات حديثة، بالإضافة إلى كمية الأمصال والدم والأوكسيجين والأدوية. ما يعني الحاجة إلى توفر قسم مجهز بكل الأدوات الطبية والعلاجات خصوصاً أن المكوث في العناية مكلف مادياً ويحتاج إلى رعاية طبية خاصة بكل كوادرها.
إلا أن الوضع في غزة اليوم للأسف صعب، حيث تعاني المستشفيات من نقص حاد في الكهرباء والمياه النظيفة والأدوية والمستلزمات الطبية، وبالتالي إن نسبة الوفيات لدى فئة الخدّج سترتفع بشكل مخيف في مثل هذه الأوضاع، وقد تلامس 80 إلى 90 في المئة. والسبب يعود إلى أن قدرة الأطفال حديثي الولادة أو الأطفال الخدّج على التحمل أقل بكثير مقارنة بالأطفال الذين يولدون في وقتهم أو الأطفال الأكبر سناً والبالغين.
ويرى شكر أنه "في ظل الظروف الصحية الصعبة وانقطاع أو النقص الحاد في الأدوية والمستلزمات الطبية والأوكسيجين وغيرها من المتطلبات الأساسية والإمكانيات في علاج هؤلاء الأطفال، قد نشهد وللأسف على نسبة وفيات قد تلامس مئة في المئة. علماً أن هناك أعداداً كبيرة من الأطفال في غزة قد نخسرها لسبب بسيط مثل عدم وجود آلات حاضنة مجهزة ومتوفرة بكثرة لتحافظ على حرارتهم. وبالتالي قد يُسبب غياب هذه الحاضنات تدهور حالة الطفل وربما الوفاة. كذلك الأمر بالنسبة إلى العلاجات سواء المركزة أو الخفيفة، أي أن تقصير أو غياب أو صعوبة توفرها قد يؤدي إلى وفاة الطفل".
من جهة أخرى، إن واقع الحرب في غزة وصعوبة تواجد الأهل مع أطفالهم ومرافقتهم في العلاج يؤثر بطريقة مباشرة على الطفل بسبب غياب والدته وعدم إرضاعه أو بطريقة غير مباشرة نتيجة عدم مرافقة والديه له في العلاج. وهذا من شأنه أن يزيد "الطين بلة".