يواجه لبنان تحديات صحيّة واقتصاديّة، بما في ذلك جائحة كورونا (التي أصابت 1.22 مليون شخص، وتسبّبت بوفاة 10702 من أصل عدد سكّان لبنان البالغ نحو 7 ملايين شخص)، بالإضافة إلى نقص حادٍّ في المستلزمات والإمدادات الطبيّة، التلوّث وانهيار العملة اللبنانيّة.
في المقلب الآخر، اندلاع الحرب السورية منذ العام 2011 دفعت بآلاف السوريين إلى النزوح نحو لبنان، حيث يعيشون في مخيمات تفتقر إلى الحدّ الأدنى من مقوّمات العيش. وهنا تكمن المشكلة، إذ تُشكّل هذه المخيمات تهديداً صحياً للّاجئين والمجتمع ككلّ نتيجة التلوّث الكبير الناتج من مياه الصرف الصحيّ غير المعالجة. وبالتالي تؤثر هذه المخيمات على الأبار والأنهر التي تعاني أصلاً من التلوّث على نطاق واسع.
عندما أعلنت سوريا عن الاشتباه بأكثر من 20 ألف حالة بالكوليرا، وتسجيل 75 حالة وفاة، حتى 15 تشرين الأول 2022، كان ذلك بمثابة إنذار قبل تفشّي الجرثومة في كلّ البلاد، والأهمّ وصولها إلى لبنان في وقت لاحق.
في 6 تشرين الأول، أعلنت وزارة الصحة تسجيل أول حالة كوليرا في لبنان تعود لأحد اللاجئين من الذين يعيشون في مخيم في منطقة الشمال. لكن اللافت كان انتشار الجرثومة من الشمال إلى الجنوب في غضون 16 يوماً فقط بعد اختفاء الكوليرا لأكثر من 30 عاماً من البلد.
تُشكّل هذه المستوطنات السورية التي تفتقر إلى أدنى المقوّمات الحياتية إلى انتشار الأمراض المعدية، إذ تمّ الإبلاغ عن تفشّي الحصبة، الإسهال، الخناق والكوفيد في في مخيمات الروهينجا في بنغلاديش. وفاقمت الأزمة المالية من المشكلة حيث أصبحت الجهود المبذولة للسيطرة على انتشار الأمراض أصعب، ناهيك بأزمة شبكات الصرف الصحي.
في العام 2020، نُشر بحث عرض فيه نتائج فحوص من العام 2014 حتى 2017 تبين فيها أن 55 في المئة من عينات المياه في المطاعم وأسواق الطعام غير صالحة.
في دراسة تحليلية نُشرت في The journal of travel medicine، قادها 4 متخصصين في علم الأوبئة هم: البروفيسور عصمت قاسم، البروفيسور مروان عثمان، البروفيسور هادي جعفر والبروفيسور خالد العمري، في العام 2016، تبيّن أن مياه الصرف الصحي تنتهي إجمالاً في أماكن غير مؤهّلة للمعالجة والتصريف، وبشكل يضرّ باللاجئين واللبنانيين. أما في العام 2022 فقد شهد لبنان زيادة في عدد المخيمات واللاجئين، في حين أن واقع الصرف الصحي بقي على حاله، مما سيؤدي إلى تفشّي الأمراض.
وبالرغم من حصول لبنان على 600 ألف جرعة من لقاح الكوليرا، فإن ذلك ليس كافياً في ظلّ غياب معالجة ومراقبة المياه والصرف الصحيّ في كل المناطق اللبنانية.
برأي المختصين الذين قادوا هذا النقاش العلمي، يُشكّل الوضع قلقاً، ويعود ذلك إلى أسباب عديدة أهمها:
1- النقص في كمية اللقاحات لتغطية جميع السكّان المعرّضين للإصابة، فيما الجرعة الواحدة لا تؤمّن حماية طويلة الأمد.
2- عدم فاعلية اللقاح الفموي في مواجهة مرض الكوليرا وانتشاره، بالرغم من تقليله من الخطر.
3- عدم ترافق اللقاحات مع إجراءات وقائيّة أخرى مثل معالجة مياه الصرف الصحي...
وعليه، من الواضح أن المخيمات السورية والمجتمع اللبناني المضيف يواجهون تحدياً كبيراً، ويستدعون تعاوناً وثيقاً بين مختلف الجهات المحلية والدولية.
في الختام، يبنغي التحذير من ضعف الجهود المبذولة لمعالجة تلوث المياه في كلّ البلاد، في حين يتطلب الوضع معالجة طارئة وسريعة، وإلا فإن الكوليرا ستستمرّ في الانتشار، وعندها سنكون أمام واقع مأسويّ أكبر. والخوف اليوم من استقرار هذه الجرثومة في لبنان مسببةً دورات وموجات من العدوى، خصوصاً في المناطق الأكثر فقراً.