النهار

تفشي اليرقان والحصبة وأبو كعب في بعض المناطق اللبنانية: الواقع المأزوم
المصدر: النهار
تفشي اليرقان والحصبة وأبو كعب في بعض المناطق اللبنانية: الواقع المأزوم
حالات اليرقان في لبنان. (صورة من الأرشيف)
A+   A-
 
لم يتسنَّ للقطاع الطبّي أن يلتقط أنفاسه منذ بداية جائحة كورونا حتى اليوم، ويواصل استنزافه برغم من كل المحاولات اليائسة لإعادة النهوض به واسترجاع مكانته السابقة.
 
وفي ظل الحديث عن انتشار فيروسات تنفسية وتحذير منظمة الصحة العالمية من الظاهرة المقلقة في الصين، يواجه لبنان تحدياً مختلفاً لانتشار فيروسات أخرى مثل اليرقان والحصبة وغيرهما والتي تحمل دلالة واضحة على أن المجتمع اللبناني يعاني من نقص كبير في التحصين.
 
أسباب كثيرة كانت مسؤولة عن انخفاض التلقيح عند الأطفال اللبنانيين، وبدأت ظاهرة التراجع مع بداية جائحة كورونا لتستكمل انخفاضها المتواصل نتيجة الأزمة الاقتصادية وتبعاتها على العائلات اللبنانية. لم يكن سهلاً على كثيرين الصمود أمام هذه العوائق الأساسية وأهمها الكلفة والتنقل إلى مراكز الرعاية الصحية والعيادات الطبية، ما أدى إلى التخلي أو الانقطاع عن تلقي اللقاحات الأساسية.
 
المسار الانحداري الذي سجله جدول تطعيم الأطفال في لبنان يعكس حجم الواقع، فبعد أن كان معدل التلقيح الروتيني لأطفال لبنان يتراوح بين 80 إلى 100 في المئة قبل العام 2019 انخفض بنسبة 30 في المئة. وكان العام 2021 الأكثر صعوبة حيث سجل معدل التلقيح نسبة 40 في المئة في حين سجل المعدل في العام 2020 بين 60 إلى 79 في المئة.
 
وبرغم من كل المحاولات والجهود المبذولة، فإن الثغرة ما زالت حاضرة ولم تنفع المناشدات من تفادي انتشار الفيروسات في لبنان. وبينما ينشغل العالم بالفيروسات التي تنتشر في الصين وتسجيل اول حالة بشرية مصابة بمتحور أنفلونزا مشابه لفيروس يصيب الخنازير في بريطانيا، يطلق المعنيون صرختهم بعد تفشي مرض اليرقان والحصبة وأبو كعب في بعض المناطق.
 
 
 
ولا يُخفي النائب عبد الرحمن البزري أننا بحاجة إلى التركيز على اللقاحات الأساسية للأطفال قبل الحديث عن اللقاحات ضد فيروس كورونا، وحديثه جاء بعد أن لمس عن كثب عودة بعض الفيروسات والقلق من عودة فيروسات أخرى كانت قد اختفت فيما مضى.
 
ومن بين الفيروسات التي تشهد انتشاراً في بعض المناطق يتحدث البزري عن "اليرقان" أو "التهاب الكبد الفيروسي A" والحصبة، بالإضافة إلى ظهور حالات قليلة لـ"أبو كعب". وكما بات معروفاَ بدأ ظهور مرض اليرقان منذ 3 سنوات والسبب مشكلة الصرف الصحي وغياب المياه النظيفة والآمنة للاستخدام المنزلي أو  للريّ. لذلك تُشكّل البنى التحتية الصحيّة المسبب الأول لحالات اليرقان المسجلة في لبنان.
 
ويتمثّل الحل بإعادة العمل بنظام شبكة الصرف الصحي، بالإضافة إلى أخذ جرعة من لقاح "التهاب الكبد الفيروس أ" لتأمين الحماية ضد المرض".
 
أما في ما يتعلق بانتشار الحصبة، فيعود السبب، وفق البرزي، إلى انخفاض التلقيح بشكل عام في لبنان. ويعود السبب إلى انتشار فيروس كورونا وتخوف الناس من الذهاب إلى مراكز الرعاية الصحية والعيادات الطبية، أضف إلى زيادة نسبة الفقر بسبب الأزمة الاقتصادية التي واجهها لبنان. 
 
وبعد تسجيل انخفاض بمعدل التلقيح الروتيني للأطفال بين 30 إلى 40 في المئة، تسعى وزارة الصحة بالتعاون مع اليونيسف ومنظمة الصحة العالمية إلى تشجيع الناس على الإقبال على اللقاحات وتأمين عيادات نقالة لتحصين الأطفال والعودة إلى نسبة التلقيح التي كانت في لبنان قبل جائحة كورونا.
 
 
وتشهد المناطق مثل البقاع والشمال خصوصاً في عكار وطرابلس على انتشار اليرقان، ولكن هذا لا يلغي تسجيل بعض الحالات في بيروت وضواحيها، إلا أن النسبة الأكبر في الشمال والبقاع. أما الحصبة فهي موجودة بشكل عام في معظم المناطق اللبنانية، ويعود سبب انتشارها الى الانخفاض العام في نسبة التلقيح.
 
وأمام هذا الواقع، يتخوف الأطباء والمعنيون الصحيون من انتشار فيروسات في المجتمع قد تُسبب مشكلات صحيّة كبيرة. من المهمّ أن نعرف أن الأطفال الذين لا يحصلون على لقاحاتهم الرئيسيّة الروتينية هم عرضة للإصابة بأمراض يُمكن الوقاية منها، وقد تكون خطيرة مثل الحصبة، الخناق والالتهاب الرئويّ، والتي من شأنها أن تُسبّب تفشّياً فيروسيّاً في البلد.
 
وهذا ما يُعرب عنه البرزي في حديثه عن عودة فيروسات كانت قد اختفت في الماضي، وبرأيه أن "هناك أمراضاً كان يجب ألا تظهر من جديد أو يكون تأثيرها قليلاً جداً نتيجة التلقيح وتعاود الظهور مرة أخرى. ويعتبر ظهور الجدري أكبر دليل على ذلك والحاجة إلى تكثيف التحصين في المجتمع اللبناني. كما يعتبر أن تحديث البنى التحتية يجب أن يكون في سلم الأولويات، ونتذكر جيداً ظهور حالات الكوليرا نتيجة الضعف الفاضح في البنى التحتية".
 
وما يواجه لبنان من عودة فيروسات قد اختفت لا يختلف عما يواجه العالم، وقد أسفرت الحروب وجائحة كورونا والتغيّر المناخي عن ظهور أمراض جديدة أو عودة لفيروسات سابقة. وكذلك يعتبر التصحّر والتعدي على المساحات الخضراء دخولاً على دورات حياتية بين الفيروسات والحيوانات وخطر نقلها إلى البشر. وبالتالي عالمياً هناك خطر لظهور أمراض جديدة.

اقرأ في النهار Premium