النهار

كيف يمكن إدارة الأزمة في القطاع الصحّي اللبناني؟
المصدر: "النهار"
كيف يمكن إدارة الأزمة في القطاع الصحّي اللبناني؟
ممرّضة داخل قسم الكورونا في إحدى المستشفيات (أرشيفية).
A+   A-
الدكتور حيدر جوني*
 
 
 تنعكس المصاعب والمشكلات التي يعانيها القطاع الصحيّ على صحة المواطن وعمل الكادر الطبي، فضلاً عن إعاقتها تطوّر القطاع. ونتيجة لذلك، من الطبيعي ازدياد حالات الإهمال في التدخّلات العلاجيّة بسبب النقص الحادّ في المستلزمات الطبيّة، والأدوية، وأدوات التشخيص، وضعف الكادر الطبي بعد استنزافه بالسّفر والنقص في اختصاصات عديدة.
 
كثيرة هي الأزمات التي تُصيب الدول؛ وفي وقتنا الحالي، هناك الأزمة الاقتصادية والصحيّة (كورونا) والعسكريّة. وتؤثر هذه الأزمات على كيانات الدولة السياسيّة والاقتصاديّة وعلى الهيئات والمنظّمات العاملة فيها، بما أن النظام الصحي اللبناني هو نظام هجين لا لون له، ولاطعم، وهو عبارة عن أنظمة عديدة تأخذ من كلّ واد عصا، بسبب عدم اهتمام المسؤولين عن إدارة الدولة بهذا القطاع كما غيره من القطاعات الأساسيّة في البلد.
 
ويتميّز القطاع الصحي اللبناني بانقسامه إلى قطاعين: خاص وعام. يؤدّي القطاع الخاصّ دوراً في إدارة الأزمة، ويخفّف عن كاهل الدولة، في الوقت الذي تغيب فيه السياسة الرسميّة الموحّدة لإدارة الأزمة بأجهزتها المختلفة.
وبناءً على علم الإدارة الحديثة، يولي المعنيّون اهتماماً لشكل ومضمون إدارة الأزمات في الدول من خلال استخدام استراتيجيّات الاستجابة اللازمة.
 
كثيرةٌ هي الأزمات التي تؤثّر في القطاع الصحيّ، وقد تكون بعض هذه الأزمات خطرة على النظام الذي لا يحتاط للأزمة ولا يعرف كيف يُديرها، ممّا قد يؤدّي إلى انهيار النظام بكامله؛ لذلك يُقال إنّ كلّ أزمة تحتوي في داخلها بذور النجاح وجذور الفشل أيضاً.
 
إن الأزمة التي تُصيب النّظام الصحيّ يُمكن تبنّيها بموجب مصطلح البنية التحتيّة الحيويّة بما لها من أهمّية خاصّة، بسبب تأثيرها على عمل المجتمع بأسره. يُعتبر قطاع الصحّة منطقة عالية الخطورة، لأنّ الأحداث الضارّة يُمكن أن تتسبّب بالوفاة والأضرار الجسديّة والعديد من المضاعفات والمعاناة للمرضى.
 
وخطط الاستجابة الواقعيّة للمؤسّسات الصحيّة لمجموعة واسعة من حالات الأزمات هي فرصة لإدخال تغييرات في القطاع الصحي، إذ تعد المؤسّسات الصحية جزءًا مهمًّا من حالة التأهّب والتخطيط في حالات الأزمات، إلا أنّها تفتقد إلى العاملين (عددهم غير كافٍ)، وذات تواصل وتدريب ضعيف نتيجة نقص الإمكانيات الماديّة، وعدم الرغبة في تطوير القطاع الرسمي، بالإضافة إلى العقبات البيروقراطيّة، خاصّة في القطاع العام.
 
ويُمكن تحسين قضية الأمن الصحيّ بشكل كبير من خلال تثقيف المهنيّين الصحيّين حول إدارة الأزمات الصحيّة، التي من شأنها أن تؤمّن نظرة ثاقبة لعمل النظام الصحيّ في حالات الأزمات، والتخطيط الفعّال (الوقاية، والعمل والتعافي من الأزمات المحتملة) وفهم الترابط بين الصحة وأزمات النظام.
 
والأزمة التي لا تُدار بشكل جيّد تتحوّل إلى كارثة. ومثلما لا يوجد تعريف واحد مقبول للأزمة، لا يوجد تعريف واحد للكارثة.
 
يتطلّب كلّ جانب من المرافق الصحيّة رأي اختصاصيّ لديه الخبرة والمعرفة في الأزمات والكوارث وما تتطلّبه من تجهيزات للحدّ من المخاطر. لا يحدّد مؤشّر جاهزيّة المستشفى القدرة على العمل في المستشفى أثناء وبعد حالات الطوارئ فحسب، بل يوفر أيضًا نطاقًا يسمح للإدارة بتحديد المرافق التي تحتاج إلى تدخّل عاجل من أجل رفع المستوى للحدّ الأدنى المطلوب.
 
مؤشّر الأمان ليس مجرّد أداة للتقييم الفنّي، ولكنّه يوفّر نهجًا جديدًا للوقاية من الكوارث والتخفيف من حدّتها في قطاع الصحّة. إنّه ليس نهج "كلّ شيء أو لا شيء" لأمن المستشفى، ولكنّه يسمح للمرفق بالتحسّن بمرور الوقت. يساعد المؤشّر الإدارة في تحديد الأماكن التي يمكن أن تؤدّي التدخّلات فيها إلى تحسين السّلامة بسرعة.
 
من خلال ما عرض عن إدارة الأزمات نجد أنّ الدولة اللبنانيّة غائبة عن مسرح العمل بما يخصّ لجنة الأزمات الطارئة بشكل عام، ولجنة الأزمة الصحيّة بشكل خاص، مع استثناء بعض الأمور البسيطة بما يخصّ أزمة كورونا.
 
لجنة الأزمات على مستوى الدولة تهتمّ بالأمور الاقتصادية والاجتماعيّة والصحيّة وبعض الأمور الأخرى ذات الصلة. أمّا اللجنة الصحيّة فتهتمّ بالأمور الصحيّة للمواطن من حيث تأمين المستشفيات والمراكز الصحيّة وتجهيزها وتأمين العاملين الصحيّين ووضع الخطط الاستراتيجيّة للتصدّي للحالات المتوقّعة.
 
ومن خلال ما سبق، نسأل أنفسنا: "ماذا فعلت الدولة في ما يخصّ الوضع الصحيّ للتخفيف من الأزمة؟":
 
هل بادرت لتأمين مصدر للمستلزمات الصحيّة، سواء عبر القطاع العام أو الخاص، وبأسعار مدروسة، للتخفيف من الأعباء التي يتحمّلها المواطن في ظلّ غياب الدولة؟
 
وهل عملت على تأمين استمرارية العمل للكادر الطبيّ والتمريضيّ ضمن برنامج إدارة الأزمة وتأمين ما يلزم من أساليب الصمود؟
 
وماذا فعلت لتشجيع الاستثمار في إنتاج الدواء محليّاً لتأمين ما يلزم، أقلّه من الأدوية المزمنة والأساسية للمواطن، والتي باشرت بخطوات خجولة العمل عليها؟
 
كيف يمكن منع بعض الأزمات؟
 
بغضّ النّظر عن نوع الأزمة، يُمكن منع بعض الأزمات من خلال ثلاث طرق:
 
1. رقابة صارمة (أنظمة ماليّة ومحاسبة منظّمة مع عمليّات رقابة داخليّة وخارجيّة متطوّرة).
 
2. عمليات داخليّة جيّدة التصميم (معايير صارمة عند تعيين أشخاص جدد، وتقييم نزيه وشفّاف للنتائج الفردية، وبرنامج تعليميّ عالي الجودة، وما إلى ذلك).
 
3. تعزيز ثقافة شرف (مصداقية) الشركة (ثقافة السلوك والشفافية والنزاهة والامتثال الثابت)، لأنه في الأغلب يلجأ أصحاب أو مديرو المؤسّسات لإلقاء اللوم على الآخرين من الموارد البشرية أو المشتريات أو الطاقم المساعد وتحميل الجميع المسؤوليّة.
 
تعتبر الأزمة التي يمر بها القطاع الصحي اللبناني من أصعب الأزمات من حيث الشكل والمضمون، في ظلّ الغياب الكامل لإدارة الأزمة المركزية للدولة، والغياب شبه الكامل لإدارة الأزمة في المستشفيات لانعدام الخبرة وتضارب المصالح.
وتؤثر عوامل أخرى في استمرار الأزمة، أهمّها:
 
1-القوة الشرائية للمواطن (وما يقابل ذلك من تدنّي المستوى الصحي للمواطن).
 
2- توافر الموادّ الأساسية والمستورد منها (وما يقابل ذلك من موادّ ذات قيمة وجودة أقلّ).
 
3- توافر الدواء وعدمه (وما يقابل ذلك من أدوية ذات قيمة علميّة وصحيّة أقلّ).
 
4- هجرة العاملين الصحيّين (توظيف من هم أقلّ خبرة) وتوظيف من هم أقلّ خبرة بسبب الحاجة.
 
5- إدارة المؤسّسات الصحيّة من قبل أشخاص غير ذوي خبرة إدارية أو إلمام بإدارة الأزمة.
6- رقابة من الجهات المختصة – وزارة وإدارات رسميّة- غير فعّالة بسبب عدم الخبرة واللامبالاة.
 
7- إدارة القطاع الخاصّ في الأزمات تحاول تحميل المسؤولية للموظفين عبر الحسم من الأتعاب، وصرف العاملين بحجّة الوضع الماليّ، ممّا يؤدّي إلى تدهور الوضع العام للمؤسسة. أمّا في القطاع العام، فالمشكلة أصعب بسبب مركزية القرار والتدخّلات والعلاقات الجانبيّة وعدم اهتمام أهل السلطة للكيانات الرسميّة.
 
إن الأزمة الاقتصادية والسياسية التي يمرّ بها القطاع الصحي هي حافز لإعادة دراسة السياسات الصحية، وهيكلة النظام الصحي من جديد بما يتناسب مع الواقع الحالي، عبر الاستفادة من المصاعب التي مررنا بها.
 
إنشاء المجلس الأعلى للصحّة، والذي بدوره سيرسم السياسة الصحيّة مع وضع البرامج المطلوبة.
 
إنشاء خليّة أزمة صحيّة تتابع المستجدّات على صعيد الصحّة وتدهور النظام ووضع الخطط للتخفيف من الأزمة، وإيجاد حلول قصيرة وبعيدة المدى.
 
تشجيع الاستثمار في مجال الصناعة الدوائية والغذائية.
إشراك الجامعات الطبية والمؤسّسات الصحيّة في خطة الإنقاذ.
 
إعلان حالة طوارئ صحيّة مع وضع خطة عمل للمؤسّسات العامة والخاصة.
 
* ماجستير في إدارة المستشفيات
 
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium