برزت في السنوات الأخيرة ظاهرة صحيّة، تمثّلت بازدياد الاستخدام السيّئ لمضادات الميكروبات والمضادات الحيويّة، الأمر الذي يشكّل خطراً على صحّة المواطنين بسبب مقاومة الجسم لهذه المضادات.
اليوم، تعتبر مقاومة الجسم البشريّ لمضادات الميكروبات إحدى التحدّيات الصحيّة الخطيرة في العالم، إذ كشفت نتائج الأبحاث الحديثة عن أن ما يفوق المليون حالة وفاة على مستوى العالم ارتبطت بشكل مباشر بمقاومة الجسم البشريّ لمضادات الميكروبات في العام 2019.
وكشفت دراسات لمختلف المستشفيات اللبنانية، تناولت بعض حالات العدوى المسجّلة للتأكّد من فرضيّة الاستخدام الخاطىء للمضادات الحيويّة، فبلغت النسبة 70 في المئة حسب نوع الالتهاب والمستشفى.
في المقابل، تُظهر البيانات العالميّة (ترتكز على الاستبيان) أن أكثر من 50 في المئة من مضادات الميكروبات التي يتمّ وصفها في المستشفيات للأشخاص الذين هم بحاجة إلى مضادات حيويّة كانت غير مناسبة.
تقول كريستل موصللي من مكتب أطباء بلا حدود الإقليمي في لبنان، والاختصاصيّة في علم الأوبئة، لـ"النهار" إنّه عندما نتحدّث عن المضادات الحيوية فنحن نقصد الأدوية التي تُعطى لمعالجة حالة مرضيّة سببها إمّا البكتيريا أو الفيروس أو الطفيليّات في الجسم؛ ولكلّ نوع معيّن من هذه الميكروبات علاجه الخاصّ. وعليه، لا يمكن إعطاء دواء مخصّص لمعالجة البكتيريا لحالة فيروسيّة معيّنة، لأنه لن يعطي نتيجة بل سيكون ضارّاً، وسيفقد فاعليّته عندما نكون بحاجة إلى استخدامه كعلاج أساسيّ في وقت لاحق.
وعليه - تضيف موصللي - لا يُمكن للشخص معرفة السبب المسؤول عن إصابته، فالطبيب وحده مخوّل بتشخيص الحالة ومعرفة نوع الميكروب المسؤول عن المشكلة، ويكون بالتالي قادراً على وصف العلاج المناسب للحالة.
يبدو واضحاً التركيز الكبير على خطورة هذا الاستخدام العشوائيّ للمضادات، وإطلاق تحذيرات طبيّة خوفاً من أن تصبح مقاومة المضادات التحدّي الأخطر في السنوات المقبلة على الصعيد الصحيّ. فماذا نعني بمقاومة مضادات الميكروبات وما مدى خطورتها؟
تشدّد موصللي على أن "مقاومة مضادات الميكروبات هي حالة يتمّ تشخيصها عندما تفقد مضادات الميكروبات قدرتها على محاربة هذه الميكروبات والحدّ من انتشارها. ونتيجة ذلك، تُصبح الميكروبات متكيّفة مع هذه المضادات، بل قادرة على مقاومتها".
ماذا يعني ذلك؟ برأي موصللي أننا "وصلنا إلى مرحلة أصبحت فيه مجموعة من مضادات الميكروبات غير فعّالة اليوم، بعد أن كانت تُستخدم لمعالجة حالات بسيطة في السابق، الأمر الذي يحتّم علينا اللجوء إلى مضادات ميكروبات أقوى، في الوقت الذي أصبحت فيه الخطوط العلاجيّة الثانية والثالثة غير فعّالة، بسبب مقاومة مضادات الميكروبات. إذن، أصبحت المضادات الحيويّة ومضادات الميكروبات الأخرى غير فعّالة، وأصبحت العدوى صعبة أو مستحيلة العلاج بشكل متزايد، ويتطلّب علاجها مضادات ميكروبات باهظة الثمن، وغالباً ما تكون ذات آثار ضارّة بل سامّة".
هذا الواقع أدّى إلى اطلاق صرخة عالمية خوفاً من الوصول إلى مرحلة خطرة، ونهاية مأسويّة، يخسر فيها الشخص حياته بسبب التهاب بسيط كان يُعالج في السنوات الماضية بمضادّ حيويّ فيما اليوم لم يعد هذا العلاج فعّالاً ضدّ هذا المرض.
لذلك، القاعدة الأساسيّة - وفق موصللي - عدم استخدام المضادات الحيويّة ومضادات الميكروبات بطريقة عشوائيّة، بل بعد استشارة الطبيب، وقبل تناول أيّ دواء؛ فمن المهم معرفة أن كلّ حالة مرضيّة هي حالة خاصّة، وقد تختلف عن غيرها حتى لو كانت عوارضهما متشابهة ظاهريّاً.
ما العوامل التي أدّت إلى تطوّر مقاومة مضادات الميكروبات؟
تؤدّي العديد من العوامل إلى تطوّر مقاومة الجسم لمضادات الميكروبات، أهمّها نقص الوعي بمدى سهولة انتقال البكتيريا المقاومة من شخصٍ إلى آخر، وزيادة ممارسات التداوي الذاتيّ.
وتشمل العوامل الأخرى عدم نظافة اليدين، وقلَّة تنظيف وتطهير الأسطح التي يكثر استعمالها، والإفراط في استخدام المضادات الحيويّة أو إساءة استخدامها. وتؤدي ممارسات التداوي الذاتيّ غير الصحيحة، والمعلومات غير الكافية، بشأن تناول مضادات الميكروبات بشكل غير سليم، إلى تفاقم مقاومة مضادات الميكروبات. وتُعزى هذه الممارسات والنقص في المعلومات الكافية إلى غياب البروتوكولات وعدم توفّر التشخيص وبيانات المراقبة بشكل كافٍ في بعض الأماكن.
وتختم موصللي بالقول "الرسالة واضحة وأساسيّة: يجب التقيّد بإرشادات وتوصيات الطبيب في مسألة المضاد الحيويّ (فترة العلاج - كيفية تناوله...)، والتوعية بمخاطر الاستخدام الخاطىء والعشوائي للمضادات في معالجة الحالات المرضيّة، بالرّغم من اختلاف أنواعها، بالإضافة إلى وجوب التشديد على دور المعنيّين الصحيّين في الوصف والتشخيص المسؤول لإعطاء الدواء اللازم والمناسب والتزام التدابير الوقائيّة لانتقال العدوى لأنها تحدّ من مخاطر انتشارها".