تَفقِد امرأةٌ كلّ دقيقتين حياتها بسبب سرطان عنق الرحم، وبالتالي يموت نحو 300 ألف امرأة سنوياً بسبب هذا المرض، في حين تُسجّل الدوائر المعنية 600 ألف حالة جديدة سنوياً، ليُصبح سرطان عنق الرحم في المرتبة الرابعة بين السرطانات الأكثر شيوعاً بين النساء عالمياً.
اليوم، لا أرقام تكشف واقع سجلّ المرض الخبيث، بالرغم من أنّه يُصنّف مسبّباً رابعاً للوفيات بين النساء في الشرق الأوسط، والسبب الثاني الأكثر شيوعاً للوفاة لدى النساء المصابات بالمرض في سنّ الإنجاب على مستوى العالم، وفقاً لما ذكرته وكالة الصحّة العالمية التابعة للأمم المتحدة.
في المقابل، أكّد مدير منظمة الصحة العالمية، الدكتور تيدروس أدهانوم غيبرييسوس، أن "سرطان عنق الرحم هو أحد أنواع السرطان التي يمكننا التخلّص منها بالفعل. ربما قد يكون أول سرطان يتم القضاء عليه على الإطلاق".
لكن ما تسعى إلى تحقيقه استراتيجة منظمة الصحة العالمية للقضاء على سرطان عنق الرحم يختلف عن الواقع حيث نشهد زيادة في الحالات المصابة.
يشرح الدكتور فيصل القاق، الطبيب في دائرة الأمراض النسائية والتوليد، في المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت، وعضو مجموعة خبراء السياسات الخارجية في "منظمة الصحة العالمية"، ورئيس مجموعة صحة المرأة العربية لـ"النهار"، أبرز الأسباب المسؤولة عن هذه الزيادة، فيُعيدها إلى غياب التقصّي المنتظم والفحوصات الدورية اللازمة، التي يجب توفّرها في الأنظمة الصحيّة". ويُشدّد على أنه "لا يجوز أن تفقد المرأة حياتها بسبب سرطان عنق الرحم، خصوصاً أنّ هذا المرض يمكن الوقاية منه بشكل كبير بفضل الفحوص الدورية والتشجيع على إجرائها".
لكن ما الذي يجري فعلياً؟
يشير القاق إلى عشوائية وعدم توافر الفحوص الوقائية وتسهيل الحصول عليها من قبل النساء، متحدّثاً عن اختلافات في الأنظمة الصحية المتعدّدة في لبنان والعالم العربي، من ناحية تعميم وتوافر وسهولة الوصول إلى إمكانيات الوقاية، أو حتى ما يسمّى بفحوص العناية الذاتية القادرة على الكشف عن فيروس الورم الحليمي البشري (HPV) المسبّب الأول لسرطان عنق الرحم، بالرغم من أن هذا النوع يمكن الوقاية منه بتكلفة أقل بكثير من العلاج، سواء بفحوص التقصّي أو باللقاحات التي تمنع منعاً شبه كامل حدوث أيّ أورام في عنق الرحم.
عدوان شرس من نوع آخر
ويُشبّه القاق سرطان عنق الرحم بالعدوان الشرس الصّامت، الذي يتسبّب بوفاة امرأة كلّ دقيقتين؛ ويمكن تصوّر مسار هجوم هذا الفيروس بتواطؤ الدول والنظم الصحية على النساء، ممّا أدّى إلى وفاة 300 ألف امرأة سنوياً. إن ما يجري في الحقيقة محزن، خصوصاً أننا نعلم أن المسبّب الأول لهذا السرطان هو فيروس الورم الحليمي البشري الذي ينتقل عبر علاقات جنسيّة غير محمية، وقد لا تظهر عوارضه إلا بعد سنوات.
وعن العوارض، التي تُشير إلى الإصابة بسرطان عنق الرحم، يوضح القاق بأنها:
* إفرازات غير طبيعية.
* رائحة مزعجة.
* وجود بقع دم أو نزف بعد المجامعة أو بين الدورتين الشهريتين، من دون علاقة باضطرابات الدورة الشهرية.
* الثآليل الموجودة على الأعضاء التناسلية الناجمة عن فيروس HPV، والتي يمكن أن تتحول إلى سرطانات (نادرة الحدوث).
وهذه العلامات تشير إلى إمكانية وجود سرطان عنق الرحم، بالإضافة إلى وجود عوامل مؤثرة ترفع من خطر الإصابة مثل العلاقات الجنسية في سنّ مبكرة، والعلاقات الجنسية غير المحمية، وعدد الولادات (أكثر من 5-6 ولادات)، فكلّما زاد عدد الولادات عند المرأة، ارتفعت نسبة المخاطر، والتدخين، والعيش في ظروف معيشية واقتصادية صعبة بسبب عدم قدرة النساء على إجراء فحوص التقصّي بشكل دوري.
ويشدّد القاق على أن فيروس الورم الحليمي البشري ينتشر بسرعة، وقد لا يتطلب الموضوع علاقة كاملة لانتقاله إنما مجرد احتكاك جلديّ، خصوصاً أن الفيروس يشمل 100 نوع. ومن المهمّ معرفة أن نسبة انتشار هذا الفيروس بين الناس تصل إلى 40 في المئة.
وعليه، الانطلاق يكون بتعزيز الاستراتيجية التي وضعتها منظمة الصحة العالمية لتحقيق الهدف المنشود في القضاء على هذا النوع من السرطان القابل للمنع عبر إجرائين:
* الإجراء الأول: يتعلّق بتعزيز التقصّي والكشف المبكر عنه عبر إجراء فحص "الزجاجة" أو فحص المسحة المهبلية وفحص فيروس HPV.
وتجدر الإشارة إلى أن فحص المسحة المبهلية لم يتعدى نسبة 32 في المئة في لبنان.
* الإجراء الثاني: يقضي بتعزيز وتكثيف التوعية حول التلقيح. يؤخذ هذا اللقاح على جرعتين ما بين 9 سنوات و15 سنة، وثلاث جرعات خلال فترة 6 أشهر، مع تخطّي عمر الـ15 سنة. وأظهرت التقارير العلمية خلال السنوات العشرين الماضية عدم حدوث أو تسجيل أيّ آثار سلبية لهذا اللقاح على المدى القصير والطويل عند المرأة.
أما عن العلاجات عند الإصابة، فيوضح القاق بأنه "في حال كانت الحالات ما قبل سرطانية فعلاجها بسيط، ويكون عبر الحرق أو تقشير الجلد.
أما في حال كشف السرطان في حالات متقدّمة فنلجأ إلى البروتوكولات الموجودة، سواء الجراحية أو العلاج الشعاعي أو الكيميائيّ. ويختلف العلاج حسب كل حالة. في المقابل، يساعد الكشف والتشخيص المبكرين على زيادة نسبة الشفاء وتفادي المرض الشديد والمضاعفات الناجمة عنه والوفاة.
إذن، من المهم أن نعرف أن هذا النوع من السرطان يمكن تفاديه والقضاء عليه بتطبيق استراتيجية الوقاية والتقصّي الدوري. وعليه، هذه مسؤوليتنا جمعياً لتحقيق هذا الحلم حيث تكون الفائدة بالاستثمار في الوقاية أفضل بكثير من تكلفة العلاج.