النهار

المُنقِّب عن الأورام الدكتور حسين درويش لـ"النهار": هذه أسباب ارتفاع نسبة الأورام لدى الشباب اللبناني
المصدر: النهار
المُنقِّب عن الأورام الدكتور حسين درويش لـ"النهار": هذه أسباب ارتفاع نسبة الأورام لدى الشباب اللبناني
العمليات الجراحية في الدماغ: المهمة الصعبة.
A+   A-
نعمت كريدلي

جرّاح لبناني يعامل الأورام كالأحجار الكريمة كي يضمن حياة كريمة للإنسان. إنّه الدكتور حسين درويش، الاختصاصي في جراحة الدماغ والعمود الفقري في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت.
 
غرف أول حفنة من المعرفة في علم وفنّ الجراحة من الحقول الخصبة للجامعة الأميركية في لبنان، وبعدها تابع مسيرته الأكاديمية في جامعات مختلفة في الولايات المتحدة الأميركية ليعود إلى مناجم الوطن بمهارة مُنقّبٍ عن خلل وإبداع فنّانٍ يوقظ الأمل!
 
يجري الجرّاح حسين درويش الذي يعمل حالياً في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت عمليات جراحة الدماغ، والأورام الدماغية، وجراحة الشرايين الدماغية، وجراحة الدماغ بالمنظار خاصة قاع الجمجمة مثل عمليات الغدة النخامية والأورام السحائية. إضافة إلى ذلك، يقوم بعمليات زرع لجهاز تحفيزي لمرضى الباركنسون Deep Brain Stimulation.
 
يؤكد الدكتور درويش تأثير الأزمة الاقتصادية في لبنان على تطور العمليات الجراحية، حيث إن السنوات العشر الأخيرة شهدت تقدماً ملحوظاً على المستوى التكنولوجي عالمياً للجراحة "كاستخدام الروبوتات، تطور الميكروسكوب والمنظار الجراحي، والمعدات الطبية".
 
وبالرغم من الانتكاسات الاقتصادية المتكررة، يبقى لبنان في أحضان التقدّم البحثي والعلمي والتقني في مجال العمليات الجراحية في مستشفى الجامعة الأميركية، خاصة في "علم التشريح ومعرفة أماكن التدخل الجراحي وكيفية إزالة الأورام من دون التسبب بضرر" في محيط المنطقة المصابة.
 
من اليسار إلى اليمين: جرّاح الدماغ والعمود الفقري الدكتور حسين درويش من دائرة الجراحة، في قسم جراحة الأعصاب والدماغ والعمود الفقري في المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت، الدكتورة زينة قربان، والدكتور أسامة هادي من دائرة الأذن والأنف والحنجرة.
 
 
عند سؤاله عن تأثير الإنزلاق الغضروفي (فتق الديسك) في الرقبة على وظائف الجسم، يجيب  درويش بأن "الدماغ الذي هو مركز الأعصاب واتخاذ القرار يتواصل مع الجسم من خلال النخاع الشوكي؛ لذلك فإنّ أي تضيّق على الرقبة من خلال ديسك، ورم، أو تشوّه بالشرايين، يؤدي إلى ضغط على النخاع الشوكي، وبالتالي إلى خلل في وظائف متعددة في الجسم. على سبيل المثال، قد يؤدي الانزلاق الغضروفي في الرقبة إلى أوجاع رأس حادّة وآلام وتنميل في اليدين والأصابع، أو حتى أوجاع في المعدة. فالتدخل الجراحي في بعض الحالات يؤثر إيجاباً على المرضى".
 
وعن مدى صعوبة العمليات الجراحية، يوضح درويش بأنه "في جراحة الأعصاب، لا أعتقد أنه يوجد عملية سهلة، فكل عمليات جراحة الدماغ تتطلب الحذر، الحرفية، المهنية، والصبر". لكن بطبيعة الحال تكمن صعوبة جراحات معينة في مدّة إجرائها، فمثلاً بعض العمليات التي أجراها درويش تطلّبت نحو عشرين ساعة مثل Meningioma (ورم قاع الجمجمة)، وaneurysm (أُمُّ الدم وهي حالة أو مشكلة تصيب منطقة من الأوعية الدموية حيث يظهر انتفاخ في جزء من الوعاء الدمويّ يُحدث انبعاجاً، وهذه الحالة تهدّد حياة المريض).
 
وتحدّث درويش عن أصعب عملية أجراها وهي تضخّم شريان الدماغ Aneurysm حيث أتلفَ الشريان الدماغي وزَرعَ مكانه شرياناً من جانب الوجه في الدماغ لضخّ دم إضافيّ. وقد استغرقت هذه العملية حوالى العشرين ساعة وأدّت إلى تحسّن المريض بشكل كبير.
 
كما أجرى وفريقه الطبي عملية فصل توأمين متّصلين بالجهاز العصبيّ من الظهر حتى المخرج، وتعتبر هذه العملية الأولى من نوعها في تاريخ لبنان.
 
 
وأشار إلى زيادة نسبة الأورام في لبنان في السنوات الخمس الماضية بشكل ملحوظ عند الفئة العمرية الشابة. وعن الأسباب المسؤولة عن هذا الارتفاع لدى الشباب اللبناني خلال السنوات الخمس الماضية، يؤكد درويش أنّ "الغذاء السيّئ والمصنّع، خاصة الأطعمة المسرطنة، تساعد على تكوين الأورام من جهة وتوفر صورة الرنين المغناطيسي التي كشفت بشكل أسرع عن الأورام، خاصة الدماغية منها، من جهة أخرى.

كذلك أظهرت الأبحاث أن نسب الأورام السرطانية والحميدة شبه متساوية، علماً أنّ نسبة الأورام الحميدة عند الأصغر سناً هي الأكبر. وعادة تكون الجراحة هي الحلّ في غالبية حالات الأورام، والتي يمكن أن يتبعها إمّا العلاج الكيميائي أو الشعاعي.

ومن الأورام إلى داء الصرع، يتنقل درويش من تحدّ إلى آخر بثقة وروية كبيرة، بالنسبة إليه إنّ التطور البارز في تحديد المنطقة المصابة عند مرضى الصرع يتمثّل بتوفر أجهزة طبية مثل SPECT وهو جهاز التصوير المقطعي المحوسب بالفوتونات المفردة وPET التصوير المقطعي البوزيتروني وأجهزة التخطيط.

وعليه، يّشدد على أن نجاح العملية لا يعتمد على حالة المرضى أو حتّى منطقة الصرع، بل على التشخيص الصحيح للمنطقة المسؤولة التي بدورها يمكن أن تكون شبكة من الإصابات أو بؤرة واحدة.

في المقابل، تعجز الجراحة بحسب درويش عن إنقاذ الدماغ في حالات وجود ضربة قوية على الرأس، كطلق ناري في الدماغ، أو نزيف حاد أو ورم أو جلطة كبيرة أدّت إلى الموت الدماغي.
 
 
أما بالنسبة إلى تأثير تطوّر الذكاء الاصطناعي على الجراحة فهو محدود في مجال تجميع المعلومات والعمل البحثيّ، بحسب درويش، على عكس التقدّم التكنولوجي الذي أحدث ثورة طبية في العمل الجراحيّ، وسمح بإجراء عمليات رياديّة ناجحة كاستخدام المنظار لإزالة ورم دماغيّ في الغدّة النخاميّة من خلال الأنف بدلاً من شقّ الجمجمة، إجراء جراحة العين أيضاً من خلال الأنف، وحتى إزالة ورم بحجم يزيد عن 4.5 cm من قاع الجمجمة بشكل كامل.

من جهة ثانية، ركّز الاختصاصي في جراحة الدماغ والعمود الفقري على أهمية الغذاء الصحي والراحة النفسية للوقاية من العديد من الأمراض، ولتسارع عملية التشافي بعد الجراحة. وعند سؤاله عن علاقة النقص الحادّ بفيتامين "د" بوجود الأورام، أوضح بأن هذا "النقص يؤثر سلباً على عمل ونشاط الخلايا العصبية، لكن لا يؤدّي إلى أورام دماغية"، وقد تزايدت نسبة الأورام في لبنان في السنوات الخمس الماضية بشكل ملحوظ عند الفئة العمرية الشابة.
 
إضافة إلى ذلك، يعتمد الجرّاح نظام حياة صحي ومنظّم ليتمكن من الحفاظ على صحته العقلية والجسدية وإجراء كل هذه العمليات الجراحية المعقدة بفضل النوم المبكر، الرياضة، الغذاء الصحيّ، الترفيه، والمواظبة على القراءة وكتابة الرسائل البحثية التي تنشر في مجلات عالمية.
 
المُنقِّب عن الذّهب مثلاً لا يبالي بالركام الذي خلّفه بعد التنقيب، أما جرّاحنا اللبناني فيحترف التنقيب عن الأورام لتبقى مناجمنا مضيئة!

اقرأ في النهار Premium