في الوقت الذي بلغت فيه الدول المتطورة مرحلةً، أصبح معها التدخين ومواجهته وراءها، بعد أن أدركت المخاطر التي يمكن أن تنتج عنه، لا يزال التدخين يشكل خطراً كبيراً ومخيفاً في لبنان بمختلف أشكاله، سواء بالتدخين العادي أو بالنرجيلة المنتشرة في مجتمعنا، أو بالسيجارة الإلكترونية التي تعتبر صيحة مستجدة، بسبب نقص الوعي والتوعية، وفق ما تؤكده رئيسة قسم الأمراض الرئوية ومسؤولة مركز معالجة الإدمان على التدخين في مستشفى أوتيل ديو دو فرانس الدكتورة زينة عون بمناسبة اليوم العالمي للامتناع عن التدخين.
تؤكد عون أن السيجارة الإلكترونية تعتبر خطراً جديداً يهدد جيل الشباب بشكل خاص ويضعه في مواجهة مع مخاطر مستقبلية لا يمكن الاستهانة بها.
تعود الحرب على كل من يكافح التدخين في لبنان، وفق عون، إلى الأرباح التجارية الكبرى التي يحققها العاملون في هذا المجال، الذين يجدون في هذه المحاربة خسارة كبرى غير آبهين بصحة الناس. ويرتبط ازدياد معدلات التدخين بمختلف أشكاله، إلى حد كبير، بالأزمة التي يواجهها لبنان. فيجد المواطن في التدخين وسيلة التسلية الوحيدة بعد أن أقفلت كل الأبواب في وجهه. وحتى إذا أراد أن يقصد أي مركز ترفيه، تمنعه الأسعار الخيالية والوضع المعيشي الصعب.
وما يدعو إلى القلق بشكل خاص "ثقافة النرجيلة" التي تشير إليها عون، مؤكدة أنها تتخطى بأضعاف المخاطر المرتبطة بالسيجارة. فإذا كان الأهل يرفضون أن يدخن أبناؤهم السيجارة أمامهم، فهم يتقبلون فكرة تدخينها لساعات بهدف التسلية. إن انتشار هذه الثقافة أمر مخيف.
علماً أن تدخين النرجيلة خلال 40 إلى 60 دقيقة ينتج كمية دخان تدخل إلى الرئتين بمعدل 10 أضعاف أو 20 ضعفاً أكثر من تدخين علبة سجائر. هذا وتترسخ أضرار التدخين والأمراض الناتجة عنه مع مرور السنين، بحيث يعتبر من يبدأون بالتدخين في سن مبكرة الأكثر عرضة لمخاطره والأمراض الناتجة عنه، كارتفاع مستويات الكوليسترول وأمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان والربو والتليّف الرئوي.
وتبين أن التدخين مرتبط بشكل خاص بارتفاع خطر الإصابة بسرطان المثانة بين الرجال وبسرطاني الثدي والجهاز الهضمي بين النساء، إضافة إلى أنه يزيد خطر الإصابة بسرطان الحنجرة والرئة. وقد لوحظ ارتفاع واضح في سرطانات الأطفال بسبب تعرضهم للتدخين السلبي في منازلهم لفترات طويلة وهو خطر يجب أن يؤخذ أيضاً بالاعتبار.
"يشكل تدخين النرجيلة مرة في الأسبوع خطراً لا بد من التحذير منه، فكيف بالأحرى إذا كان هناك من يدخنها يومياً وخلال ساعات. مع الإشارة إلى أن كافة أنواع التبغ المستخدمة في النرجيلة ضارة جداً، لكن أسوأها الصنف المعسّل الذي تمتزج فيه المواد الكيماوية بالسكر. وكلّها تشكل مخاطر على الجهاز التنفسي، وتزيد خطر الإصابة بالسرطان وبأمراض الشرايين".
خطر على العاملين في محيط معين
إذا كان التدخين السلبي يشكل خطراً على من يتعرض له لساعات، فيبدو الخطر أكبر بشكل خاص على العاملين في محيط ترتفع فيه معدلات التدخين، كالعاملين في المطاعم وفي النوادي الليلية وغيرها من الأماكن المماثلة. وقد تبين أن العاملين في هذه الأماكن الذين يتعرضون بكثرة إلى التدخين في النوادي الليلية، كانوا أكثر عرضة للتوجه إلى الطوارئ بسبب أعراض مزعجة يعانونها ولا تُعرف أسبابها، وهي مرتبطة بالتدخين كالتعب والدوار وآلام الرأس والحريق في العينين والنعاس.
حملات تسويقية وراء صيحة السيجارة الإلكترونية
تبدو السيجارة الإلكترونية اليوم من الصيحات المستجدة، خصوصاً بين جيل الشباب، لكنها تشكل خطراً كبيراً عليهم أيضاً. فبحسب عون، تقف وراء هذه الصيحة شركات كبرى تسوّق لها كبديل عن السيجارة العادية لتحقيق أرباح خيالية. وقد ابتكرتها وأقامت لها حملات إعلانية كبرى ساهمت بنشرها على نطاق واسع. وهذه السيجارة قد تختلف المواد الموجودة فيها بالمقارنة مع السيجارة العادية، إلا أنها تحتوي على مواد سامة، والأخطر أن جيل الشباب يعتمدها بكثرة كصيحة رائجة، وظناً منه أنها أقل خطورة وأقل تأثيراً سلبياً عليهً. ما يؤدي إلى الاعتياد عليها ويزيد بالتالي خطر الانتقال إلى سلوكيات أخرى تدخل في خانة الإدمان، كالتدخين العادي والإدمان على المخدرات وتدخين النرجيلة.
في وقف التدخين فائدة مباشرة
خلافاً لما يعتقد الكثير من المدخنين بأن لا جدوى من وقف التدخين بعد سنوات طويلة، فإن الاستفادة تكون مباشرة في جوانب صحية عديدة، سواء لجهة التحسّن في النفس، أو في الحد من خطر الإصابة بذبحة قلبية، أو على مستوى مواجهة ضغط الدم، الذي يرتفع بمعدل 4 درجات بعد تدخين النرجيلة، وخصوصاً بوجود عوامل خطر أخرى. هذا، وبعد سنوات عديدة، من وقف التدخين تكون الاستفادة الكبرى في صحة الرئتين والقلب والسكري، وزيادة معدل الاستجابة لأدوية الأمراض المزمنة، بعد وقف التدخين بشكل خاص.
انطلاقاً من ذلك، تدعو عون كل مواطن لأن يكون مسؤولاً عن نفسه وعن صحته. ففي وقف التدخين ربح كبير له على الصعيد الشخصي، من الناحيتين الصحية والاقتصادية، فوقف التدخين يجنّبه تحمل تكاليف هو بغنى عنها، كما يجعله أفضل في مواجهة الأمراض الناتجة عن التدخين والحاجة إلى معالجتها. ومن جهة أخرى يعود وقف التدخين بالفائدة على المجتمع ككل، ويتطلب بلوغ هذه المرحلة الكثير من الوعي الذي يجب السعي إليه بهدف تأمين بيئة صحية وسليمة يمكن العيش فيها بأقل ضرر ممكن.