منذ أكثر من 10 أيام، اضطرت عائلة تسكن في منطقة مار بطرس- بيت شباب للتوجه إلى المستشفى لتلقّي لقاح "داء الكلب" بعدما تبيّن أن كلبهم مصاب بالمرض. هذه الحادثة تفتح الباب مجدداً على أهمية التوعية حول هذا المرض، والأهم ظاهرة الكلاب الشاردة وغياب المعالجة الحقيقية في تطبيق القانون الصادر في العام 2017.
علمت "النهار" أنّ كلباً منزليّاً يعود للعائلة المذكورة، ولا يتخطّى عمره 6 أشهر، احتك مع حيوان "الواوي" ليتبين لاحقاً أنه أُصاب بداء الكلب وتوفّي بعد ذلك. ونتيجة احتكاك الكلب مع أفراد العائلة، وبعد معرفة ما حصل من قبل وزارة الصحة، نُصحت العائلة المؤلفة من طفلين ووالدتهما وشخصين من كبار السنّ بتلقّي اللقاح تحسّباً لأيّ عدوى متنقلة، خصوصاً أن نسبة الوفاة بداء الكلب قد تصل إلى 100 في المئة.
وتفتح هذه الحادثة الباب على ظاهرة الكلاب الشاردة التي تتفاقم في السنوات الأخيرة، وتُعرف منطقة مار بطرس التي وقعت فيها الحادثة، بتكاثر الكلاب الشاردة. ويمكن تلخيص أبرز الأسباب المسؤولة بتخلّي الناس عن كلابهم نتيجة عدم قدرتهم على الاهتمام بها، أو نتيجة تكاثر الكلاب التي تجد في هذه البقعة ملاذاً آمناً لها. وفي كلتا الحالتين، يدفع المواطن كما الحيوان ثمن هذا الإهمال من دون أيّ خطّة جديّة لمعالجة هذا الموضوع على أرض الواقع.
تُسلّط هذه الظاهرة الضوء على أهمية التعاون بين الوزارات المعنية للحدّ من خطورة انتشار داء الكلب، وقد تكون تجربة اسطنبول أكبر دليل على نجاح الخطة المتكاملة في تفادي انتشار هذا الداء.
وفي هذا الصدد، يشرح نقيب الأطباء البيطريين الدكتور نضال حسن لـ"النهار" أهمية التزام الأشخاص الذين يربّون حيوانات أليفية في منازلهم على اعطاء التطعيمات الأساسية التي تتمثّل بثلاث لقاحات رئيسية هي: لقاح فيروس بافرو (Parvovirus)، واللقاح الثاني يشمل اللقاح الأوّل مع لقاح Distemper (لقاح حمّى الكلاب)، واللقاح الثالث يجمع بين اللقاحين الأوّلين، بالإضافة إلى لقاح داء السعار (Rabies) حيث يُعطى للكلب أو القطة بعد عمر 3 أشهر، ويُعاد بعد شهر ومن ثمّ مرة في السنة.
ولكن ما يُشكّل تهديداً فعلياً هو داء السعار، ووفق ما يقول حسن أن "نسبة الوفاة بداء الكلب تصل إلى 100 في المئة، لذلك عندما تبدأ الأعراض عند الإنسان أو الحيوان يكون الموت محتّم.
كل أنواع الحيوانات من الثدييات قد تنقل داء الكلب، وتكون فترة حضانة المرض 15 يوماً، ولكن يُقسم هذا المرض إلى نوعين: النوع الأول يظهر عوارض المرض على الكلب بشكل واضح ( عينان حمراوان- عدم القدرة على الابتلاع- العدوانية- يعضّ نفسه أو غيره...) ويمكن للشخص معرفة أنّ سلوكه غير طبيعيّ. أمّا النوع الثاني- الذي يقلقنا أكثر، فهو هدوء الحيوان المصاب وتقرّبه من الإنسان من دون خوف، ومن دون ظهور أيّ من الأعراض، وفجأة يهجم ويعضّ.
اختلفت التوصيات عمّا كانت في الماضي، والتشديد اليوم على يرتكز إعطاء مصل مضادّ لداء الكلب ولقاح الكلب لضمان الوقاية من مخاطر المرض. ويعتبر المصل أولوية لأنّه لقاح الكلب يحتاج إلى أسبوعين حتى تتكوّن المناعة عنده ضدّ المرض.
وعن الأعراض التي تظهر على الإنسان في حال انتقال داء الكلب سواء بالعضّ أو الخدوش تتمثّل في:
- تنميل مكان الخدش أو العضّة
- أعراض أولية شبيهة بالرشح كالصداع والحرارة الخفيفة لمدة 4-5 أيام، ومن ثمّ تختفي هذه الأعراض. وهنا تكمن خطورتها لأنّ المرض يعيش في العصب ولا يمكن أن تكشفه الفحوص.
ويشير حسن إلى أنّه "كلما كانت العضّة قريبة من منطقة العامود الفقري أو الرأس ينتشر المرض بشكل أسرع. لذلك ننصح دائماً بتلقّي مصل مضاد لداء الكلب ولقاح السعار عند التعرّض لخدش أو عضّة، خصوصاً إذا كنا نجهل سجلّ الكلب الصحّي".
ودعا "المربين والمواطنين إلى التبليغ الفوري عن أيّ حالة مشتبه بها وعدم قتل أو إيذاء أيّ حيوان، لأنّ هذا العمل يزيد من انتشار الوباء ، وتمنّى على الجميع التعاون والالتزام الكامل بالتدابير للحفاظ على السلامة العامّة".
ونعرف تماماً أنّ ظاهرة الكلاب الشاردة أو التعرّض لداء الكلب تستوجب تعاوناً بين مختلف الوزارات (وزارة الزراعة والداخلية والصحة) والبلديات والجمعيات التي تُعنى بالرفق بالحيوان لمعالجة هذه المسألة وعدم اللجوء إلى قتل الحيوان خوفاً منه كما شهدنا في بعض المناطق، حيث قام بعض المواطنين بتسميم الكلاب.
وفي هذا الإطار، تشدّد الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق الحيوان غنى نحفاوي على أهمية تطبيق قانون "الرفق بالحيوانات" الصادر في العام 2017 والذي لم يُفعّل على أرض الواقع، وإلّا لما وصلنا إلى هذه المرحلة حيث أصبحت أعداد الحيوانات المشرّدة أو المُتخلّى عنها كبيرة جداً.
وتشير نحفاوي إلى دور أساسي للبلديات في تطبيق القانون، فالمسؤولية تبدأ على نطاق صغير حتى تتوسّع وتصبح قابلة على نطاق الوطن. وينصّ القانون على وضع خطة للتعامل مع الكلاب الشاردة وتأمين أمكنة لإيوائها، وهي مسؤولية تقع على عاتق البلديات أوّلاً بالتعاون مع الجمعيات والوزارات المعنية. وتقول نحفاوي إنّه "لو تمّ العمل بالقانون منذ صدوره لما شهدنا هذه الأعداد الكبيرة الموجودة اليوم، ورغم غياب الإحصاءات الدقيقة، فإنّ العدد يتراوح من 50 إلى 60 ألف كلب شارد، في حين ترى الوزارة أنّ هذا الرقم مبالغ فيه".
وبعيداً عن الأرقام، يبقى الأساس المعالجة الصحيحة لموضوع الحيوانات الشاردة وتحديداً الكلاب، تبدأ المحاسبة أوّلاً للشخص الذي تخلّى عن الكلب من دون تأمين مأوى له، مروراً بالبلدية التي لم تعمل على جمع الكلاب وخصيها أو تعقيم الإناث لمنع تكاثرها، وصولاً إلى الوزارات التي تتقاعس في دورها التوعويّ والميدانيّ على الأرض.
إذ ينصّ القانون على تغريم "من يقوم عمداً بالتخلّي عن كلب أو هر من دون إعلام الوزارة من أجل إيجاد حارس أو مأوى آخر لهما". كما أنّ على البلديات معالجة مشكلة الكلاب الشاردة، عبر جمعها وخصيها وتلقيحها وإعادة إطلاقها.
ولكن للأسف لا شيء من كلّ هذه البنود تُطبّق، ونستذكر المشكلة عند وقوع حادثة ما وسرعان ما ننساها.
تدابير ضروريّة لمكافحة داء الكلب
وبعد معرفة وزارة الصحة بهذه الحادثة، قامت مصلحة الطب الوقائي في الوزارة بالتواصل مع مراكز مكافحة داء الكلب في المستشفيات الأقرب إلى المنطقة من أجل التشديد على ضرورة اعتماد الإجراءات الوقائية فوراً لدى كلّ الأشخاص الذين احتكّوا بالحيوان المصاب، وفق ما أوضح بيان صادر عن الوزارة.
كما قامت المصلحة بالتنسيق مع برنامج الترصّد الوبائي من أجل إجراء زيارة ميدانية للبلدة التي وقعت فيها الحادثة لأخذ الإجراءات المناسبة.
وتوضح مصلحة الطب الوقائي أن داء الكلب هو مرض فيروسي، حيواني المنشأ، مستوطن لدى بعض أنواع الحيوانات من الثدييات في لبنان والبلدان المجاورة. وينتقل داء الكلب من الحيوان إلى الإنسان من خلال التعرّض لعقر (عضّة) أو خدش من الحيوان المصاب أو تعرّض جرح لدى الانسان للعاب الحيوان المريض.
وعن أهمية الوقاية من داء الكلب، تشدّد الوزارة على ضرورة اتباع الإرشادات الآتية:
- تجنّب الحيوانات (خاصة الشاردة والبرية) وإبعاد الأطفال عنها.
- الحرص على تلقيح الحيوانات الأليفة لدى طبيب بيطري والاحتفاظ بوثيقة التلقيح.
- على الأشخاص الذين تعرّضوا لعقر أو خدش من حيوان، التوجّه فوراً (خلال مهلة لا تتجاوز 24 ساعة) إلى أقرب مركز من مراكز مكافحة داء الكلب لتقييم وضعهم الصحي وإعطاء العلاج المناسب.
وحذّرت وزار الصحة من مشكلة الكلاب الشاردة التي تحتاج إلى حل جذري من قبل المعنيين ولا يمكن حلها عن طريق جلب المزيد من اللقاحات والأمصال المضادة لداء الكلب. لذلك تدعو كلّ من الوزارات المعنية والمواطنين إلى تحمّل مسؤولياتهم حرصاً على الأرواح وحفاظاً على الصحة العامة.