سارة شهاب، طبيبة الأسنان، ابنة الـ26 عاماً، وجدت نفسها أمام مفترق طرق يتوجب عليها اتخاذ القرار سريعاً. تجميد البويضات. مصطلح طبي كثُر الحديث عنه في السنوات الأخيرة حيث ازداد الطلب على هذا الإجراء لأسباب كثيرة ومنها التأخر في الزواج والظروف الاقتصادية الصعبة.
لكن قصة سارة مختلفة، ومعدل مخزون البويضات لديها منخفض جداً. وبالتالي، تحوّل الوقت بالنسبة لها إلى عدو يحاربها. خذلها جسمها ومرضها سريعاً.وأخبرت "النهار" إنها "خضعت لفحص معدل مخزون البويضات AMH في الأشهر الماضية وكانت الصدمة عندما كشفت النتائج أن المخزون منخفض جداً وهو يُحاكي مخزون امرأة تبلغ من العمر أربعين عاماً".
لم تكن سارة أمام خيارات كثيرة. ونصحها طبيبها بإجراء تجميد البويضات بأسرع وقت ممكن للحفاظ على نوعية جيدة البويضات وعدم المخاطرة في التأخير حتى لا تفقد فرصة ضمان حقها في الأمومة يوماً ما، خصوصاً أن مخزونها ينخفض بشكل تراجيدي.
لم تفكر ابنة الـ26 عاماً كثيراً. وقررت أن تلجأ إلى هذا الإجراء الطبي وتقوم بتجميد بويضاتها وتتذكر جيداً انها قالت لطبيبها" أريد تجميد البويضات بأسرع وقت، لن أنتظر أكثر".
ويشهد لبنان مؤخراً زيادة ملحوظة في عدد النساء اللواتي يلجأن إلى هذه التقنية لأسباب مختلفة وعديدة. ويعتبر لبنان البلد الأقل كلفة لإجراء عملية تجميد للبويضات مقارنة بالدول المجاورة أو الأوروبية والأميركية، حيث تتراوح كلفة تلك العملية فيها بين 3000 إلى 5000$، في حين تبلغ كلفة تجديد التجميد سنوياً في المراكز المتخصصة اللبنانية بين 200 إلى 400 دولار.
في العام 1986، وُلد أول طفل من بويضات مجمدة في أوستراليا ليفتح الباب أمام استخدام هذه التقنية لتحقيق حلم الأمومة عند نساء كثيرات حول العالم.
خلال جائحة #كورونا، شهدت العديد من عيادات الخصوبة ارتفاعًا كبيرًا في الاهتمام بإجراءات تجميد البويضات. وتشير بعض البيانات إلى أن عمليات استرجاع البويضات المجمدة في الولايات المتحدة زادت بنسبة 39 في المئة عن مستويات ما قبل الجائحة، وفي المملكة المتحدة، زادت الاستفسارات بنسبة تصل إلى 50 في المئة في صيف عام 2020 مقارنةً بالعام السابق.
في قراءة للأرقام، أظهرت دراسة في المملكة المتحدة زيادة لافتة في عدد تجميد البويضات حيث زادت عمليات تجميد البويضات وتخزينها من 2576 دورة في عام 2019 إلى 4215 دورة في عام 2021 أي ارتفاع بنسبة 64 في المئة.
أما في الولايات المتحدة، ارتفع عدد النساء الأميركيات اللواتي لجأن إلى تجميد بويضاتهن بنسبة 880 في المئة بين عاميّ 2010 و2016، بعد إزالة الجمعية الأميركية للطب التناسلي نصنيف "التجريبي" على هذه التقنية في العام 2012، حسب ما نشر موقع The Guardian.
ووفقاً للجمعية الأميركية لتكنولوجيا التناسل، في العام 2017 وحده، قامت 10936 امرأة في أميركا إلى تقنية تجميد البويضات.
خضعت سارة منذ 4 سنوات، عندما كانت تبلغ 22 عاماً، إلى عملية جراحية لاستئصال كيس على المبايض الذي كان يتسبب آلماً شديدة. أدخلت سارة إلى المستشفى كحالة طارئة، لتشخص حالتها في غرفة العمليات على أنها تعاني من مرض بطانة الرحم المهاجرة.
يُصيب مرض بطانة الرحم المهاجرة أو الانتباذ البطاني الرحمي ما يقرب من 10 في المئة من النساء والفتيات أي حوالى 190 مليون امرأة، ممن هن في سن الإنجاب، على مستوى العالم، وفق منظمة الصحة العالمية.
لم تسمع سارة من قبل بهذا المصطلح الطبي، تعترف "لقد خفتُ كثيراً، لم أمن أعرف عن المرض شيئاً. كنت أتألم كثيراً ومتعبة، وما زاد قلقي أكثر أن المرض يؤثر على خصوبتي وعدد البويضات.
يشرح الاختصاصي في علاج العقم وأطفال الأنانبيب الدكتور الياس كرم أن "اللجوء إلى تجميد البويضات يعود إما لأسباب طبية ومنها حالة سارة حيث يكون لديها معدل مخزون للبويضات منخفض بسبب مرض بطانة الرحم المهاجرة أو لأسباب اجمتاعية حيث نشهد تأخراً في الزواج والإنجاب، ما يدفع المرأة إلى اللجوء إلى هذه التقنية لضمان حقها في الأمومة".
اضطرت سارة إلى الخضوع لعمليتين جراحيتين لإزالة الأكياس الموجودة على المبايض، ونتيجة حالتها الطبية، تواجه سارة مشكلة انخفاض معدل البويضات ما قد يهدد حلمها في الإنجاب في المستقبل.
وتصف سارة تلك الفترة بالقول "شعرتُ أن جسمي يحاربني، والوقت يسرقني من حلم الزواج والإنجاب في المستقبل. بإختصار، لا يلعب الوقت لصالحي أبداً. لذلك كنتُ أعد الأيام والثواني لليوم الذي سأجري فيه تجميد البويضات".
وعن مسار العملية، يتحدث كرم عن كيفية اجرائها "علينا أولاً تحفيز الإباضة للحصول على أكبر عدد ممكن من البويضات من خلال استخدام حقن للهرمونات تعمل على التحفيز لمدة تتراوح بين 7 إلى 10 أيام. وبعد اجراء الحقن يومياً في التوقيت نفسه، تقوم المريضة بصورة صوتية للتأكد من مدى تجاوبها على العلاج الهرموني وعدد البويضات وحجمها. ومن بعدها، تخضع المريضة للإبر التي تفجّر البوضات قبل أن تخضع فيما بعد لإجراء طبي بسيط لسحب البويضات وتسليمها إلى المختبر لاختيار النوعية الجيدة منها وتجميدها".
من غرفة العمليات إلى غرفة التجميد ، توضع البويضات المسحوبة من المريضة بأنابيب خاصة تحمل اسمها والعدد النهائي المسحوب، وهنا تبدأ عملية التجميد. وفي هذا الصدد، توضح ندى خلف مسؤولة مختبر الأجنة في عيادة الطبيب الياس أن " تقسم البويضات حسب عددها وتوضع في أنابيب خاصة قبل وضعها في خزان يحتوي على سائل نيتروجين (Liquid nitrogen).
لا تخفي سارة قلقها الذي كان يعتريها أن تقرر انجاب الأطفال وتعجز عن ذلك. لذلك عندما قررت تجميد بويضاتها كانت مقتعنة جداً بقرارها، ولم يكن لديها مخاوف أو أسئلة كثيرة تشغل بالها. تصارحنا قائلة "لم أتردد في إخبار المحيطين بي بقراري حيث لمستُ تفاوتاً في ردة الفعل بين مؤيد ومستغرب خصوصاً أن البعض اعتبر أنني ما زلتُ صغيرة في العشرينيات. ومع ذلك، حسمتُ قراري وكان أفضل شيء قمتُ به، لقد منحني راحة نفسية لا تعوض".
تختلف أسباب تجميد البويضات بين امرأة وأخرى، في البداية كان اللجوء إلى هذا الإجراء الطبي شائعاً عند النساء المصابات بالسرطان حيث تؤثر العلاجات الكيميائية والشعاعية على خصوبتهن. ومع الوقت، أصبح تجميد البويضات يشمل النساء اللواتي يعانين من مشاكل طبية عديدة قد تؤثر على الخصوبة، بالإضافة إلى سبب اجتماعي بات أكثر انتشاراً في السنوات الأخيرة ويتمثل بالتأخر في الزواج والإنجاب.
تُشاركنا الصحافية غدي فرنسيس تجربتها بعد خضوعها لتجميد البويضات مرتين، تروي لـ"النهار" عن هذه المحطة بحياتها "لقد مرّت حياتي بسرعة ولم أكن جاهزة أو راغبة في انشاء أسرة. واليوم، أبلغ من العمر 35 عاماً وأجد نفسي غير جاهزة لذلك. ولكن ماذا لو وصلتُ إلى مرحلة أصبحت فيها جاهزة للأمومة ولكن طبيعية جسمي لم تعد مهيأة لتحقيق حلمي؟ لذلك كان لدي خيار يمكن اللجوء إليه للاحتفاظ بهذه الفرصة".
وجدت فرنسيس عملية تجميد البويضات حلاً كفيلاً في أن يخفف من الضغوطات النفسية والاجتماعية بضرورة إيجاد الشريك وإنجاب الأطفال لأنها ما زالت قادرة على الإنجاب في الوقت الحاضر. تعترف "ارتحتُ نفسياً بعد تجميد بويضاتي، أنا اليوم في أمان وعندما أصبح جاهزة سأستخدم بويضاتي لتكوين الأسرة".
في الطب، كما يشرح الطبيب كرم "كلما تقدمت المرأة في الطب تنخفض نوعية البويضة وكذلك المخزون. لذلك عند تجميد البويضات تبقى نوعيتها جيدة إلى حين استخدامها، ولا تتأثر نوعيتها بالسنوات، بل تبقى بنفس النوعية يوم تمّ سحبها من المريضة. ويمكن الاحتفاظ بالبويضات سنوات قبل أن تقرر المرأة استخدامها لإنجاب الأطفال".
ويشير كرم إلى أن "التقنيات المستخدمة لتجميد البويضات اختلفت كثيراً عما كانت عليه سابقاً في الثمانينات. في الماضي لم تكن النتائج مشجعة كثيرة، أما اليوم نلمس حقيقة تغييراً في العلاجات والتقينات والنتائج التي تعتبر جيدة جداً".
في حين تتحدث فرنسيس عن سهولة هذا الإجراء " الفترة التحضيرية أشبه بعوارض العادة الشهرية عند المرأة. لم يكن الأمر مزعجاً أو مؤلماً، كنتُ فقط عند أخذ حقن الهرمون أشعر بالنعاس ليس أكثر".
أما عن نظرة المجتمع حول هذا الموضوع، تشدد فرنسيس على أن "قرار تجميد البويضات هو شخصي وليست مسؤولية مجتمعية. هذه حياتي وهذا جسمي وأنا حرة في تصرفاتي تجاه نفسي ولا يحق للمجتمع أو أي فرد أن يتدخل بخياراتي الشخصية".
يختلف دافع تجميد البويضات بين فرنسيس وسارة، وقرار الأخيرة باللجوء إلى هذا الإجراء سببه الأول طبي أكثر مما هو اجتماعي. وفق سارة "لاقيتُ دعماً من قبل عائلتي واصدقائي الذين يعرفون قصتي، وكنتُ أحاول التوعية حول أهمية الفحص الدوري لأن التشخيص المبكر والمتابعة يساعدان على تحسين الحالة وضمان حقك في الأمومة والإنجاب".
حظوظ النجاح
تختلف نسبة النجاح وفق عمر المرأة وعدد البويضات المسحوبة، ويشرح الدكتور كرم أنه "يفضل اجراء تجميد البويضات بين الـ30-35 عاماً لأن نوعية البويضة تكون ما زالت جيدة. ومن المهم أن نعرف أن ليس كل بويضة مسحوبة مجمدة هي حكماً ستعطي جنيناً في المستقبل. لذلك يُفضل سحب بين 10 إلى 20 بويضة عند المرأة حتى تضمن مخزوناً كافياً لتحقيق حلم الأمومة بنسبة عالية".
وعليه، كل ما كانت السيّدة أصغر سناً لحظة حصول التجميد، كل ما صار احتمال الحمل أكبر لأن عدد البويضات المجمدة يكون مرتفعاً، ونوعيتها تكون أفضل.
وفقًا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة، حوالي 2% من الأطفال الذين يولدون كل عام في الولايات المتحدة يتم حملهم باستخدام علاجات الخصوبة مثل التلقيح الاصطناعي وتجميد البويضات.