النهار

الميكروبلاستيك في صلب إشكالية البيئة... مخاطر متعاظمة على الصحّة
ليلي جرجس
المصدر: "النهار"
الميكروبلاستيك في صلب إشكالية البيئة... مخاطر متعاظمة على الصحّة
خطر الميكروبلاستيك.
A+   A-

في الآونة الأخيرة، برز مصطلح الميكروبلاستيك ليُضاف إلى قائمة مشاكل البيئة وتحدياتها. تدخل تلك الجزيئات الدقيقة، التي تتسرّب إلينا من الأدوات البلاستيكية العادية إلى أعضاء الجسم، ومنها القلب والرئة والأعضاء التناسلية، وتُسهم في اضطرابات القلب والأوعية الدموية والأمراض التنفسية والسرطان والعقم.

ويلفت أن يوم البيئة العالمي للعام 2025 الذي تستضيفه "سيؤول"، يرفع شعار "إنهاء التلوث البلاستيكي". وسيُصار إلى توقيع اتفاقية عن البلاستيك الذي وصل إنتاجه العالمي إلى 400 مليون طن متريّ سنوياً في 2022، ويؤمل أن تشكل نقطة تحول في الحفاظ على البيئة.

وتظهر دراسات علمية واسعة أن الشخص العادي يتناول نحو 5 غرامات من البلاستيك أسبوعياً، تؤدي إلى تسرّب 50.000 جسيم من الميكروبلاستيك إلى جسمه سنوياً. وقد يرتفع هذا العدد لدى الأشخاص الذين يتبعون نظاماً غذائياً غنياً بالأطعمة المصنّعة، وفق ما أفادت صحيفة "الغارديان".

تذكيراً، بلغ الإنتاج العالمي من البلاستيك في العام 2020 نحو 380 مليون طن، فيما وصل معدل استهلاك الفرد من الأكياس البلاستيكية سنوياً في بعض الدول العربية إلى 40 كيلوغراماً للفرد مقابل المعدّل العالمي الذي يبلغ 24 كيلوغراماً.

وفي العام 2022، أثبت العلماء للمرة الأولى أن جزيئات مايكروبلاستيك تدخل إلى الدورة الدموية للبشر. وبعد سنتين، عثر علماء صينيون على تلك الجزيئات في قلوب أشخاص أجريت لهم عمليات جراحية في ذلك العضو.

وفي دراسة نُشرت في 15 أيار الماضي، وُجدت تلك الجزيئات الدقيقة في الأجهزة التناسلية للرجال.

إذن، تتراكم الأدلة على أن البلاستيك يشقّ طريقه إلى أجسامنا، ويشكّل تهديداً جديّاً لصحة مختلف الأعضاء.

تعرّف على "البلاستيك الخفي"

إن الميكروبلاستيك الذي يدخل الدورة الدمويّة للإنسان يكون بحجم يتراوح ما بين 7 إلى 3000 ميكروميتر، مع ملاحظة أن الميكروميتر هو جزء من الألف من الملليمتر. إنه عدو خفيّ حقاً. ولقد قرعتْ تلك المعطيات جرس الإنذار في آذان صنّاع القرار.

فما الذي نعرفه عن المكيروبلاستيك؟

يشرح الأستاذ والباحث في علوم الغذاء في الجامعة اللبنانية – الأميركية حسين حسن لـ"النهار" بأن "الميكروبلاستيك جزيئات دقيقة لا يتعدّى حجمها الـ5 ملليمترات، وهي ناتجة من تحلّل البلاستيك إلى جسيمات صغيرة مع مرور الوقت، ثم تدخل إلى أجسامنا عن طريق المأكولات البحرية ( تلوث البحر في الدول الفقيرة حيث تتناولها الأسماك)، والمياه (تلوث المياه أو تخزين المياه في مستوعبات بلاستيكية غير مواتية تؤدي إلى عملية تفكك البلاستيك)، أو الهواء الملوث (من المصانع والمعامل). وأحياناً، يدخل الميكروبلاستيك في منتجات التجميل، لأنه يستخدم في تصنيع سلع مثل معجون الأسنان وكريمات البشرة. وتحمله الأخيرة إلى الجسم عن طريق الجلد".

وما زالت التأثيرات طويلة الأمد للجزيئات البلاستيكية الدقيقة على صحة الإنسان غير معروفة إلى حدّ كبير. ثمة دراسات ربطت هذه الجزيئات بمجموعة واسعة من الأمراض. ويحتاج الأمر إلى مزيد من الدراسات لتقصّي التأثيرات المحدّدة للميكروبلاستيك على الاضطرابات الصحية المختلفة.

في المقابل، لم تُلحظ تغيّرات واضحة في السلوكيات الشخصية المتعلقة باستهلاك البلاستيك، بالرغم من تكاثر المعلومات عن تأثيراته السلبية. وفي منطقتنا، ينتج كلّ شخص نحو 6 كيلوغرامات من النفايات البلاستيكية سنوياً. ويعدّ البحر الأبيض المتوسط أحد المناطق الأكثر تلوثاً بالنفايات البلاستيكية في العالم. ويشار إلى أن إعادة التدوير لا تشمل سوى 10% من النفايات البلاستيكية، في حين ينتهي ما لا يقلّ عن 14 مليون طن في المحيطات كلّ عام.

 

الحدّ من استهلاك البلاستيك؟

يؤكّد حسن أن "الخطوة الأولى تبدأ بالاستغناء عن أكياس البلاستيك واستبدالها بأكياس من القماش أو الورق، وباستخدام الزجاج بدل البلاستيك، وشراء ملابس لا تحتوي على النايلون وغيره". يلي ذلك خطوات تشمل زيادة التوعية، وحملات تنظيف الشواطىء من البلاستيك.

يشير حسن إلى أن سلوكيات الإنسان أساسية في الحدّ من مخاطر التعرض للميكروبلاستيك. مثلاً، منعت المغرب استخدام أكياس البلاستيك منذ العام 2016، وحظرتها تونس في العام 2020 ولجأت إلى استخدام الأكياس التي تتحلل بنفسها أو أكياس القماش والورق.

كذلك تُشجع مصر على إعادة التدوير في الصناعات الغذائية. وفي لبنان، قرّرت بلديتا جبيل وبيروت في العام 2019 استبدال أكياس النايلون بأخرى قماشية أو صديقة للبيئة، ولم يُطبَّق ذلك. يذكر أن لبنان ينتج نحو 28 ألف طن من البلاستيك سنوياً. وأطلقت وزارة البيئة في العام 2019 حملة للحدّ استهلاك البلاستيك.

اتفاقية أولى من نوعها

في نيسان 2024، توصلت مفاوضات قادتها الأمم المتحدة في كندا إلى ضرورة وضع اتفاقية عالمية هي الأولى من نوعها للتعامل مع مشكلة التلوث بالبلاستيك. وينتظر استئناف التفاوض في خريف السنة الجارية، ثمّ انتقاله إلى كوريا الجنوبية.

بحسب تقرير للأمم المتحدة تمثل العناصر البلاستيكية التي تُستخدم لمرة واحدة نحو 89 في المئة من النفايات البلاستيكية في قاع المحيطات، علماً بأنه من المتوقع أن تتضاعف الكميات الحالية ثلاث مرات بحلول 2050.

هل تتوافق الجهود الدولية والسلوكيات الاجتماعية والفردية مع فداحة الإشكالية البيئية للبلاستيك؟

اقرأ في النهار Premium