بالاستعادة، صُنِعَتْ أدوية "أوزمبيك" و"منجارو" و"ويغوفي" وغيرها من العلاجات المستندة إلى مادة "سيماغلوتايد"، كعلاجات للسكري بالأصل. وحازت موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية على هذا الأساس.
وسرعان ما تحوّلت إلى أحد الحلول "السحرية"، كما يصفها البعض، لإنقاص الوزن. بدا وكأن النتائج الواعدة التي حققتها في هذا المجال جعلتها تتربّع على عرش الوسائل العلاجية لخفض الوزن.
وعلى الرغم من ذلك، بقي الجدال حولها مستمراً بين مدافعين عنها ومشيدين بفاعليتها لإنقاص الوزن، ومهاجمين لها، نظراً لآثار جانبية معينة ظهرت ولا يمكن الاستهانة بها. وأدّى ذلك إلى استمرار التساؤلات والشكوك بشأنها، خصوصاً في ظل طرح جديد بات متداولاً بشأن تناولها على المدى الطويل كعلاج لمرض السمنة التي تُعتبر من الأمراض المزمنة، تماماً كالسكري وأمراض القلب التي تتطلّب اتباع علاجات لمدى الحياة.
فاعلية عالية ولكن...
نظراً للفاعلية العالية التي ظهرت لعلاجات سيماغلوتايد في مواجهة السكري أولاً، ثم في إنقاص الوزن، فقد حققت رواجاً على صعيد عالمي. وما يبدو مثيراً للقلق أنه غالباً ما يتمّ التغاضي عن الآثار الجانبية المحتملة لها، مع التركيز على فاعليتها. وقد دفع ذلك كثيرين في مختلف أنحاء العالم إلى تناولها بطريقة عشوائية، وحتى من دون استشارة طبيب، على الرغم من أن هذه العلاجات تُعتبر مكلفة وبعضها بمئات الدولارات شهرياً.
وبلغ الأمر أنها باتت من العلاجات التي قد يلجأ إليها كثيرون للتخلّص من كيلوغرامين أو 3 لا أكثر، بدلاً من اللجوء إلى الوسائل التقليدية لخفض الوزن.
في الواقع، لا تُعتبر حقن أوزمبيك مثلاً آمنة للحوامل والمرضعات ولمن هم دون عمر 18 سنة، ولمن لديه تاريخ لنوع معين من سرطان الغدة الدرقية في عائلته، كون العلاج يزيد هذا الخطر، ولو كان نادراً. ويجب ألّا يلجأ إلى هذه العلاجات من سبق أن تعرّض لحالة التهاب حاد في البنكرياس pancreatitis أو يُعتبر عرضة لها.
لذلك، يشدّد رئيس قسم أمراض الغدد الصم والسكري في المركز الطبي للجامعة اللبنانية الأميركية - مستشفى رزق الدكتور كمال حربلي، على ضرورة إجراء عدد من الفحوص قبل اللجوء إلى أي من هذه العلاجات، نظراً لاحتمال الإصابة بمشكلات صحية معينة في حال تناولها، ويبدو الالتهاب الحاد في الكبد ونوع معين من سرطان الغدة الدرقية الأبرز بين هذه المشكلات التي يمكن التعرّض لها. لذلك، قبل اللجوء إليها، لا بدّ من التأكّد مما إذا كان المريض قد تعرّض سابقاً إلى التهاب في البنكرياس، لأنّ ذلك يشكّل عائقاً ويمنع اتباع هذا العلاج.
ويضاف إلى ذلك فحوص الكبد التي تُعتبر ضرورية قبل اتباع هذه العلاجات أو أي علاج آخر.
أيضاً، من يلجأ إلى هذه العلاجات عليه أن يدرك أن اضطرابات الجهاز الهضمي تُعتبر الأكثر شيوعاً بين الآثار الجانبية الناتجة منها وأبرزها:
- الغثيان
- التقيؤ
- إحساس بمذاق مزعج في الفم
- الإسهال.
لكن، يمكن الحدّ من هذه الآثار الجانبية عبر اتباع نظام غذائي معيّن، والحدّ من تناول الدهون. كما أن تناولها وفق بروتوكول معيّن يقضي بالانتقال تدريجاً من جرعة إلى أخرى شهرياً، من العناصر التي تساعد في الحدّ من الآثار الجانبية.
ويفضّل حربلي عدم تخطّي جرعة معينة تجنّباً للآثار الجانبية الزائدة التي يمكن أن يتعرّض لها المريض، ما دام يستفيد، وإن كانت الدراسات تسمح بذلك. في المقابل، لا أساس لكل ما يصدر من أخبار تدين هذه العلاجات، على حدّ قوله. إذ يشير إلى أن الآثار الجانبية معروفة وثمة أشخاص قد يعانون حساسية معينة وتكون ردود الفعل قوية على العلاج ولو بجرعات خفيفة منه، وهي استثناءات.
وكذلك تجدر الإشارة إلى أن البحث المستمر في هذا المجال سمح بتطويرها بوتيرة سريعة، ما أدّى إلى ظهور دواء "مونجارو" الذي يُعتبر أحد أحدث العلاجات وأكثرها فاعلية في مواجهة السكري وإنقاص الوزن. وطبياً، توصف الأدوية المستندة إلى "سيماغلوتايد" لمرضى السكري ممن يعانون زيادة في الوزن، علماً أن نسبة 80 في المئة من مرضى السكري تعاني زيادة في الوزن.
وتظهر فاعلية تلك الأدوية خاصةً لدى من هم عرضة لمشكلات القلب.
علاج دائم لمرض مزمن
من المشكلات التي يواجهها معظم من يلجأون إلى هذه الحقن المخفضة للوزن أنهم يستعيدون الكيلوغرامات الزائدة التي تمّ التخلص منها بمجرد وقف العلاج، فتنتفي النتيجة التي تمّ التوصل إليها وتعود زيادة الوزن مع كل ما يرافقها من مخاطر.
وبالفعل، لم يتمكن الأطباء حتى اليوم من مواجهة ذلك الواقع. وبالتالي، ما جدوى اللجوء إليها لفترة محدودة إذا كان من الممكن التوصل إلى نتيجة مشابهة عبر اتباع حمية صارمة أو اللجوء إلى وسائل أخرى تقليدية؟
في الواقع، يميل حربلي إلى البدء باعتماد العلاج للمدى البعيد، لاعتبار أن هدفه معالجة السمنة التي تُعتبر من الأمراض المزمنة تماماً كالسكري وأمراض القلب والكوليسترول، التي توصف لها علاجات بعيدة المدى.
ولا يرى مانعاً من الاعتماد على هذه العلاجات للمدى البعيد، خصوصاً بعدما أصبح علاج "أوزمبيك" متوافراً منذ فترة بشكل عقاقير، بحيث يمكن تناول حبة منها بدلاً من الحقنة، ما يجعلها عملية أكثر. حتى أنه جرى تصغير حجم هذه الحبة مؤخّراً.
وحالياً، توصف هذه العلاجات لفترات تتخطّى السنة ولا موانع تحول دون ذلك، شرط إشراف الطبيب. لذلك، بدأ حربلي باعتماد هذه الطريقة مع بعض من مرضاه اعتماداً محدوداً. فأياً كانت وسيلة خفض الوزن، من الطبيعي استعادته، وتقتصر النسبة التي تحافظ على النتيجة على 5 في المئة بعد وقف العلاج.
تجدر الإشارة إلى أن أثر الحبوب قد يكون أقل إلى حدّ ما من الحقن، لكن الآثار الجانبية تكون أقل أيضاً. كما يساعد العلاج في تجنّب استعادة زيادة الوزن، مع الاستمرار في الحصول على أثر إيجابي مثبت على السكري مشابه لذاك الذي يمكن الحصول عليه بالحقن. لذلك، يمكن الانتقال إلى الأدوية الفموية، لمن بلغ وزناً معيناً بأي وسيلة كانت.
وحتى الآن، لم تنل الأدوية التي تؤخذ من طريق الفم، بالنسبة إلى هذه العلاجات، موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية للاستخدام في الحالات التي تعاني السمنة وحدها من دون الإصابة بالسكري.
فاعلية واضحة في الاستخدام المطوّل
أكّد الطبيب الاختصاصي في أمراض الغدد الصم والسكري في "مركز بلفو الطبي" الدكتور جورج الحج، أن هذه الأدوية مستخدمة منذ أكثر من 10 سنوات. وقد استُخدمت أولاً مرّة في اليوم ثم مرّة في الأسبوع. ثم تطاولت الخبرة بها، وتمّ التأكّد من فاعليتها في ضبط مستويات السكر وفي خفض الوزن وحماية القلب والكلى لمرضى السكري.
وبالفعل، ثمة اتجاه نحو استخدام هذه العلاجات للمدى البعيد في معالجة السمنة كمرض مزمن له تداعيات صحية عديدة. ويتوقع الحج أن يأتي الوقت الذي توصف فيه هذه العلاجات لمدى الحياة لضبط الوزن. فحالياً تركّز الدراسات والأبحاث على أن يكون علاج السمنة بعيد المدى كمرض مزمن، تماماً كعلاجات السكري والضغط والكوليسترول، التي لا يمكن وقفها في أي وقت من الأوقات.
وحتى اللحظة، يُنصح كل من يلجأ إلى هذه العلاجات باعتمادها لفترة طويلة غير محدّدة، وقد تختلف بين حالة وأخرى. لكن لا ينصح الحج باعتمادها لفترة تقلّ عن سنة، كي يعتاد الجسم على نمط الحياة الصحيح وبالتالي ينخفض خطر زيادة الوزن.
وفي كل الحالات المطلوب إحداث تغييرات معينة في نمط الحياة للاستفادة الأفضل من العلاج، خصوصاً أنه من الممكن أن تخف قدرة الدواء على خفض الوزن بعد فترة معينة، ويُعتبر نمط الحياة في غاية الأهمية للمساهمة في خفض الوزن أكثر.
وكذلك، تدعو الدراسات الحديثة إلى وقف العلاج تدريجاً للحدّ من خطر استعادة الوزن، بسبب العودة إلى نمط الحياة السابقة واستعادة الشهية. ولأن هذه من المشكلات التي يواجهها من يلجأ إلى هذه العلاجات، يُعتبر الوقف التدريجي للعلاج من الحلول التي تساعد في تجنّبها. أما الآثار الجانبية الأكثر شيوعاً المرتبطة بالجهاز الهضمي من غثيان وتقيؤ، فمن المفترض أن تخف مع الوقت، بحسب الحج، فيما يعتاد الجسم على العلاج.
ومن الآثار الجانبية التي يشير الحج إليها، هنالك الكسل في وظيفة الأمعاء، وصولاً إلى حالات قصوى سُجِّل فيها فشل الأمعاء بسبب العلاج. ويندرج الأخير ضمن الآثار الجانبية التي ظهرت مؤخّراً في ظل كثرة استخدام هذه العلاجات، لكنه يبقى نادراً، ولا تتخطّى نسبته 0,1 في المئة. في المقابل، يشار إلى أن العلاج بأدوية "سيماغلوتايد" يعتمد أصلاً على إبطاء هذه الوظيفة لتأمين الشعور بالامتلاء والحدّ من الأكل لمن يعتمدها. كما يُنصح حالياً بوقف العلاج قبل أسبوع من الخضوع إلى جراحة، ولكن هنالك جدالاً بشأن هذه المسألة.
واستكمالاً، هنالك أشخاص لا يتجاوبون مع العلاج، وقد لا يتمكنون من خفض أوزانهم بالفعل. لكن في كل الحالات، يحذّر الحج من تناول الدواء بطريقة عشوائية، كما يحصل حالياً، لأن ثمة توصيات حول طرق استخدامه، توصي بضرورة تخطّي مؤشر كتلة الجسم الـ30 أو 27 في الأقل، كي يُصار إلى إعطاء تلك الأدوية في الحالات التي تعاني مشكلات صحية يمكن أن تؤثر على القلب. ومن المفترض أن تجرى أولاً فحوص معينة، وكذلك التعرّف بدقّة تامة للسجل الصحي للمريض، بهدف الحدّ من خطر تعرّضه لآثار جانبية خطيرة بعد اللجوء إلى العلاج.