مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية، يصعب التغاضي عن الخلافات بين المتنافسَين عليها، الرئيس السابق دونالد ترمب والرئيس الحالي جو بايدن، حول سياسة الرعاية الصحية التي سجلت حضوراً بارزاً في المناظرة الأولى بينهما.
ويؤثر عن بايدن تضمينه "قانون خفض التضخم" بنوداً تهدف إلى خفض إنفاق الأدوية المتضمنة في وصفات طبية للمرضى المشمولين بنظام "ميديكير" Medicare الفيدرالي للتأمين الصحي، إضافة إلى قانون "الرعاية الصحية بأسعار معقولة". ويغطي نظام "ميديكير" الحكومي من هم فوق 65 عاماً، وكذلك من يعانون أنواعاً معينة من الإعاقات حتى قبل ذلك العمر.
ومع ذلك، تعثّر بايدن في شرح نقطتيّن تحظيان بشعبية في حملته الانتخابية، أي حماية حقوق الإجهاض، وخفض تكاليف أدوية "ميديكير"، بما في ذلك سعر الأنسولين.
في المقابل، صرح ترامب أنه لا يترشح لإلغاء قانون "الرعاية الصحية بأسعار معقولة"، وبيَّن إنه يسعى إلى تحسين التشريع وخفض التكاليف. وقد ابتعد أخيراً عن تأييد حظر الإجهاض على المستوى الفيدرالي، مفضلاً ترك ذلك الأمر "للولايات كي تفعل الشيء الصحيح".
أزمة خفية تتهدد صحة الأميركيين
بصورة عامة، تواجه الولايات المتحدة أزمة في تكلفة الرعاية الصحية، لكن ذلك غاب تماماً عن المناظرة الرئاسية، وفق ما أشار إليه لورانس غوستين، مدير "معهد أونيل للقانون الصحي الوطني والعالمي" في "جامعة جورجتاون".
ويضيف غوستين أن "الناس في الولايات المتحدة يدفعون تقريبًا ضعفي ما تدفعه أي دولة أخرى على وجه الأرض للرعاية الصحية، ومع ذلك فإن النتائج الصحية في البلاد أدنى من معظم الدول المشابهة لها".
وفي السياق نفسه، وجد استطلاع أجرته في فبراير (شباط) 2024، مجموعة "كي أف أف" KFF المتخصصة في قضايا السياسة الصحية، أن الفواتير الطبية غير المتوقعة وتكاليف الرعاية الصحية تتصدر قائمة المخاوف المالية للأميركيين. وأورد نحو ثلاثة أرباع الجمهور إنهم قلقون على الأقل بشكل جزئي بشأن قدرتهم على تحمل الفواتير الطبية غير المتوقعة أو تكاليف الرعاية الصحية لهم ولأسرهم، وفق ما نشر موقع "إن بي سي نيوز".
كذلك، وفق تقرير نشرته "كي أف أف" نفسها، من المتوقع أن يصل إجمالي الإنفاق الوطني على الرعاية الصحية، بما في ذلك الأطباء وخدمات المستشفيات وتكاليف الأدوية، إلى قرابة 4.9 تريليونات دولار في العام الجاري.
وانطلاقاً من هذه الصورة العامة، سنسلط الضوء على أبرز مواقف المرشحين والمواضيع الخلافية في القضايا الصحية وما كشفته المناظرة الأخيرة.
1- الإجهاض
في 24 حزيران (يونيو) 2022، ألغت المحكمة العليا الأميركية الحكم التاريخي الذي يحمي حق النساء في الإجهاض في قضية "رو ضد وايد" التي رفُعت عام 1973، وسط ترحيب من الجمهوريين ومعارضة واسعة من الديمقراطيين ومنظمات حقوقية.
وسعى بايدن إلى جعل الإجهاض قضية حاسمة في سباق 2024 التي أثّرت في انتخابات الكونغرس للعام 2022. واستطراداً، أدى ذلك أيضاً إلى تراجع ترامب عن تأييد فرض حظر وطني على الإجهاض، وأيد ترك الأمر للسلطات التشريعية في الولايات.
كذلك اختلف ترامب وبايدن أيضًا في سجلاتهما بشأن سياسة "مكسيكو سيتي"، التي تمنع تقديم المساعدات الأميركية الخارجية إلى المنظمات غير الحكومية في الخارج التي تقدم خدمات متعلقة بالإجهاض.
واستكمالاً، يشير موقع "ثنك غلوبال هيلث" Think Global Health إلى ما أورده ترامب بأن حكم قضية "رو ضد وايد" يسمح بالإجهاض في وقت متأخر "في الشهر التاسع وحتى بعد الولادة" في الولايات التي يديرها الديمقراطيون. وقد دققت وسائل إعلامية عدة في هذا الزعم، وتبين كذبه. وتبيّن أيضاً أنه لا توجد قوانين في تلك الولايات تسمح بالقتل بعد الولادة. وتشير إحصاءات موثوقة إلى أن أقل من 1% من حالات الإجهاض في الولايات المتحدة تحدث بعد مرور 21 أسبوعاً من الحمل.
ردًا على ذلك، دافع بايدن عن حكم قضية "رو ضد وايد" مشيراً إلى تأييد "الغالبية العظمى" من علماء القانون له. وانتقد الولايات التي تفرض حظر الإجهاض خلال الأسابيع الستة من الحمل، محذراً من تجريم النساء اللواتي يسافرن من ولاية إلى أخرى لإجراء الإجهاض.
2- كلفة الأدوية
أظهر استطلاع أجرته مؤسسة "كيه أف أف" في أيار (مايو) 2024، أن الناخبين المستقلين يثقون ببايدن أكثر من ترامب حينما يتعلق الأمر بمجالات الرعاية الصحية، فيما لا يثق معظمهم بالمرشحين كليهما في مسألة تكاليف الأدوية.
وقد وجد موقع Think Global Health أن كلا المرشحين تبنى خفض أسعار الأدوية للأميركيين. وخلال رئاسته، سجل ترامب أنه أول إدارة تسمح باستيراد الدولة لأدوية معينة من كندا لخفض تكاليف الأدوية.
في المقابل، ركَّز بايدن على إنجازاته في أسعار الأدوية بموجب قانون خفض التضخم، بما في ذلك تحديد سقف تكاليف الإنسولين والسماح لـ"ميديكير" بالتفاوض على أسعار بعض الأدوية اعتبارًا من عام 2026.
3- الرعاية الصحية
عادت محاولات ترامب لإلغاء "قانون الرعاية الصحية بأسعار معقولة"، المعروف أيضًا باسم "أوباماكير"، إلى الظهور مرة أخرى. وقد تهكًّمَت حملة بايدن على ترامب إذ وصفته بأنه "يأتي للحصول على الرعاية الصحية"، في إشارة إلى أن من يستفيدون من برنامج "ميديكيد" Medicaid للتأمين الصحي هم الأشخاص الأقل دخلاً، ويقدر عددهم بقرابة الـ 100 مليون مواطن. ويشار إلى أن "ميديكيد" برنامج تتشارك فيه الحكومة الفيدرالية مع سلطات الولايات.
يؤيد غالبية الأميركيين بنسبة 60 في المئة وفق استطلاع KFF "قانون الرعاية الصحية بأسعار معقولة"، لكنهم يختلفون على مستقبله.
في مناقشة أكثر جدية حول "ميديكير" والبرامج المشابهة له، تبادل المرشحان تهمة تهديد مستقبل تلك البرامج. إذ يريد ترامب إلغاء "أوباما كير" لكنه يعلن أنه يسعى لتحسين هذا القانون أو استبداله، لكنه لا يشرح خطته في هذا الصدد.
ويسعى بايدن إلى حماية "أوباما كير" وتوسيعه، وكذلك تخفيض سن من يستحقون الرعاية الطبية، وإعطاء كل الأميركيين خيار الانخراط في خطة ضمان صحي عامة.
4- البنية التحتية للصحة العامة
وعد بايدن بزيادة التمويل للبنية التحتية للصحة العامة، وتعزيز قدرات "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" (CDC) والاستعداد للأوبئة المستقبلية. في المقابل، ركز ترامب على تحسين بعض جوانب النظام الصحي من خلال أوامر تنفيذية وقرارات فيدرالية.