في مقابلة أجريت أخيرًا مع الرئيس جو بايدن، أشار إلى أن أداءه الضعيف في المناظرة الأخيرة كان نتيجة للإرهاق وليس دليلاً على مشكلة صحية خطيرة.
أكد بايدن أن الأطباء يرافقونه في كلّ مكان، وأنهم لم يوصوا بإجراء اختبارات عصبية أو عقلية إضافية، بل أكدوا أن حالته الصحية جيدة. هذا التصريح جاء ردًا على استفسارات حول حالته العقلية بعد أدائه في المناظرة، حين قال: "لديّ أطباء من أفضل الأطباء في العالم يرافقونني في كل مكان. لديهم تقييم مستمرّ لما أقوم به، ولم يترددوا في إخباري إذا كانوا يعتقدون أن هناك شيئًا آخر غير طبيعي".
رغم تأكيدات الرئيس، دعا الدكتور سانجاي جوبتا، كبير المراسلين الطبيين في شبكة CNN، إلى إجراء اختبارات عصبية شاملة ونشر النتائج علنًا. وكتب جوبتا في تحليل نُشر يوم الجمعة: "مثل هذه الفحوصات يمكن أن تساعد في تحديد ما إذا كانت الأعراض التي ظهرت نتيجة للإرهاق أو كان هناك مشكلات أكثر جديّة".
وأكد جوبتا أن إجراء اختبارات عصبية مفصّلة يمكن أن يوفر المزيد من الإجابات، بما في ذلك استبعاد مشاكل محتملة. تقييم الصحة العقلية لا يعتمد على اختبار واحد، بل يتطلب مجموعة من الفحوصات الشاملة. تبدأ هذه الفحوصات عادةً باستبيانات قصيرة، ثم تتوسع لتشمل الفحوصات البدنية، وتحاليل الدم، وصور الدماغ، والمقابلات الطويلة مع الفرد وأفراد عائلته وأصدقائه.
توضح الدراسات بأن التدهور المعرفيّ البسيط يمكن أن يبدأ في سن الـ27، حتى بالنسبة إلى الأشخاص الأصحاء والمثقّفين. قد تتأثر قدرات الشخص على التفكير وحلّ المشكلات والحفاظ على استمرارية المحادثة مع التقدّم بالعمر، ولكن ليس بالضرورة أن يؤثر ذلك على الأداء الوظيفي الطبيعي.
الدكتور تشاران رانغاناث، أستاذ علم النفس وعلم الأعصاب ومدير مختبر الذاكرة الديناميكية في جامعة كاليفورنيا، ديفيس، أوضح بأن "القدرة على تذكّر الحقائق - وهي مهارة أساسية للرئيس - لا تختفي مع التقدّم في العمر، ولكنها قد تصبح أبطأ في الاسترجاع".
وأضاف رانغاناث: "القدرات المعرفية مثل التذكّر والاستدلال والمشاركة الاجتماعية والانتباه والتوجّه والاستقرار العاطفي والحكم تتأثر مع التقدّم بالعمر بطرق مختلفة. بعضها يتدهور، في حين أن البعض الآخر قد يتحسّن".
في السياق نفسه، شرح الدكتور جون رو، أستاذ سياسات الصحة والشيخوخة في جامعة كولومبيا، بأن "التدهور المعرفي - فقدان الذاكرة والقدرات العقلية الأخرى التي تؤثر على الحياة اليومية - يختلف عن التقدم الطبيعيّ بالعمر، ولا يعتبر حتميًا. يحدث مع 12 إلى 18 في المئة من الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 65 عامًا، ويزداد انتشاره مع تقدم العمر".
ولفت رو إلى أنه بحلول سن الـ80، قد يعاني أكثر من 25 في المئة من الأشخاص من تدهور معرفيّ طفيف، وقد يبدؤون بفقدان الأشياء أو تفويت المواعيد، وهو ما يمكن اعتباره تأثيرًا على الأداء الوظيفيّ.
لاكتشاف التدهور المعرفي، يبدأ الأطباء عادةً باختبارات مثل اختبار الحالة العقلية المصغرة (MMSE) أو تقييم مونتريال المعرفي (MoCA). يختبر فحص MMSE الذاكرةَ القصيرة، الانتباه، القدرة على الحساب، والتوجّه. أما MoCA، فيختبر وظائف تنفيذيّة أكثر تعقيدًا مثل التذكّر، التفكير المفاهيمي، والقدرة على تنفيذ المهام المعقدة، مع الإشارة إلى أن MoCA يعتبر أكثر دقةً في الكشف عن التدهور المعرفيّ الطفيف.
إذا اشتبه الأطباء أو أفراد العائلة بوجود مشاكل معرفية أكثر جدية، يمكن أن يُحال الشخص إلى اختصاصيين في الأعصاب والنفس لإجراء فحوصات أكثر تفصيلًا. تتضمن هذه الفحوصات تقييم الصحة العصبية والمعرفية، بما في ذلك كيفية تعلم الشخص وتفكيره وتذكّره. قد تشمل الفحوصات أيضًا تحاليل الدم أو صور الدماغ لفهم ما يحدث في الدماغ.
الدكتور إميلي روجالسكي، أستاذة علم الأعصاب التي تدير مركز أبحاث الشيخوخة الصحية ومرض الألزهايمر في جامعة شيكاغو، أوضحت بأن "جزءًا من هذه التقييمات يتضمّن النظر في الصحة العامة للفرد، من الصحة العصبية إلى الصحة العقلية".
تشمل الفحوصات المتقدمة أيضًا التحدث مع أفراد الأسرة أو الأصدقاء المقربين لتقديم تقارير عن أيّ تغييرات كبيرة في أداء الفرد اليومي. الدكتور براد ديكرسون، أستاذ علم الأعصاب في كلية الطب بجامعة هارفارد والاختصاصي في الأعصاب في مستشفى ماساتشوستس العام، قال إنه "عندما تحاول معرفة سبب تغيّر الأداء المعرفي للفرد، يجب أخذ كلّ هذه العوامل بالاعتبار" .
كذلك ينصح الخبراء بإجراء فحوصات دورية، خاصة للأفراد في مناصب حسّاسة، مثل الرؤساء والقضاة وطياري الطائرات، لتحديد أي تدهور مبكر في الأداء العقليّ ومعالجته بشكل فوريّ.
وفي هذا الصدد، أكّد الدكتور رو، الذي شغل منصب رئيس مجلس إدارة والرئيس التنفيذي لشركة التأمين Aetna، ورئيس ومدير مستشفى Mount Sinai NYU Health، أن الفحوصات يجب أن تكون افتراضية للأشخاص في هذه المناصب لضمان الكفاءة العالية. وأكّد رو أنه يجب عدم التركيز كثيرًا على نتائج الاختبارات: "إذا كان أحد المرشّحين قد حصل على درجة أعلى من الآخرين، فهذا لا يعني بالضرورة أنه أكثر كفاءة لتولّي منصب الرئيس" .
كما يؤكد الأطباء أن الفحص الشامل يمكن أن يكون مفيدًا حتى للأشخاص الذين يشتبهون بوجود تدهور معرفيّ طفيف. وجود تقييم أساسي يساعد في مقارنة النتائج المستقبلية وتحديد أيّ تدهور هو المحتمل. إذا جرى اكتشاف مشاكل مبكرة مثل مرض الألزهايمر، يمكن للتدخل المبكر أن يساعد في إبطاء تقدّم المرض. يمكن أن تؤدي التغيّرات في نمط الحياة أو علاج المشاكل الصحية الأخرى، مثل اضطرابات النوم أو تداخل الأدوية، إلى تحسين الأعراض وتقليل تأثيرها على الحياة اليومية.
باختصار، يمكن أن يضمن تقييم الصحة العقلية بشكل منتظم بقاء الأشخاص في المناصب الحيوية بكفاءة عالية، وأن يساعد في توفير العلاجات المناسبة في الوقت المناسب. يجب على الرئيس بايدن، وغيره من القادة، النظر في إجراء هذه الفحوصات لضمان استمرارية الأداء العالي والقدرة على اتخاذ قرارات مستنيرة تصبّ في مصلحة البلاد.