هل فكرت يوماً بهذا السؤال؟ لطالما طُرحت هذه الفكرة في مجال العلم والصحة، وكُتب الكثير من الدراسات والمقالات حول كيفية الحفاظ على صحة الجسم وإبطاء تقدمه، لكن ماذا عن الدماغ، هذا العضو الرئيسي والمهم الذي يتحكم بكل تحركاتنا وانفعالاتنا؟
بات معروفاً أن اتباع أنماط حياة صحية يساعد في الحفاظ على الصحة لفترة أطول. لكن ما يبحث فيه العلماء اليوم كيف يمكن للتكنولوجيا الجديدة أن تساعد في إبطاء عملية الشيخوخة في أدمغتنا، هل يمكن حقاً فعل ذلك؟
التجربة الأميركية
قد تكون مدينة لوما ليندا واحدة من المناطق السعيدة والصحية حيث يعيش فيها الناس عمراً أطول. والأمر بسيط، فسكانها لا يحتسون الكحول أو الكافيين ويتناولون أطعمة نباتية أو أنظمة غذائية تعتمد على الخضراوات. ومن منطلق ديني، يعتبرون أنه يجب الاعتناء بأجسادهم بأفضل طريقة ممكنة.
هذه هي "رسالتهم الصحية"، كما يسمونها، وقد وضعتهم على الخريطة. فقد كانت المدينة موضوع بحث لسنوات عدة لدراسة الأسباب التي تجعل سكانها يعيشون بشكل أفضل ولفترة أطول.
باختصار، ليس هناك سر عظيم في هذه المدينة. كل ما في الأمر أن مواطنيها يعيشون حياة صحية ويحافظون على تحفيزهم الذهني. إذ يتجاهل البعض أهمية التواصل الاجتماعي لعقولهم لأنه من دون ذلك التواصل، قد تضمحل قدرات الدماغ كثيراً.
وتأكيداً على هذه النظرية، لقد اعترف العلم منذ سنوات بفوائد التفاعلات الاجتماعية وتجنب الوحدة. يعتقد الخبراء أن الشعور بالوحدة قد ظهر كنوع متميّز من إشارات التوتر بهدف تحفيزنا على البحث عن الرفقة.
لسنوات عدة، ربط العلماء بين الوحدة ومرض ألزهايمر وأنواع أخرى من الخرف، في حين أشارت دراسة حديثة نُشرت في أواخر العام الماضي إلى أن الوحدة ترتبط أيضاً بمرض باركنسون.
مع انتقالنا نحو نماذج رعاية صحية أكثر تخصيصًا وتنبؤًا ووقائية، سيكون التشخيص المبكر أمرًا بالغ الأهمية في جميع مجالات الصحة، وذلك بفضل دعم من الإمكانيات الهائلة للذكاء الاصطاعي والبيانات الضخمة. وعليه، أصبح بالإمكان اليوم تحديد الأشخاص الذين تتقدم أدمغتهم في العمر أسرع مما ينبغي، وبالتالي بات من المستطاع علاجهم بشكل أفضل وبطريقة وقائية.
نماذج الكومبيوتر تتحرى مسار شيخوخة الدماغ
وفق موقع "بي بي سي"، يورد الأستاذ المشارك في علم الشيخوخة وعلم الأحياء الحسابي في جامعة جنوب كاليفورنيا أندري إيريميا إن "هنالك نماذج حاسوبية تقيّم كيفية تقدم أدمغتنا في العمر وتتنبأ بتدهورها".
وقد عمل إيريميا على تلك النماذج مستخدماً فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي وبيانات من 15,000 دماغ. وتكمن قوة الذكاء الاصطناعي في فهم مسار الأدمغة التي تتقدم في العمر بشكل صحي وتلك التي يوجد بها عملية مرضية، مثل الخرف.
برأي إيريميا، "أنها طريقة متطورة للغاية للنظر إلى الأنماط التي لا نعرف عنها بالضرورة كبشر، ولكن خوارزمية الذكاء الاصطناعي قادرة على التقاطها".
وفي السياق ذاته، بدأت الشركات الخاصة في تسويق هذه التكنولوجيا، تقدم إحداها وهي شركة "برين كي" Brainkey هذه الخدمة في مجموعة متنوعة من العيادات حول العالم. وكذلك ذكرت "بي بي سي" أن مؤسس Brainkey أوين فيليبس، أكد أن "الحصول على التصوير بالرنين المغناطيسي سيصبح أسهل في المستقبل".
لن أناقش التفاصيل التقنية، لكن يجب الاعتراف أن التكنولوجيا وصلت إلى نقطة مهمة أتاحت للباحثين والأطباء في رؤية الأشياء في وقت أبكر بكثير مما كنا نستطيع في الماضي. وبات بإمكان فهم ما يحدث بالضبط في دماغ المريض من خلال مساعدة الذكاء الاصطناعي.
حتى العام 1960، كان الباحثون يعتقدون أن التغيرات في الدماغ يمكن أن تحدث فقط خلال فترة الطفولة، في حين أن التركيب الفيزيائي للدماغ يكون شبه دائم في مرحلة البلوغ المبكرة.
في كتابه الصادر عام 2007، بعنوان "الدماغ الذي يغير نفسه: قصص عن الانتصار الشخصي من حدود علم الدماغ"، تناول الطبيب والمحلل النفسي نورمان دويدج النظريات التي تتحدث عن عجز الدماغ في التغيير والمصادر الرئيسية المسؤولة عن هذا الاعتقاد.
لم يكن دويدج وحده من رأى أن الدماغ يمكن أن يتغير، إذ أكد عالم النفس ويليان جيمس أن الدماغ ليس ثابتاً كما كان يُعتقد سابقاً، ومع ذلك، جرى تجاهل هذه الفكرة لسنوات عدة.
ما الذي يمنع تدهور أدمغتنا بسرعة؟
بما أننا نشهد زيادة في متوسط العمر المتوقع، أصبح متوقعاً وبديهياً أن تظهر مجموعة من الأمراض المرتبطة بالعمر. ويبادر إلى أذهاننا السؤال الأبرز في حال عشنا جميعنا فترة كافية، هل ذلك يعني إصابتنا بالخرف؟
نعود بطريقة أو بأخرى إلى النقطة نفسها. إذ يشدد الأطباء والعلماء على أن أسلوب الحياة هو المفتاح. ويعتبر النظام الغذائي الجيد بالإضافة إلى النشاط العقلي والمشاعر الايجابية، ركائز أساسية في كيفية تقدم أدمغتنا في السن.
كذلك يجب النظر أيضاً في عامل لا يقل أهمية عن الغذاء والنشاط العقلي ويتمثل بالنوم. ويقول أستاذ علم الأعصاب وعلم النفس في جامعة كاليفورنيا ماثيو ووكر، وهو مؤلف الكتاب الأكثر مبيعاً "لماذا ننام؟" إن النوم هو أكثر الأشياء الفعالة التي يمكن القيام بها يومياً لاعادة ضبط صحة الدماغ والجسم".
عند سماع تلك الكلمات، يُخيل إليك كأنك تتحدث عن غرفة تطهير داخل أدمغتنا التي تعمل أثناء سباتنا عن طريق إزالة بروتينات بيتا أميلويد وتاو- وهما من الأسباب الرئيسية المسؤولة عن الإصابة بمرض ألزهايمر.
ويشير ووكر إلى أن "التغيرات في أنماط النوم ترتبط بمرض الخرف. وبالتالي تحديد هذه التغيرات اصبح ممكناً من خلال تتبع النوم كنموذج وقاية في منتصف العمر".
فهل تساعد التكنولوجيا الحديثة في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء؟ لا شيء مستحيلاً بعد اليوم.