تكثر الأقوال والأفكار الشائعة حول فائدة الاستيقاظ باكراً على جميع المستويات الجسدية والنفسية والذهنية. وفيما شريحة كبيرة من الناس يُصنَّفون من الأشخاص الصباحيين ينجزون المزيد من العمل وعادةً ما يكون ذلك بابتسامة على وجوههم، شريحة كبيرة أخرى هم أشخاص ليليون يعانون من الاستيقاظ صباحاً ولا ينطلق نشاطهم إلّا ليلاً. السؤال: أي شريحة هي الأكثر صحّة؟
الأشخاص الصباحيون هم أشخاص نشيطون في الصباح، يستيقظون وينامون باكراً، وعادة ما يمارسون الرياضة قبل الذهاب إلى العمل وحياتهم الليلية أقل عن سواهم، ساعتهم البيولوجية تجعل من السهل عليهم الالتزام بروتين محدَّد. قد يكونون أقل عرضةً للكآبة من سواهم، فالأمور تجري بأقل توتر وضغط عليهم، ولديهم رفاه أفضل وهم أشخاص يتجهون إلى أهدافهم. في المقابل، الأشخاص الليليون يستيقظون وينامون متأخرين، وعادة يكونون أكثر إبداعاً وفنانين ويحتاجون إلى هدوء الليل ليعملوا، وقد يعانون بشكل بسيط في صحتهم الذهنية.
حوالي 60 في المئة من الناس ليسوا من الأشخاص الصباحيين ولا من الأشخاص الليليين، بل هم مزيج متوسط من الاثنين، بحسب ورقة بحثية بعنوان " Circadian Typology: A Comprehensive Review". والنمط الزمني لا يتعلق فقط بالوقت الذي تذهب فيه إلى النوم وتستيقظ في الصباح، بل يتعلق أيضاً بالوقت الأمثل لأداء وظائفك. عموماً، تميل النساء في كثير من الأحيان إلى أن يكنّ من النمط الزمني الصباحي، بينما الرجال في كثير من الأحيان هم من النمط الزمني المسائي. كذلك، للعمر دور مهم، ففي مرحلة المراهقة، هناك ميل للتحوّل أكثر نحو النمط الزمني الليلي، ومع تقدّم العمر يصبح النمط الزمني الصباحي أكثر شيوعاً.
أمّا بالنسبة لمَن هو أكثر سعادة، فقد أظهرت دراسة " Who is happier among preclinical medical students: the impact of chronotype preference "، وجود علاقة بين كونك شخصاً صباحياً وزيادة سعادتك.
ويُروّج دائماً لفوائد النوم والاستيقاظ باكراً، ويُربط الأشخاص الناجحون بعادات استيقاظهم الباكر.
تيم كوك، رئيس شركة أبل، الشركة المصنعة لجهاز آيفون، يستيقظ بين الساعة الرابعة صباحاً والخامسة صباحاً. وكذلك يفعل بوب إيجر، نظيره في شركة ديزني، عملاق الإعلام. وعلى خطى رواد الأعمال الرائدين في العالم، والرؤساء التنفيذيين في كبريات شركات التكنولوجيا، يتأثر الكثيرون بفكرة النهوض من السرير باكراً صباحاً، ليصبحوا منتجين للغاية.
بحسب العلم، يدخل ضوء الشمس نهاراً إلى عينيك، وينتقل إلى دماغك ويمنع إنتاج الميلاتونين، وهو الهرمون الذي يعزّز النوم. وعندما تغرب الشمس، تعمل ساعة الجسم البيولوجية على إعادة إنتاج الميلاتونين، مما يؤدي إلى النعاس في غضون ساعات قليلة. فإن كنت شخصاً صباحياً، فإنّ إيقاع الساعة البيولوجية الخاص بك يطلق الميلاتونين في وقت أبكر من المعتاد، مما ينشطك لتصبح أكثر نشاطاً في الصباح. ويفرز الشخص الليلي الميلاتونين في وقت لاحق، مما يدفع ذروة النشاط واليقظة إلى وقت لاحق بعد الظهر والمساء.
ما العوامل التي تجعل الأشخاص ليليين أو صباحيين، وأيّ نمط هو الأصح؟
د. بيار بو خليل، رئيس قسم الأمراض الصدرية والعناية المشددة في "المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت" وحائز البورد الأميركي في أمراض النوم.
ضوء الشمس، العامل الجيني، وإفراز الميلاتونين، كلها عوامل تؤثر على عادات النوم والاستيقاظ لدى الأشخاص.
لا يهم إن كان الشخص صباحياً أو ليلياً، يستيقظ باكراً أو متأخراً، لكن الأهم أن يتمكن من الحصول على قسط كافٍ من النوم أي لسبع ساعات، للمحافظة على صحته ونشاطه وإنتاجيته.
نمط الحياة الصباحية هو نمط يتماشى أكثر مع نمط الحياة العصرية، سواء كان الفرد موظفاً أو طالباً في الجامعة أو تلميذاً في مدرسة.
يمكن إعادة برمجة الساعة البيولوجية لتصبح شخصاً صباحياً، لكن مدى نجاحك في تغيير تفضيلات نومك قد يعتمد على جيناتك وقوة إرادتك، إذ يمكن تعديل ذلك بأسلوب حياتك، وبمدى استعدادك للعمل على تغيير السلوكيات التي تؤثر على النوم.
الترويج لربط النجاح بالاستيقاظ باكراً، هو أمر تحفيزي لا علاقة طبّية له بالإنتاجية والصحّة. فإذا أخذ الشخص قسطه الكافي من النوم، يمكنه أن يكون منتجاً جداً في أي وقت من اليوم.
وفيما يفرز الجسم مادة الميلاتونين وهرمونات النموّ ليلاً، قد يشهد بعض الأفراد تأخراً في البيولوجيا الزمنية لديهم، بحيث تفرز الميلاتونين لدى الأشخاص الليليين الذين ينامون متأخرين بعد ثلاث أو أربع ساعات من الأشخاص الصباحيين الذين ينامون باكراً. وفيما الأمر يعود إلى الموروثات الجينية أيضاً، أظهرت الدراسات الحديثة أنه يمكن للتأثير الجيني في هذا الإطار أن يتغير مع الوقت، إذا ما قرّر الشخص تغيير عادات استيقاظه ونومه. بالتالي يمكنه الانتقال من نمط إلى آخر، بدليل أننا إذا ما نظرنا إلى تطوّر الإنسان عندما يكون في عمر صغير، ينام باكراً ويصحو باكراً. ومع بلوغه مرحلة المراهقة، ينام متأخراً ومن الصعب أن يصحو باكراً. وعندما تبدأ مرحلة حياته المهنية، يعود إلى النوم والاستيقاظ باكراً. بالتالي، هذا دليل على قدرة الإنسان على الانتقال من نمط إلى آخر وإن كان الأمر يستغرق وقتاً والتزاماً.
لا يستدعي الانتقال من نمط إلى آخر تناول أدوية معينة، بل يقتصر الأمر على تغيير عادات ونمط الحياة، والالتزام بتوقيت موحَّد للنوم، كلّ بحسب عمله والتزاماته اليومية وما تسمح له به.
وصحيح أنّ الساعة البيولوجية للإنسان مرتبطة بالعامل الوراثي، لكن أيضاً هناك عامل عاداته وضوء الشمس. فمثلاً، إذا ما ذهب أحدنا إلى الولايات المتحدة الأميركية، ففارق الوقت 10 ساعات، ويمكنه التأقلم مع التوقيت الجديد وما يرافقه من استيقاظ ونوم، خلال أسبوع. لذلك، فإنّ الشمس تؤثر على تغيير ساعة النوم، إلى جانب العادات.
عادات تساعدك في تغيير نمط استيقاظك:
- التوقف عن استخدام الألواح الرقمية والهواتف على الأقل نصف ساعة قبل النوم.
- ممارسة الرياضة قبل أربع إلى خمس ساعات من النوم.
- الابتعاد عن الأدوية المنبهة.
- الحرص على النوم سبع ساعات متواصلة.
- المواظبة على الاستيقاظ دائماً في التوقيت نفسه.