لم يمرّ تحذير رئيس جمعية "جاد" جوزيف حواط من زيادة في حالات "الإيدز" في لبنان مرور الكرام. فقد أحدث تصريحه بلبلة اجتماعية واعتبره بعض المسؤولين والمتابعين "ترهيباً غير موجود" لإثارة هلع غير مبرر.
قد يكون الوقوع في فخ الأرقام سهلاً، لكن بعيداً من الإحصاءات ودقّتها، من المجدي أن نتوقف قليلاً عن واقع فيروس نقص المناعة البشرية في لبنان لسببين: الأول التذكير بأهمية الإجراءات الوقائية في ظل الفوضى الحاصلة في البلد، وثانياً لفتح الباب على فوضى مراكز التجميل غير المرخّصة والشرعية والتي تفتقر أحياناً كثيرة إلى أدنى المعايير المطلوبة.
انطلق جوزيف حواط من تجارب واقعية سُجلت في الآونة الأخيرة في مناطق مختلفة، انطلاقاً من حادثة انتقال عدوى لسيدة كانت تخضع لحقنة تجميل في وجهها وصولاً إلى إقفال مركز لرسم الوشم على طريق زحلة – الفرزل، وتبيّن وجود كمية كبيرة من المخدرات.
حوادث فردية سُجلت تطرح أكثر من علامة استفهام، لن ندخل في حقيقة الأرقام المتداولة عن الإصابات المتزايدة بفيروس نقص المناعة البشرية لأنها غير دقيقة كما تؤكد مسؤولة برنامج HIV في وزارة الصحة، لكننا سننتهز الفرصة للحديث عن فوضى حاصلة قد تُسبب أزمة حقيقية "إذا ظل الملقّ فلتان".
يقول حواط في حديثه لـ"النهار" أنه لم يهدف إلى إثارة الهلع والبلبلة، بل رفع الصوت وتسليط الضوء على المخالفات التي تُرتكب في مناطق عديدة من دون حسيب أو رقيب. ما يقلقه "غياب الرقابة والمتابعة لعمل مراكز التجميل أو مراكز رسم الوشم لاسيما غير المرخصة والتي تعمل من دون احترام المعايير المطلوبة".
يتحدث عن أحد الأسباب الرئيسية لارتفاع الإصابات والتي تعود إلى استخدام الحقن نفسها لأكثر من شخص بهدف التوفير المادي، سواء في هذه الأماكن أو بين مدمني المخدرات، وهو ما يشكّل خطراً جسيماً على الصحة العامة ويساهم في انتشار العدوى بشكل كبير".
في حين ترى مديرة البرنامج الوطني لمكافحة السل وفيروس نقص المناعة البشرية في وزارة الصحة الدكتورة هيام يعقوب أننا "لم نُسجل حتى اليوم انتقال الفيروس من خلال الحقن، وأن 90 في المئة من الحالات تعود إلى العلاقات الجنسية غير الآمنة. وانطلاقاً من هذا الواقع، نؤكد أيضاً أن لا صحة لارتفاع إصابات HIV في لبنان حيث سجل لبنان في العام 2023 نحو 250 حالة، أما العدد التراكمي للإصابات منذ تسجيل أول إصابة في لبنان فيبلغ 2300 إصابة".
ومع ذلك، يشدد كل من حواط ويعقوب على أهمية الوقاية والتوعية، وبرأيهما "على الناس أن يتأكدوا عند زيارة أي مركز تجميل أو وشم من تطبيق المعايير اللازمة وأهمها التعقيم الجيد واستخدام حقنة لمرة واحدة فقط. من حق الشخص أن يطلب ذلك حفاظاً على صحته وصحة العاملين وتفادياً لانتقال أي عدوى أو بكتيريا وليس فقط فيروس الـHIV".
يتخوف حواط من "ازدياد ظاهرتي الإدمان والدعارة وهما عاملان أساسيان لانتقال الفيروسات ومن بينها فيروس الـHIV، أضف إليها فوضى مراكز التجميل غير المرخصة والتي قد تتسبب بزيادة خطر الإصابة. وعليه، انطلاقاً من هذا الواقع أبدينا تخوفنا من ارتفاع الحالات في حال لم يتدارك المعنيون الوضع".
لا يُخفى على أحد أن السياحة الجنسية تنشط ولأسباب كثيرة، التوعية ضرورية بعيداً عن التضخيم والمبالغة. لا يمكن أن نكون مثل النعامة التي تخفي رأسها في التراب ولا أن نُرعب العالم، علينا قول الأمور كما هي والتنبه ودق ناقوس الخطر تفادياً لأي أزمة صحية نحن كنا بغنى عنها.
وليكن الحديث عن الفيروس فرصة للمطالبة بفرض الرقابة على المراكز التجميلية والوشم غير المرخصة، والعلاقات الجنسية غير الآمنة والأهم التوعية حول كيفية الحماية من انتقال الفيروس.
ترى رئيسة جمعية العناية الصحية للتنمية المجتمعية الشاملة "sidc" ناديا بدران أن الأرقام التي صدرت مؤخراً في الإعلام ليست مبنية على واقع علمي أو إحصاءات مؤكدة، لأن واقع انتشار فيروس HIV في لبنان منخفض، إلا أن أعداد الإصابات الجديدة في ارتفاع سنوياً".
وبرغم من الارتفاع السنوي في الإصابات، إلا أنها وفق بدران "لا علاقة لها بالوشم وإنما نتيجة العلاقات الجنسية غير المحمية. ولذلك نشدد دائماً على أهمية عدم استخدام نفس الأدوات من شخص لآخر، أو التأكد من التعقيم الجيد للأدوات قبل استخدامها. أما بالنسبة إلى المخدرات، فهو عامل من العوامل الذي من شأنه أن يزيد خطر الإصابة بفيروس الـHIV".
وانطلاقاً من ذلك، تشدد بدران على أهمية التذكير بالاجراءات الوقائية وزيادة الوعي حول سبل الوقاية على مختلف الأراضي اللبنانية. من المهم أن نعرف أن أي شخص ممكن أن يكون معرّضاً لالتقاط الفيروس، ولكن إذا كان مدمناً على المخدرات أو يقوم بعلاقات جنسية غير آمنة فهو معرّض أكثر لخطر الإصابة. أما بالنسبة إلى الوشم، فمن المهم التأكد من أن الأدوات معقمة واستخدام الحقنة يحصل لمرة واحدة".
وتجدر الإشارة إلى أنه لم يُسجل في لبنان أي انتشار لانتقال الفيروس سواء عبر نقل الدم أو من خلال الأم إلى جنينها.
وعن سبب زيادة الحالات السنوية بالفيروس، فهي تعود وفق بدران إلى "مدى التزام الأفراد بالإجراءات الوقائية، وبالتالي هناك معرفة عن الفيروس ولكن غياب التطبيق للتدابير الوقائية يزيد من خطر زيادة الإصابة. لذلك يجب التشديد على الوقاية خصوصاً في العلاقات الجنسية المسؤولة عن انتقال أكثر من 35 مرضاً جنسياً يمكن معالجتها، في حين أن فيروس HIV هو مزمن ولا يمكن الشفاء منه".
وتكمن الرسالة الأهم في تشجيع الأشخاص على إجراء الفحص المجاني وبطريقة سرّية وتوفير العلاج في حال ثبتت الإصابة بالفيروس، والإبلاغ عن أي حالة اعتداء جنسي لاتخاذ التدابير اللازمة والخضوع للفحوص الضرورية.