كان من المفترض أن يخضع الطفل سلطان غريزي (سنتان و10 أشهر) إلى عملية ختان بسيطة، قبل أن يعود إلى منزله. لكن ما حصل كان صادماً، وكاد يُكلّفه حياته. علامات استفهام كثيرة بقيت من دون أجوبة، والمتابعة ضرورية لما يجري في المستشفيات حتى لا تكرّ سبحة الأخطاء من دون حسيب أو رقيب.
منذ أكثر من 10 أيام، توجّهت عائلة غريزي إلى مستشفى قبرشمون ليخضع طفلها عمر إلى عملية "تطهير". كان من المفترض أن تكون العملية سهلة ومن دون تعقيدات، وأن يخرج الطفل سلطان كما دخل سالماً وضاحكاً، إلا أن كل ذلك لم يحدث، حيث وجد نفسه بين الحياة والموت.
يقول والده عمر "قصدتُ مستشفى قبرشمون لأجري عملية ختان لابني، واتفقنا مع طبيب التخدير أن تكون الجراحة تحت التخدير الموضعيّ تفادياً لأيّ مضاعفات قد تحصل، خصوصاً أن ابني لم يتخطَّ عامه الثالث بعد".
وما اتفقنا عليه اختلف عمّا حصل على أرض الواقع، فلم يخضع الطفل سلطان لتخدير موضعي وإنما لتخدير عام. برأي والده أن "الاتفاق مع الطبيب كان واضحاً. لكنّه في يوم العملية تفاجأنا بأنّه اتّخذ قرار الخضوع لتخدير عام. ومع ذلك، خرج ابني من غرفة العمليات وكان كلّ شيء يجري حسب المتوقع، إلى أن أصبح ابني في غرفته العادية في المستشفى، حيث تذوّقنا الخوف ومعنى الخسارة للحظات قبل أن يُكتب لطفلي عمر جديد".
كان الطفل سلطان ممداً على السرير عندما بدأت ملامحه تتغيّر، وهو يختنق. لم تستوعب عائلته ما يحصل مع ابنها، فعلّت الصرخة في المستشفى. ووفق والده، "سارع الأطباء للكشف عليه، بعد أن كاد يخسر حياته من دون معرفة حقيقة ما حصل. اقتربتُ من المصل بحثاً عن أيّ تفسير طبيّ أو علميّ يبرّر ردة فعل ابني التي كادت تودي بحياته، وكانت الصدمة أن المصل منتهي الصلاحية منذ ثلاث سنوات".
كان وقع الصدمة قوية على العائلة. كيف يمكن وضع مصل منتهي الصلاحية لطفل خرج من غرفة العمليات لتوّه؟ وماذا لو كان ذلك هو السبب في حالة الاختناق التي واجهها سلطان في المستشفى؟ يعترف والده عمر بأن "هذه الحادثة دفعتني إلى التوجّه إلى مكتب الممرضات للإجابة عن أسئلتي، في محاولة مني لاستيعاب كلّ هذه الهفوات الطبية، إلا أنهن لم يتجاوبن معي باعتبار أن ما جرى "ممكن يصير"، وليس له أيّ أثر أو ضرر على صحة ابني".
لم يكن سهلاً على عائلة غريزي أن تتعامل مع ما حصل بـ"الطبيعي والعادي"، وهي التي شاهدت ابنها في حالة خطر حقيقيّة. اتّخذت قرار نقله إلى مستشفى الكرنتينا الحكومي سريعاً، فهو يحتاج إلى مراقبة لمدة 24 ساعة لضمان عدم حدوث أيّ مضاعفات غير متوقعة.
يؤكد والده أن "ما عشناه في تلك الليلة مرعب وقاسٍ. لم نكن نتخيّل للحظة أننا ننتظر الوقت للاطمئنان إلى صحة ابني واجتيازه مرحلة المراقبة الطبية. كان من المفترض أن نخرج بعد الظهر إلى المنزل لنجد أنفسنا في غرفة العناية الفائقة للتأكد من أنه "قطوع ومرق"، ولا خطر على صحة ابني. وما يؤلمنا أكثر أننا لم نحصل على إجابات شافية لما جرى معه. هل هي ردة فعل بسبب التخدير العام أم هي نتيجة المصل المنتهي الصلاحية؟
عاد الطفل سلطان إلى منزله في اليوم التالي، وكُتب له عمر جديد كما يقول والده، إلا أن "صرخته اليوم هدفها عدم تكرار هذه الحادثة مع طفل آخر. لا نريد لأحد أن يختبر ما اختبرناه من خوف وقلق. الأخطاء واردة، والمضاعفات قد تحصل مع أي كان، إلا أننا كنا نتمنى أن يعترف المعنيون بالمسؤولية وأن يتحملوها، بدءاً من قرار إعطائه التخدير العام وصولاً إلى المصل المنتهي الصلاحية".
بعد الاستماع إلى رواية العائلة، كان لا بدّ من الاستماع إلى الطرف الآخر أي المستشفى لتكوين صورة كاملة عما حصل في ذلك اليوم مع الطفل غريزي.
يؤكد مدير مستشفى قبرشمون الحكومي الدكتور عادل سري الدين أن "قرار التخدير العام للطفل غريزي جاء بعد مشاورة الطبيب لوالده وإعلامه أنه سيتم اللجوء إلى التخدير العام الخفيف. استغرقت العملية 25 دقيقة، ومن بعدها بقي الطفل في غرفة الانتظار لمدة 15 دقيقة، وكانت حالته الصحيّة جيّدة. ولكن بعد نقله إلى غرفته، سعل الطفل، ومن المرجح أن يكون هناك "بلغماً" موجوداً أدّى إلى عدم قدرته على البلع ما تسبّب له بحالة اختناق".
لم يتوانَ الأطباء عن تقديم الإسعافات الطبية المطلوبة، حيث أدخل الطبيب إصبعه في فم الطفل، قبل أن يضعه على آلة الأوكسجين لإعادة التنفس بشكل طبيعي. ويتابع سري الدين شرحه قائلاً "استدعي طبيب الأطفال في المستشفى لفحصه، وطلب أن يتم مراقبة الطفل لمدة 24 ساعة. وبالفعل، اتصلنا بمستشفى الكرنتينا لنقله إلى هناك ومراقبته طبياً نتيجة وجود عناية فائقة خاصة بالأطفال".
وعن إعطاء الطفل مصلاً منتهي الصلاحية، يشدّد سري الدين على أن "الطفل خضع لكل الفحوص الطبية اللازمة، ومنها فحص المواد التي دخلت إلى جسمه، ولم يتبيّن وجود أي شيء يدعو إلى القلق. لا أثر لأيّ شيء. وعن فرضيّة أن يكون سبب الاختناق نتيجة التخدير العام، يوضح بأن "حالة الطفل لن تتحسن بهذه السرعة، وسيعاني من عوارض صحية واضحة".
برأي سري الدين أن الطفل خضع للمراقبة كتدبير احترازيّن ولم يكن هناك ما يدعو إلى القلق، وهو في صدد تقديم تقرير طبيّ مفصّل عن هذه الحادثة إلى وزارة الصحة.
وانطلاقاً من كل هذه المعطيات والوقائع، لا يمكن أن نغفل عن الأخطاء والهفوات التي تُرتكب بين الحين والآخر في داخل المستشفيات والعيادات، لكننا لسنا في موقع الاتهام أو الإدانة، وإنما قد تكون هذه الحادثة بداية للمحاسبة وتشديد الرقابة على القطاع الصحي تفادياً لأي كارثة صحيّة أو نهاية مأسوية.