التوتر والضغط النفسي أو الإجهاد المعنوي الذي يُعرف بـ"الـستريس" stress، بات جزءاً لا يتجزأ من حياتنا، ويؤثر على صحتنا العقلية والجسدية. وفي المقابل، ربما لا يعرف كثيرون أنّ البشرة أيضاً تتأثّر بالإجهاد والتوتر، كون دماغنا وبشرتنا مرتبطين ارتباطاً وثيقاً. ولعل المثل الأبسط على ذلك أنه حينما نشعر بالتوتر الشديد نبدأ في الاحمرار أو التعرّق. وهناك مثل إنكليزي معروف عن "اليد الباردة"، ويقصد بها الإشارة إلى مصافحة شخص في حالة توتر شديد، أو حتى إنه واقع تحت الضغط النفسي لحالة حب.
خلُصت دراسة بعنوان "Brain-Skin Connection: Stress, Inflammation and Skin Aging"، إلى أنّ الجلد يتأثر فوراً بالإجهاد النفسي. ويعتبر الجلد أكبر عضو في الجسم، ويؤدي وظائف دفاعية ومناعية مهمة، ويحافظ على التوازن بين البيئة الخارجية والأنسجة الداخلية.
ويؤثر الإجهاد والضغط النفسي بشكل كبير على شيخوخة الجلد، فيما يعتبر التدخين وتلوّث الهواء عاملي ضغط مزمنين وأساسيين يؤثران على شيخوخة الجلد بشكل كبير أيضاً. وثمة حالات مرضية تصيب الجلد وتتأثر بوضوح بالحالة العصبية والنفسية للمُصاب، على غرار الصدفية، حب الشباب، والحساسية والحكة وغيرها.
بحسب الأكاديمية الأميركية للأمراض الجلدية، غالباً ما يعبِّر الجلد عما يحدث داخل جسمك. ويمكن أن يؤدي الضغط النفسي إلى زيادة الالتهاب وإبطاء التئام الجروح والتأثير سلباً على حالات الجلد. وتنتج الغدد العرقية المزيد من الزيت عند التعرض لأنواع من التوتر النفسي، ما قد يؤدي إلى تفاقم حب الشباب لدى الأشخاص المعرضين لظهورها.
ثنائية تفاعلية بين الدماغ والجلد
وكذلك قد يوثر الضغط النفسي كثيراً على كيفية تقدّم بشرتنا في السن، على الرغم من غموض الآليات الدقيقة لذلك التأثير.
ولكن، من المعروف أن هرمونات الإجهاد النفسي Stress Hormones تعمل على تكسير الكولاجين والإيلاستين (مواد موجودة في الجلد مسؤولة عن مرونتها)، ما قد يسرّع عملية الشيخوخة والتسبّب في ظهور المزيد من الخطوط الدقيقة والتجاعيد. وحينما نتعرض لإجهاد نفسي مزمن في العمل أو العلاقات أو الأحداث الجارية، فإنّ الجلد يكون هدفاً لهرمونات الإجهاد النفسي، والتي قد تجعل الجلد أكثر عرضة للحكة والالتهاب والاحمرار والعدوى.
يُعدّ ثنائي الدماغ والجلد مساراً مترابطًا ذا اتجاهين يمكنه ترجمة الإجهاد النفسي من الدماغ إلى الجلد والعكس صحيح، بحسب Harvard Health. إذ يحفز الإجهاد النفسي إنتاج مواد مثل الكورتيزول (الشبيهة بمواد الكورتيزون) وتعمل على إدخال الجسد في حالة "استنفار" شامل، إضافة إلى مجموعة المواد المسمّاة "كاتيكولامين"، وتشمل الأدرينالين والنور- أدرينالين (شبيه بالأدرينالين)، والدوبامين الذي يشتهر بعلاقته مع مشاعر الفرح والإيجابية. وتؤثر تلك المواد أيضاً في الالتهابات التي تصيب الجلد.
ولا يكتفي الجلد بالتأثر بمنظومة الهرمونات التي ينسق الدماغ إفرازاتها وعملها. وربما ليس مشهوراً عن الجلد أنه يؤثر في عمل الدماغ، ما يعني وجود ثنائية تفاعلية بين الطرفين. وقد أظهرت دراسة لجامعة كاليفورنيا نُشرت في العام 2021، أن الجلد يؤثر على مراكز الدماغ المتعلقة بالسلوك والتصرف، والذاكرة والقدرة على التأقلم وغيرها.
ونظراً لأنّ الجلد يتعرض باستمرار للعالم الخارجي، فإنه أكثر عرضة لضغوط البيئة، ويعمل على إنتاج هرمونات التوتر استجابةً لها. ومثلاً، ينتج الجلد هرمونات التوتر استجابةً للأشعة فوق البنفسجية ودرجة الحرارة، ويرسل تلك الإشارات مرة أخرى إلى الدماغ. وبالتالي، يمكن للضغوط النفسية أن تساهم في إجهاد الجلد، ويمكن للضغوط البيئية، عبر الجلد، أن تساهم في الإجهاد النفسي، ما يؤدي إلى إدامة دورة الإجهاد.
الدكتورة زينة طنوس- أستاذة محاضرة ورئيسة قسم الأمراض الجلدية في المركز الطبي للجامعة اللبنانية الأميركية - مستشفى رزق
في علاقة الإجهاد مع البشرة نتحدث عن أمرين. أولاً، حينما يتسبّب المرض الجلدي بالتوتر. فمَن يعاني من أمراض جلدية مثل الصدفية أو الأكزيما أو الحكة المزمنة أو التقرحات الجلدية، يفرز جسمه ما يسمى بالـpro inflammatory cytokines ، وهي مواد تسير إلى الدماغ وتجعله يشعر بالتوتر. ثانياً، حينما يزيد التوتر من الأمراض الجلدية، إذا كان الشخص يعاني من توتر وإجهاد قوي، يفرز جسمه هذه المواد التي تفاقم الأمراض الجلدية الموجودة.
ومن الناحية الجمالية للبشرة، يؤثر الإجهاد على البشرة ويزيد من سرعة شيخوختها، إضافة إلى تأثيره على عمل الهرمونات، ما يؤدي إلى زيادة الكورتيزول في الجسم، والذي بدوره إذا ما زاد في الجسم، يكسّر الكولاجين والإيلاستين في البشرة، وهما مادتان هامتان لبشرة صحية وشابة. فلدى تكسّرهما، تحلّ الشيخوخة المبكرة على البشرة، وتصبح شاحبة وتغيب عنها الحيوية وأحياناً تصبح خشنة.
أيضاً، إذا كان نمط حياة الشخص غير سليم وغير صحي، أي أنّ غذاءه غير متوازن ونومه غير كاف ولا يمارس الرياضة، فهي أمور ترتبط بالصحة العقلية، التي إن لم تكن بحالة جيدة، تزيد من تعب البشرة.
لذا، يجب قدر الإمكان، التقليل من الإجهاد في حياتنا والمضي بنمط حياة سليم، والنوم جيداً. وقد ثبُت أنّ قلة النوم أيضاً تسبّب شيخوخة البشرة. إضافة إلى ذلك، لا بد من الاهتمام بالبشرة عبر استخدام الكريمات المناسبة وأحياناً حسب الحاجة، اللجوء إلى البوتوكس أو الفيلر أو الليزر أو التقشير، لتحفيز عمل الكولاجين والإيلاستين في البشرة والتقليل من شيخوختها.
كيف تخفف من آثار التوتر على البشرة؟
- لا تهمل بشرتك واعتنِ بها، حتى لو كنت متعباً أو متوتراً.
- مارس التمارين الرياضية بانتظام.
- خصص وقتاً لنفسك للقيام بشيء تستمتع به، حتى لو لـ 10 دقائق فقط.
- واظب على المشي.
- مارس تقنيات إدارة التوتر، مثل تمارين التنفس أو اليوغا أو التأمل.
- احصل على قسط كافٍ من النوم، ما بين سبع إلى ثماني ساعات كل ليلة.
- اتبع نظاماً غذائياً متوازناً.