شهدنا على استخدامات مختلفة ومتعددة للتحفيز الكهربائي للدماغ سواء في العلاج النفسي أو في العلاج الطبّي. وقد أظهرت الدراسات والتجارب العلمية أن التحفيز الكهربائي ساعد في معالجة الاكتئاب وتحسين الذاكرة وبعض الحالات النفسية الأخرى.
إذاً، لنقدّم جردة سريعة عن حقائق طبية وعلمية عن التحفيز الكهربائي للدماغ، والحالات التي أثبت فاعليته في التعامل معها.
تقنيات متنوعة لتحفيز الدماغ
ترى الأستاذة المساعدة في الطب النفسي السريري، ومديرة وحدة الطب النفسي في الجامعة الأميركية في بيروت، الدكتورة ريتا الخوري، أن التقنيات المعتمدة للتحفيز الكهربائي، تختلف بحسب نوعها والحالة المرضية المُعالَجة. وفي حديث لـ"النهار"، بيّنت أن لكل تقنية خصائصها وفاعليتها.
01- تقنية التحفيز العميق للدماغ Deep Brain Stimulation /DBS
تستند إلى زراعة أقطاب كهربائية في داخل مناطق من الدماغ، وتكون مهمتها إنتاج نبضات كهربائيّة تؤثر على نشاط الدماغ لعلاج حالات طبيّة عصبيّة أو نفسيّة معيّنة.
وهناك حالات طبية أثبتت تلك التقنية فاعليتها حيالها، واعتُمِدَتْ من قبل "إدارة الغذاء والدواء" الأميركية FDA، وتشمل مرض باركنسون، الاهتزاز الأساسي، الديستونيا، حالات الوسواس القهري الشديدة المقاومة للعلاج التقليدي، والصرع المستعصي.
02- تحفيز العصب المبهم Vagus Nerve Stimulation /VNS
علاج يعتمد على تنشيط العصب العاشر الذي يسمّى المبهم أو الحائر، ضمن عملية جراحيّة مهمتها زرع جهاز تحت الجلد في منطقة الصدر كي يعمل على إرسال نبضات كهربائية عبر العصب العاشر إلى جذع الدماغ.
أثبت هذا العلاج المساعد فاعليته في حالات من الصرع المقاوم للأدوية والاكتئاب المزمن أو المتكرّر المقاوم للأدوية.
03 - العلاج بالصدمات الكهربائية Electroconvulsive therapy /ECT
يعتبر شكلاً آخر من أشكال التحفيز العصبي بواسطة التيار الكهربائي. ويعتبر من أكثر العلاجات فاعلية في الطب النفسي، وقد تصل معدّلات الاستجابة إلى 70 و80 في المئة في حالات معيّنة. يعتمد على توصيل تيار كهربائي محدّد إلى الدماغ عبر قطبين كهربائيين خارجيين للحثّ على نوبة صرع مدّتها دقيقة واحدة تقريباً.
ونجري هذا العلاج مرتين إلى ثلاث مرات في الأسبوع، على مدى أسبوعين على الأقل، ويعمل عن طريق إعادة ضبط المواد الكيمياوية في الدماغ.
ولا يتطلب العلاج أيّ عمليّة جراحيّة، ويقتصر على إعطاء نبضة كهربائية قصيرة للدماغ تحت تأثير التخدير العام من أجل تحفيز نوبة الصرع. أثبت هذا العلاج فاعليته في علاج الاكتئاب والفصام واضطراب ثنائيّ القطب، خاصة في حالات توقّف المرضى عن الأكل أو الشرب، أو في حالات الصلابة التي نراها في حالات الجمود "كاتاتونيا" catatonia والحالات المعرّضة لخطر الانتحار.
04- التحفيز باستعمال التيار المباشر عبر الجمجمة transcranial Direct Current Stimulation /tDCS
يتضمن تطبيق تيار كهربائي منخفض على فروة الرأس بواسطة أقطاب كهربائية تُوضع على سطحها (من غير الخضوع لجراحة دماغ). لا تزال هذه التقنية قيد الدراسة، ولم تحصل موافقة عليها حتى الآن، من قبل "إدارة الغذاء والدواء" لأيّ حالة طبية.
آفاق الاستغناء عن الدواء
تشير التجارب العلمية والطبية المبكرة إلى أنه يمكن لتقنيات التحفيز الكهربائي أن تتمتع بتأثير كبير يشبه تأثير الأدوية، خصوصاً لدى المرضى الذين لم يستجيبوا للعلاجات. فهل يصل التحفيز الكهربائي إلى مرحلة يوازي بها العلاجات الأخرى في معالجة الحالات الطبية، فنصل إلى مرحلة قد نستغني فيها عن الدواء؟
تؤكد الخوري أنه "حتى الآن، لم تتوصل الدراسات البحثية إلى مرحلة يمكن فيها لتقنيات التحفيز الكهربائي أن تحلّ تماماً مكان العلاج الدوائيّ في الاضطرابات النفسية أو العصبية. في الوقت الحاضر، يتمّ استخدام التحفيز الكهربائي كمكمّل، حينما يكون الدواء وحده غير فعّال بما فيه الكفاية، أو يسبّب آثاراً جانبية شديدة. في النهاية، لا تخلو هذه التقنيات من الآثار الجانبية، ولم تثبت فاعليتها على أيّ حالة عصبيّة نفسيّة".
لكن كيف يعمل التحفيز العميق أو الكهربائي للدماغ؟ وفق الخوري "يزرع الاختصاصي في جراحة المخّ والأعصاب أقطاباً كهربائية في أنسجة الدماغ من خلال ثقوب في الجمجمة. وتُجرى جراحة لزرع جهاز لبث نبضات كهرباء منتظمة pacemaker، يُشبه منظّم ضربات القلب الذي يوضع تحت الجلد في منطقة الصدر. ويحتوي جهاز التحفيز العميق للدماغ على البطاريات اللازمة للتنبيه الدماغي العميق. وتتفاوت القوة المستخدمة بحسب طبيعة الحالة الطبية. قد يكون التحفيز ثابتاً لمدة 24 ساعة في اليوم، أو يمكن إيقاف تشغيل مولّد النبضات في الليل وإعادة تشغيله صباحاً من قبل المريض".