الأمعاء البشرية مليئة بالفيروسات، لقد سمعت على الأرجح عن الميكروبيوم- جحافل البكتيريا والكائنات الحية الدقيقة الأخرى التي تعيش في أمعائنا. اتّضح أنّ هذه البكتيريا تحتوي على فيروسات تعيش في داخلها وحولها، ولها عواقب مهمة على تلك البكتيريا وعلينا أيضاً.
يوجد مليارات، وربما تريليونات من هذه الفيروسات التي تُعرف باسم العاثيات، التي تعني باللغة اليونانية "آكلة البكتيريا" التي تكون موجودة داخل الجهاز الهضمي البشري. ويوضح عالم البكتيريا في كليّة الطب في حامعة كولورادو أنشوتز أنّ "علم البكتيريا قد شهد تطوّراً هائلاً في الآونة الأخيرة، ويكافح الباحثون لفهم تنوّعها الهائل".
يشتبه الباحثون في أنّه إذا تمكّن الأطباء من تسخير أو استهداف العاثيات المناسبة، فقد يتمكّنون من تحسين صحة الإنسان، وفق ما نشرت مجلة
smithsonian.
برأي طبيب الأمراض المعدية والباحث في كلية ستانفورد للطب بول بوليكي، أنّ "هناك عاثيات جيدة وأخرى سيئة. لكن في الوقت الحالي، ليس واضحاً بعد عدد العاثيات التي تشغل الأمعاء، ربما واحدة لكلّ خلية بكتيرية أو حتى أقل".
كذلك هناك بكتيريا تحتوي على جينات العاثيات ولكنّها لا تنتج الفيروسات بشكل نشط؛ تعيش هذه البكتيريا حياتها مع الحمض النووي للعاثيات التي تدمج في جينوماتها. في حين أنّ هناك الكثير من العاثيات التي لم تُحدّد بعد؛ ويطلق عليها العلماء "المادّة المظلمة" في عالم العاثيات. يرتكز جزء كبير من الأبحاث الحالية على تحديد هذه الفيروسات والبكتيريا المضيفة لها.
تحتوي قاعدة بيانات العاثيات المعوية على أكثر من 140,000 عاثية، لكنّ هذا الرقم بلا شكّ أقل من الواقع الفعلي. يقول عالم الأحياء الدقيقة في كلية جامعة كورك في أيرلندا كولين هيل "تنوّعها استثنائيّ للغاية".
كيف وجد الباحثون العاثيات؟
يكتشف العلماء البكتيريا العاثية من خلال فحص التسلسلات الجينية المستخرجة من عينات البراز البشرية. هناك وجد الباحثون مجموعة البكتيريا العاثية الأكثر شيوعاً في الأمعاء والتي تُسمّى crAssphage.
في دراسة حديثة، وصف هيل وزملاؤه مجموعة البكتيريا العاثية crAssphage الذي يُشبه المصباح الكهربائي، فهو مكوّن من 20 جانباً وساق لحقن الحمض النووي في البكتيريا المضيفة.
ليس من الواضح ما إذا كانت "crAssphage" تؤثّر على صحة الإنسان، ولكن بالنظر إلى أنّها تصيب واحدة من أكثر مجموعات البكتيريا شيوعًا في الأمعاء، وهي عصوانيات (Bacteroides).
تختلف البكتيريا العصوية بشكل كبير من شخص لآخر. كما تتغير أيضًا حسب العمر والجنس والنظام الغذائي ونمط الحياة، كما وصف هيل وزملاؤه في المراجعة السنوية لعلم الأحياء الدقيقة لعام 2023.
وعلى الرغم من أنّ العاثيات تصيب البكتيريا وتقتلها في بعض الأحيان، فإنّ العلاقة بينهما أكثر تعقيداً من ذلك. يشرح هيل قائلاً "كنّا نعتقد أنّ العاثيات والبكتيريا تتقاتلان، لكنّنا نعلم الآن أنّهما في الواقع يرقصان معاً؛ إنّهما شريكان".
يمكن أن تفيد البكتيريا العاثية عن طريق إدخال جينات جديدة. عندما تتجمع جزيئات العاثية داخل بكتيريا مصابة، يمكنها أحيانًا حشر جينات بكتيرية داخل غلافها البروتيني مع مادتها الوراثية الخاصة.
وفي وقت لاحق، تقوم هذه البكتيريا بضخ هذه الجينات إلى مضيف جديد، وقد تكون هذه الجينات المنقولة عن طريق الخطأ مفيدة، كما يقول دوركوب. فقد توفر مقاومة للمضادات الحيوية أو القدرة على هضم مادة جديدة.
لاحقًا، يقوم الفاج بطرح تلك الجينات في مضيف جديد، ويمكن أن تكون هذه الجينات المنقولة عن طريق الخطأ مفيدة، كما يقول دوركوب. قد توفّر مقاومة للمضادات الحيوية أو القدرة على هضم مادة جديدة.
من جانبه، يرى هيل أنّ البكتيريا العاثية تحافظ على صحة تجمّعات البكتيريا من خلال ملاحقتها باستمرار. ويمكن لبكتيريا العصوانية أن تعرض ما يصل إلى اثني عشر نوعًا من الأغلفة السكرية على أسطحها الخارجية.
تتمتع الأغلفة بمزايا مختلفة: مثل التهرب من جهاز المناعة، أو الإقامة في زاوية مختلفة من الجهاز الهضمي. لكن عندما تكون crAssphages موجودة، يقول هيل، يتعيّن على بكتيريا العصوانية تغيير أغطيتها باستمرار لتفادي crAssphages التي تتعرّف على نوع معين من الأغطية أو غيره.