تعتبر شقائق النعمان البحرية Nematostella vectensis أو بالأحرى "نجم البحر شقائق النعمان"، كائناً شبه مرشّح للخلود. وأخيراً، باستخدام الأساليب الجينية الجزيئية، تمكّن علماء الأحياء التطورية للمرة الأولى من تحديد خلايا جذعية متعددة القدرات في تلك الكائنات البحرية.
وللتوضيح، يطلق تعبير خلايا جذعية Stem Cells، أو خلايا المنشأ، على الخلايا الأولى التي تظهر مباشرة بعد تلقيح البويضة بالحيوان المنوي. إذ يؤدي ذلك التلقيح إلى تمازج بين جينات آتية من الذكر مع نظيراتها الأنثوية، ولأنّ كلّاً من الطرفين يحمل نصف العدد المطلوب للتركيب الوراثي الكامل، تتحول البويضة الملقّحة إلى خلية تامة تتكاثر بسرعة هائلة. وينجم عن ذلك ظهور أعداد كبير من الخلايا، التي تُسمّى جذعية.
وتكمن الميزة الأبرز للخلايا الجذعية في أنها المنبع الذي تأتي منه كلّ أنواع الخلايا التي تكوّن أنسجة الجسم وأعضاءه كلها. وبالتالي، يُشار إلى تلك الخلايا بأنها متعددة القدرات لأنها تستطيع أن تتحول إلى أيّ نوع من الخلايا في جسم الكائن الحيّ. وتستمرّ عملية تحوّل الخلايا الجذعية إلى أنواع الخلايا المختلفة في الجسم، لفترة طويلة. وبالتالي، تعتبر هذه الخلايا مصدراً للتجدّد الحيوي، بمعنى القدرة على أن تتحوّل إلى أيّ نوع من الخلايا التي قد تفقد أثناء مسار الحياة.
وأخيراً، للمرة الأولى، نجح علماء متخصّصون في علم الأحياء التطوري "دفلوبمانتال بيولوجي" Developmental Biology بقيادة أولريش تخناو من جامعة فيينا، في تحديد مُرشَّحين محتملين لأن يكونا مصدراً للخلايا الجذعية المتعددة القدرات في شقائق النعمان البحرية.
ويُنَظَّم عمل هذه الخلايا الجذعية بواسطة جينات تشارك في آليات التطور وتكون محفوظة بشكل قوي ضمن المنظومة الجينية الكاملة للكائن الحي. وفي العادة، تكون تلك الجينات نشطة في البشر خلال تكوّن البويضة والحيوان المنوي، ولكنها تمنح الفصائل الحيوانية القديمة مثل الكائنات البحرية المعروفة باسم "سنيداريان" Cnidarians، وترجمتها اللاسعات، قدرة عالية على التجدد تمكّنها حتى من تجنّب الشيخوخة.
نشرت هذه النتائج في مجلة "ساينس أدفانسز" Science Advances قد توفّر أيضاً رؤى حول عملية الشيخوخة البشرية في المستقبل.
"نعيش بقدر ما تعيش خلايانا الجذعية"، هذه عبارة جريئة إلى حدّ ما لكنها تعبّر بشكل أساسي عن الحقيقة.
في مقال نُشر في موقع Science daily، تسهم الخلايا الجذعية في التجديد المستمر لمختلف الخلايا والأنسجة في الإنسان، مثل خلايا الدم أو الجلد أو الشعر.
إذا فقدت الخلايا الجذعية هذه القدرة أو تراجعت أعدادها مع مرور الوقت، فقد يتعرّض الجسم للشيخوخة.
لذلك، تعتبر الخلايا الجذعية ذات أهمية كبيرة في البحث الطبي الحيوي.
بينما يمكن للبشر ومعظم الفقاريات تجديد أجزاء محددة من بعض الأعضاء أو الأطراف، فإن مجموعات حيوانية أخرى تمتلك آليات تجديد أقوى بكثير.
تتاح هذه القدرة بفضل الخلايا الجذعية المتعددة القدرات التي يمكنها تكوين تقريبًا جميع أنواع الخلايا في الجسم.
في موازاة ذلك، يتمتع نجم البحر، بقدرة تجديدية عالية لأنه يستطيع التكاثر بصورة لاجنسية (من غير ضرورة لاندماج خلايا من الذكر والأنثى) من طريق التبرعم، ولا تظهر عليه أيّ علامات للشيخوخة، ما يجعله موضوعًا مثيرًا للاهتمام لأبحاث الخلايا الجذعية.
ومع ذلك، لم يتمكن الباحثون حتى الآن من تحديد هوية الخلايا الجذعية في هذه الحيوانات. لكن من خلال استخدام الطريقة الجديدة "جينوميات الخلايا الفردية"، تمكّن عالم الأحياء تكنو وفريقه من تحديد خلايا كائن حي معقد بناءً على ملفات التعبير الجيني المحددة الخاصة بها، وتحديد الخلايا الجذعية التي تطورت منها.
وفي هذا السياق، أوضح المؤلف الأول أندرياس دينر من جامعة فيينا أنه "من خلال دمج تحليلات تعبير الجينات على مستوى الخلية الفردية وتقنيات التحول الجيني، تمكّنّا الآن من تحديد مجموعة كبيرة من الخلايا في شقائق النعمان البحرية التي تتطور إلى خلايا متميزة مثل خلايا العصبية وخلايا الغدد، وبالتالي فإنها تعتبر مرشحة لتكون هي الخلايا الجذعية المتعددة القدرات في نجم البحر شقائق النعمان".
وتجدر الإشارة إلى أنها بقيت غير مكتشفة حتى الآن بسبب حجمها الصغير للغاية.
وتبيّن أنّه في الخلايا الجذعية المحتملة في شقائق النعمان البحرية، تظهر الجينات التطورية "نانوس" و"بيوي" المسؤولة عن عمليات تحوّل الخلايا الجذعية إلى الخلايا المتخصصة في التكاثر الجنسي (الحيوانات المنوية والبويضات) في الحيوانات جميعها، بما في ذلك البشر.
من خلال إحداث طفرات محددة في جين "نانوس 2" باستخدام أدوات تعديل الجينات "كرسبر" CRISPR، تمكّن العلماء من إثبات أن هذا الجين ضروري لتكوين خلايا التكاثر في شقائق النعمان البحرية.
ويثبت ذلك أن وظيفة هذا الجين نشأت قبل حوالى 600 مليون سنة لكن المنظومة الجينية تحافظ عليها بقوة، ما مكّنها من الاستمرار في البقاء حتى يومنا هذا.
وفي الدراسات المستقبلية، يعتزم أولريش تكنو وفريقه الآن دراسة الخصائص الخاصة لخلايا الساق في شقائق النعمان البحرية التي قد تكون مسؤولة عن قدرتها المحتملة على الخلود.