الأقلام متراصّة في علبتها، والكتب مصطفّة في الحقيبة، والتلاميذ متأهّبون للانطلاق. وبينما يتوجّهون إلى المدرسة، هناك مجموعة غير مرئية في طريقها أيضًا إلى المدرسة، إنها طوابير قمل الرأس Lice.
مجرّد الكلام عن الموضوع يجعلنا نشعر برغبة في حكّ رأسنا. وعلى رغم صغر حجمه، إلّا أن القمل هاجس الأهل الأكبر، ويثير استياءهم مع بداية العام الدراسي التي تجلب معها ذروة حالات الإصابة بقمل الرأس.
ضيف اجتماعي... أكثر من اللازم
قمل الرأس ليس كائناً فضائياً كما قد نظن، إنه حشرة صغيرة جداً موجودة منذ ملايين السنين. وتفضّل قضاء وقتها بين خصلات الشعر. تشبه في حجمها بذور السمسم، لكنها بالتأكيد ليست لذيذة مثلها! يعيش القمل على فروة الرأس ويتغذى على الدم، تماماً مثل مصاصي الدماء الصغار، ولكن لا تخافوا، لن تحتاجوا إلى الثوم كي تطردوه.
وعلى الرغم من أنها طفيليات حميدة نسبياً، إلّا أن الإصابة بالقمل يمكن أن تسبب عدم الراحة والحكة والعدوى. وفي حالات قصوى، قد يسهم القمل في جنون الارتياب "بارانويا" Paranoia والأوهام المرتبطة بالحشرات. إنها الضيف الذي يأتي من دون دعوة، ولا يغادر بسهولة. ويبدو أن هذا الكائن الصغير قد قرّر أن يصبح خبيراً في إقامة الحفلات في رؤوس الأطفال، خصوصاً مع بداية العام الدراسي!
القمل ليس بارعاً في القفز ولا الطيران مثل بعض الحشرات الأخرى، لكنه يتقن فن التسلق والانتقال بين الرؤوس. فمجرد تلامس شعركم مع شعر صديقكم في المدرسة أو حتى مشاركة القبعات أو فرش الشعر، يعطي القمل بطاقة مجانية لزيارة جديدة ومنزل دافئ جديد! وفي الحقيقة، قد يكون قمل الرأس هو أكثر الحشرات الاجتماعية التي نعرفها.
وعلى الرغم من أن ذلك قد يبدو مخيفاً، إلّا أن القمل ليس من الأشرار المتوحشين كما يُعتقد. وفي تقرير نشره موقع "ناشيونال جيوغرافيك"، يقول ريتشارد بولاك، عالم الحشرات في الصحة العامة في كلية الصحة العامة في جامعة هارفارد: "لا يمتلك القمل جزءاً صغيراً من الصفات التي يعتقد الناس أنها تمتلكها. والقمل غير قادر جسدياً على القفز ولا يطير أو يطور أجنحة".
وفي الواقع، يقول بولاك إنها تنتشر بشكل حصري تقريباً من خلال التلامس المباشر من الرأس إلى الرأس، وحتى هذا بطيء ومحدود. ووفق بولاك، "الطريقة الوحيدة التي يمكن أن ينتقل بها القمل في الهواء هي أن تلتقطه وترميه عبر الغرفة".
"المال يجرّ المال والقمل يجرّ السيبان"
القمل هنا لا يدلّ إلى الكسل، بل يشير إلى قوة الانتشار والتكاثر السريع. وكما أن المال يمكن أن يولّد المزيد من المال عندما يُدار بحكمة، فإن القمل أيضاً يمتلك قدرة غريزية على التكاثر وجلب المزيد من "السيبان" (اللفظ الشائع في المشرق العربي أساساً عن بيوض القمل).
القمل معروف بقدرته المدهشة على التكاثر بسرعة كبيرة في فروة الرأس. تبدأ دورة حياته ببيضة صغيرة تُعرف بـ"السيبان"، تفقس خلال أسبوع تقريباً، لينبثق عنها قمل صغير (حورية) يبدأ في النمو والتغذية على الدم فوراً. وفي غضون أسبوعين، يصبح القمل بالغاً، ومستعداً لبدء دورة تكاثر جديدة، حيث تضع الأنثى البالغة حوالى 6 إلى 10 بيضات يومياً.
وبهذه الوتيرة السريعة، يمكن أن يتحوّل عدد قليل من القمل إلى مستعمرة كاملة في فترة قصيرة جداً، إذا لم يتمّ التعامل معها بسرعة. لذا، إذا وجدتم أنفسكم وسط غزو من القمل، لا داعي للذعر! إليكم بعض النصائح الطريفة للتخلّص من هذا الزائر المزعج:
-حصّنوا شعركم! حاولوا ربط شعركم أو استخدام قبعات ضيّقة. القمل يحب الشعر المنسدل، فاجعلوا مهمّته أصعب!
-إن حدث واكتشفتم أن القمل قد أقام احتفاله في رأسكم، فالتخلّص منه ليس مهمّة مستحيلة. يمكنكم استخدام علاجات القمل الموجودة في الصيدليات، أو الاستعانة بالطبيعة الأم ومكونات منزلية، منها:
- زيت الزيتون أو زيت جوز الهند: يخنق القمل عند وضعه على الشعر، ما يسهل إزالته بالمشط. ضع كمية كافية من الزيت على فروة الرأس والشعر بالكامل قبل النوم، ثم غطّوا الرأس بغطاء استحمام واتركوه طوال الليل. في الصباح، مشّطوا الشعر ثم اغسلوه جيداً بالصابون أو الشامبو.
- الملح يمكنه أن يجفف القمل ويسيطر على انتشاره. امزجوا نصف كوب من الملح مع نصف كوب من الخل، ثم رشوا الخليط على الشعر حتى يصبح مبللاً بالكامل واتركوه لمدة ساعتين مع تغطية الشعر بغطاء استحمام، ثم اشطفوه واغسلوه.
- المايونيز، وهو علاج منزلي شائع، حيث يعمل على خنق القمل. يوضع بكثافة على الشعر وفروة الرأس، ثم يُغطّى الرأس بغطاء بلاستيكي ويُترك لمدة 8 ساعات (أو طوال الليل). بعد ذلك، يُغسل الشعر جيداً ويُكرّر العلاج حسب الحاجة.
- تمشيط الشَعر بدقة: استخدموا مشط القمل بانتظام، واعتبروها فرصة للحصول على تسريحة جديدة كل يوم. يعدّ التمشيط باستخدام مشط خاص بالقمل (ذي الأسنان الدقيقة) من أهم خطوات التخلّص من القمل والسيبان، ويجب تمشيط الشعر بانتظام بعد استخدام أي من العلاجات الطبيعية لضمان إزالة البيض والقمل بالكامل.
في النهاية، تذكّروا أن القمل قد يكون زائراً غير مرحّب به، لكنه ليس خطراً. قليل من الصبر وبعض العناية بالشعر، وسيغادر القمل رأسكم سريعاً، وربما لن يعود مجدداً؛ إلّا إذا كان يحب الحفلات!