لا تحتاج الحضارة المصرية إلى شهادة لإنجازاتها وشموخها. إنها "تستصرخ" الجمهور العربي خصوصاً، لأن يحرّك التفكير النقدي حيال أوهام تنسج حولها، وتُخفض من مكانتها الفعلية عبر مزجها بفبركات ومزاعم منتفخة بعيدة عن المنطق. إنها مثل آخر عن حاجة الجمهور إلى التفكير العلمي النقدي في لحظة يمكن وصفها بـأنّها زمن التخبّط السيبرانيّ.
إنجازات تتحدّى الاستغباء المُهين
تنتصب الأهرامات شامخة تتحدّى عقول البشر بالتعمق في البحوث العلمية عنها. وكذلك الحال بالنسبة إلى المنشآت الهائلة في الأقصر، والأسرار النائمة في التحنيط، والعبقريات المرسومة بألوان تتحدّى الزمن، والمدونات المملؤة بالألغاز، وخرائط الفلك المنقوشة على الحجر، والبرديات المدوَّنَة بأسرار وأفكار تستحثّ الحضارة البشرية على التفاعل معها.
ولا تحتاج حضارة الفراعنة إلى كل تلك الأضاليل التي رصدها أخيراً تقرير موسّع من "وكالة الصحافة الفرنسية"، تناول ما يمكن وصفه بنموذج صارخ عن المعلومات المضلّلة، التي لا يُنسى أنها شكّلت وباءً أثناء جائحة كورونا، دوِّن في ذاكرة الناس تحت مسمّى "وباء المعلومات الكاذبة" أو "إنفوديميك" (Infodemic).
تشمل الأمثلة، التي أوردها تقرير الوكالة الفرنسية، تمثالاً فرعونياً للملك أمنحوتب تحدّى قصف الحلفاء في الحرب العالميّة الثانية، ونجا وحده من القنابل التي هطلت على متحف برلين. وفُبرك قول على لسان ضابط أميركي بأنّ التمثال ليس من صنع بشر. وقد قابلت "فرانس برس" مديرة متحف برلين أوليفيا زرون، التي نفت الرواية جملة وتفصيلاً، مشيرة إلى نجاة آثار ضخمة أخرى، فيما تحطّمت آثار فرعونية كثيرة بسبب ذلك القصف.
وكذلك نقلت "وكالة الصحافة الفرنسية" عن عاصم الدسوقي، وهو أستاذ التاريخ المعاصر والحديث في جامعة عين شمس، وأستاذ علم الاجتماع السياسي المصري سعيد صادق، تقييمهما لتلك الظاهرة. وتقاطع رأيا الأستاذين على أنّ المسألة تتصل بالبشر المعاصرين في مصر ودنيا العرب، وربما تفسّر بأحوال ثقافية وسياسية واقتصادية ونفسيّة لا تخفى على القارئ، لكنها قد تحتاج إلى نقاشات أخرى.