يبلغ حجم النفايات البلاستيكية الموَلَّدَة سنويا في كل أنحاء العالم 400 مليون طن، معظمها يتأتى من منتجات تُرمى بعد دقائق قليلة من استخدامها... لكن فيما يأمل المفاوضون في التوصل سنة 2024 إلى أول معاهدة عالمية لمكافحة التلوث البلاستيكي، تبيّن لوكالة فرانس برس أن الإقبال لا يزال كبيرا على البلاستيك ذي الاستخدام الواحد في خمس دول شديدة الاختلاف، نظرا إلى كونه خيارا عمليا ومنخفض الكلفة، مما يعكس صعوبة تحقيق هذا الهدف.
بانكوك
داخل شارع في بانكوك ينتشر على جانبيه الباعة المتجولون، يصطف العملاء للحصول على مأكولات ماليوان التقليدية الشهيرة.
توضع حلويات مطهوة على البخار - بالأخضر مع أوراق نبتة الباندان أو الأزرق مع بسلة الزهور- في أكياس بلاستيكية شفافة، بجوار صفوف من حلوى بودينغ القلقاس في صناديق بلاستيكية.
يستخدم هذا المتجر الصغير الذي تأسس قبل 40 عاما ما لا يقل عن كيلوغرامين من البلاستيك ذي الاستخدام الواحد يوميا.
وتؤكد مالكة الموقع واتشاراراس تامرونغباتاراكيت البالغة 44 عاما أن "البلاستيك بسيط وعملي ورخيص".
وقد أصبحت أوراق الموز، التي كانت شائعة في السابق، باهظة الثمن بشكل متزايد ويصعب العثور عليها، فضلا عن كونها مرهقة في الاستخدام، إذ يتعين تنظيف كل ورقة وفحصها للتأكد من عدم وجود تمزقات.
بدأت تايلاند في الحد من المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد قبل جائحة كوفيد، وطلبت من تجار التجزئة الرئيسيين التوقف عن توزيع الأكياس المجانية.
لكنّ هذه السياسة ظلت إلى حد كبير حبرا على ورق، ولم يعتمدها باعة الأغذية في الشوارع إلا في ما ندر.
تنتج تايلاند مليوني طن من النفايات البلاستيكية سنويا. ويقدّر البنك الدولي أن 11% من هذه النفايات لا تُجمع بل تُحرق أو تُلقى على الأرض أو في الأنهار والمحيطات.
تسعى واتشاراراس جاهدة إلى وضع مشتريات الزبائن في أقل عدد ممكن من الأكياس، فيما يحضر بعض العملاء حقائبهم القابلة لإعادة الاستخدام.
لكن راديروت ساكولبونغبايسل، إحدى زبائن المتجر منذ 30 عاما، ترى أن استخدام البلاستيك "عمليّ"، رغم إدراكها "تأثيره على البيئة".
لاغوس
في سوق أوباليندي، في وسط لاغوس عاصمة نيجيريا الاقتصادية، تتناثر أكياس مياه فارغة على الأرض.
كل يوم، ترى ليزبيث أجايي العشرات من العملاء يمزّقون أكياس "الماء النقي" بأسنانهم ويشربون منها.
وتوضح هذه المرأة البالغة 58 عاما والتي تبيع زجاجات وأكياس الماء والصابون والإسفنج "هم لا يملكون ثمن شراء المياه المعبأة في زجاجات".
ويباع كيسان سعة 500 ميليلتر بسعر يتراوح بين 50 و250 نيرة (2 إلى 14 سنت الدولار)، مقارنة بـ250 إلى 300 نيرة لزجاجة سعة 750 ميليلترا.
منذ ظهورها في تسعينات القرن العشرين، أصبحت أكياس الماء ملوثا رئيسيا في معظم أنحاء إفريقيا، لكنها لا تزال شائعة للشرب والطهي والغسيل.
وتنتج نحو مئتي شركة الأكياس في لاغوس، ورغم أن مئات أخرى تعيد تدوير البلاستيك، فإن السواد الأعظم من النفايات ينتهي على الأرض، في بلد تقلّ فيه حاويات القمامة العامة ومستوى الثقافة البيئية لدى سكانه ضعيف.
وحظرت لاغوس استعمال البلاستيك الأحادي الاستخدام في كانون الثاني/يناير، لكن تأثير القرار لا يزال محدودا حتى الآن.
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أنه يتم التخلص من ما يصل إلى 60 مليون كيس ماء كل يوم في نيجيريا.
ريو دي جانيرو
كل يوم، يسير باعة على رمال بعض من أجمل الشواطئ في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية، حاملين حاويات معدنية مليئة بالمتة، وهو مشروب يشبه الشاي.
توزّع هذه المشروبات المجمدة الممزوجة بعصير الفاكهة في أكواب بلاستيكية للمتشمسين الذين تزدحم بهم الواجهة البحرية.
يقول ارتور جورجي دا سيلفا البالغ 47 عاما، الساعي لجذب العملاء إن "شرب المتة جزء من ثقافة ريو دي جانيرو".
وهو يدرك التأثير البيئي لأبراج الأكواب البلاستيكية، في دولة احتلت المرتبة الرابعة في إنتاج النفايات البلاستيكية في عام 2019.
لكنه يوضح لوكالة فرانس برس أن إيجاد بدائل بأسعار معقولة "دونه صعوبات".
ووفقا له، فإن بائعي المتة على الشاطئ يستخدمون البلاستيك منذ فترة طويلة.
وهو يدفع دولارا واحدا مقابل برج يضم 20 كوبا، فيما يتقاضى من العملاء 1,80 دولار لكل مشروب.
تستقبل صناديق القمامة على طول شواطئ ريو حوالى 130 طنا من النفايات يوميا، لكن البلاستيك لا يخضع للفرز، ويعاد تدوير 3% فقط من النفايات البرازيلية كل عام.
وتؤكد إيفلين تالافيرا (24 عاما)، أنها تبذل قصارى جهدها للتنظيف عندما تغادر الشاطئ. وتقول "نحن بحاجة إلى الاهتمام بكوكبنا، والتخلص من النفايات، والحفاظ على نظافة البيئة".
وقد حُظرت الشفاطات البلاستيكية في مطاعم ريو وحاناتها منذ عام 2018، ولم تعد المتاجر مطالبة بتوفير الأكياس البلاستيكية مجانا، رغم أن الكثير منها لا يزال يفعل ذلك.
ويدرس الكونغرس البرازيلي أيضا تشريعا يحظر جميع المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد.
باريس
في فرنسا، البلد الذي يحظر الكثير من المنتجات البلاستيكية منذ سنوات، من المؤكد أن الأكواب وقش الشراب والشوك البلاستيكية قد اختفت تقريبا، لكن ثمة منتج لا يزال يقاوم هذا المصير: الأكياس.
وفي سوق أليغر في باريس، يوجد حوالي عشرين كشكا تتشابه في ما تقدمه: فواكه وخضروات والكثير من الأكياس البلاستيكية.
يشتري لوران بيناسير، الذي يعمل بستانيا منذ 35 عاما، مستلزماته "في صناديق تحتوي على 2000 كيس، بسعر 24 يورو للواحد، وهي تكفيني لمدة أسبوع".
ويحمل معظمها علامة تؤكد أنها "قابلة لإعادة الاستخدام ولإعادة التدوير بنسبة 100%". فعلى الرغم من حظر الأكياس البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد في فرنسا منذ عام 2016، لا يزال من الممكن توزيع الأكياس القابلة لإعادة الاستخدام (المصنوعة من البلاستيك السميك قليلا)، أو الأكياس "ذات المصدر الحيوي" أو القابلة للتحلل.
تقول ناتالي غونتار، من المعهد الوطني للبحوث في الزراعة والغذاء والبيئة، إن "المصدر الحيوي (الذي يعتمد على مواد خام طبيعية) ليست له أي اهمية على الإطلاق. لكن المهم هو قابلية التحلل الحيوي في الظروف الطبيعية".
وفي السوق، يتقاذف التجار والسكان المحليون المسؤولية. ويقول لوران بيناسير بأسف "في باريس، الجميع يطلب منا الأكياس، كنت قد توقفت عن استخدامها، لكن مع استمرار الجيران في ذلك، كان علي أن أعاود استعمالها".
توجد بدائل للبلاستيك، مثل أكياس ورق الكرافت (وهو نوع من الورق القاسي المضاد للماء). لكن "الكيس البلاستيكي يبقى عمليا، إذ يجنّبنا تناثر الأشياء في كل مكان"، وفق كاترين ساليه، وهي من السكان المحليين وتبلغ 80 عاما.
دبي
في مطعم "ألو بيروت" في دبي، تتكدس حاويات بلاستيكية في انتظار تعبئتها بالطعام وتوصيلها للزبائن في جميع أنحاء المدينة.
ويؤكد مدير التوصيل في المطعم محمد شنان "نتلقى تقريبا بين 1000 و1200 طلبية يوميا بالفرع الواحد"، مضيفا "لدينا علب بلاستيكية وأخرى مصنوعة من كرتون"، لكن "أغلب الأكل يخرج (للتوصيل) في عبوات بلاستيك لأن طريقة غلقها مُحكمة أكثر من الكرتون ويمكن المحافظة على الطعام داخلها".
وفي ظل إحجام السكان عن المشي في اوقات كثيرة بسبب الطقس الحار، يعتمد سكان دبي البالغ عددهم 3,7 ملايين نسمة على خدمة التوصيل للحصول على منتجات شتى، من الوقود إلى القهوة.
يُنتج سكان دولة الإمارات العربية المتحدة واحدة من أكبر كميات النفايات للفرد في العالم، ويشكل البلاستيك ذو الاستخدام الواحد 40% من إجمالي البلاستيك المستخدم في الدولة.
منذ حزيران، حُظرت الأكياس البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد وعناصر مماثلة عدة، على ان يشمل الحظر الحاويات المصنوعة من البوليسترين العام المقبل.
يعتزم "الو بيروت" استخدام العبوات الكرتونية في توصيل الطعام، في خطوة ترحب بها زبونة المطعم يمنى أسمر.
وتقر أسمر بأنها صُدمت من حجم البلاستيك المتراكم في صناديق القمامة لديها بعد عطلة نهاية اسبوع مليئة بالطلبات العائلية.
وتوضح "أقول لنفسي إنه إذا فعل الجميع الأمر نفسه، فستكون (كمية المخلفات) كبيرة".