في ظل تزايد وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، اتُخذت كل الإجراءات اللازمة في القطاع الصحي لزيادة الجهوزية تحسباً لأي تطورات ممكنة. ووضعت وزارة الصحة العامة خطة طوارئ صحية للتعامل مع أي حالة طوارئ، وفي الوقت نفسه تمكين المواطن اللبناني من الحصول على الخدمات الصحية الأساسية.
في المقابل، إن ما حصل أمس لم يكن بالحسبان، والخرق الأمني الذي حصل تسبّب بآلاف الإصابات بين المواطنين وتوافدها إلى المستشفيات اللبنانية دفعة واحدة نتيجة تفجير أجهزة "البيجر" التي كانت بحوزتهم. على الفور، حصلت حالة استنفار في المستشفيات في مختلف المناطق اللبنانية، ورفعت مستوى استعداداتها لتلبية الحاجة السريعة إلى خدمات الطوارئ الصحية.
في المقابل، أعاد هذا الحدث الأمني إلى الذاكرة كارثة انفجار المرفأ وحالة الطوارئ الصحية التي أظهرت جهوزية القطاع الصحي من جهة، وثغرات معينة فيه وفي قسم من المستشفيات من جهة أخرى. والسؤال الذي يُطرح اليوم، هو ما إذا كانت خطة الطوارئ الصحية التي وضعت قد أتت على قدر التوقعات، واستطاعت أن تلبّي هذه الحاجة الطارئة إلى التحرك السريع في القطاع الطبي للتعامل مع آلاف الإصابات المتشابهة.
العيون مستهدفة والوفيات أقل من 2 بالألف
في إحدى التحديثات عن أعداد الإصابات قدّمها وزير الصحة فراس الأبيض في مؤتمر صحافي عقده (أمس)، أعلن عن 12 شهيداً و2800 جريح، مؤكّداً أن حجم الضربة كان كبيراً ولم يسبقها أي إنذار، بحيث امتلأت المستشفيات بـ2700 جريح خلال نصف ساعة وحتى قبل أن تتبين حقيقة ما يحصل في البلاد. ومن المتوقع أن تسبب حالة طارئة ومفاجئة مماثلة ارتباكاً في أي نظام صحي في العالم. كذلك أشار الوزير إلى أن خطط الطوارئ الصحية التي وضعت واستعدادات المستشفيات للتعامل مع أي حالة طارئة والتدريبات للأطقم الصحية في الأشهر الأخيرة، ساهمت في التعاطي بفاعلية مع هذا الوضع، وتحقيق ردة الفعل المناسبة لإنقاذ أكبر عدد ممكن من المصابين الذين كانت إصابتهم خطيرة، وهم كثر.
لذلك، كان عدد الشهداء أقل من 2 في الألف، في كارثة كان ممكناً أن تحصد المزيد من الأرواح.
على الأرض، استطاعت المستشفيات تلبية النداء والاستجابة بفاعلية في ظل هذا الوضع الطارئ على إثر الاستعدادات المسبقة.
وفي الوقت نفسه، برزت ثغرات ساهمت في زيادة التحدّيات في هذه الظروف المفاجئة وغير المعتادة التي وضعت فيها. هذا ما أكّدته إدارة مستشفى المقاصد في حديث مع "النهار". وبالفعل كانت قد اعتمدت خطة الطوارئ التي وضعتها وزارة الصحة العامة كخطة كوارث، بما أن البلاد في حالة حرب ولا بدّ من الاستعداد لأي طارئ.
على إثر ذلك، حصل فرز بحسب طبيعة الحالات، وما إذا كانت طارئة أو أقل خطورة، ومن الممكن تأجيل العملية. كان هناك تنظيم واستعداد تام لتلبية النداء، وقد وصل إلى المستشفى 35 إصابة، فيما نُقلت 5 إصابات إلى مستشفيات أخرى لديها قسم متخصص في جراحة العيون. فأجريت عمليات طارئة وأخرى تأجّلت. لكن مما لا شك فيه، أن النقص في عدد الجرّاحين هو التحدّي الأكبر الذي واجهه مستشفى المقاصد، لأن الإصابات متماثلة وهي في العيون أساساً. وقد لا يتخطّى عدد الجرّاحين من هذا الاختصاص الاثنين عادة. إلّا أنها كانت حالة طارئة غير مألوفة، وكان من الصعب التعامل معها في أي مستشفى في لبنان.
عانى الشعب اللبناني ضربة إسرائيلية غير مسبوقة (النهار)
إصابات متشابكة ومتشابهة
في المركز الطبي للجامعة اللبنانية الأميركية - مستشفى رزق، بدا المشهد مماثلاً، وفق ما أوضحه المدير الطبي للمستشفى الدكتور جورج غانم، الذي أشار إلى أن هناك جهوزية تامة في المستشفى، وقد وُضعت خطط طوارئ واتُخذت كل التدابير اللازمة. لذلك، بمجرد استنفار الحاجة إلى الجهوزية، جرى تفريغ الطوابق وطوارئ المستشفى، واستُدعي الطاقم الطبي كاملاً لاستقبال المصابين. وحتى أن عدد الإصابات كان أقل بكثير من ذاك الذي سُجّل لدى انفجار مرفأ بيروت. في المقابل، لم يستطع المستشفى استقبال حوالى 7 إصابات لعدم القدرة على الاستيعاب. ولم تكن المشكلة في القدرة الاستيعابية في المستشفى بل في تشابك الإصابات. فالصعوبة الأساسية التي كان لا بدّ من مواجهتها كانت أن الإصابات متماثلة، وهي نفسها كلها وتتعلق بإصابات في اليدين والعيون، وكان من الصعب تأمين هذا الكمّ من الأطباء المتخصصين، ما زاد من التحدّيات.
توزعت العمليات بين تلك التي أجريت للعيون وتلك التي تعاملت مع اليدين، إضافة إلى عمليات البتر، فيما كانت الإصابات متنوعة في انفجار المرفأ.
وبحسب غانم، على الرغم من الجهود التي بذلتها الوزارة كان من المفترض توزيع الإصابات على عدد أكبر من المستشفيات ولو خارج بيروت.
وكذلك برزت صعوبة كبرى في تحويل المصابين، بما في ذلك تلك التي جاءت من مستشفيات أخرى، باعتبار أن مستشفى رزق متخصص في جراحة العيون ويمكنه التعاطي مع حالات إصاباتها. واستكمالاً، لو وزعت الإصابات على مزيد من المستشفيات بدلاً من التركيز على مستشفيات معينة، لكانت الأمور أسهل بكثير.
الاستفادة من العمليات
يوضح غانم، أن القرار اتّخذ بإجراء العمليات مباشرة من دون تأجيل، فأجريت ليلاً مع معالجة آنية للإصابات، واعتُبر ذلك الأنسب. وقد وصل قسم من هذه العمليات إلى البتر وفقدان العيون، ما يعني أن بعض الإصابات استعصت على المعالجة.
وكانت هذه الخطة قد وضعت منذ انفجار المرفأ مع تدريبات بالتعاون مع الصليب الأحمر والدفاع المدني ووزارة الصحة وغيرها من الهيئات المعنية، لتكون هناك جهوزية تامة. حتى أن المستشفيات المدرّبة درّبت مستشفيات أخرى في فترة سابقة.
كذلك يشير غانم إلى أن المستشفى لديه تجهيزات تكفي لمدة 6 أشهر ولا مشكلة في ذلك، بحيث يمكن تحمّل الأعباء. لكن تبقى مسألة التوسع في توزيع الإصابات على المستشفيات من الخطوات الأساسية التي يجب أخذها في الاعتبار في ظل حالة طارئة مماثلة.
في سياق متصل، أوضح مدير الطوارئ في مستشفى "أوتيل ديو دو فرانس" الدكتور أنطوان الزغبي، أنه كانت هناك جهوزية تامة واستعداد في المستشفى لحالات طارئة مماثلة. وقد وضعت خطة طوارئ مع فرز مباشر وآني للحالات، خصوصاً أن المستشفى مرّ بحالات عديدة مماثلة.
في المقابل، يبقى عنصر المفاجأة والمعطيات الخارجة عن التوقع، ماثلاً باستمرار في الحالات الطارئة. وما لم يكن المستشفى مستعداً له هو التعامل مع هذه الإصابات المتشابهة في الرأس والعين واليدين. وبشكل مباشر، حدث فرز للإصابات بحسب معدل خطورتها، وفق خطة الكوارث الموضوعة، بهدف تأجيل العمليات القابلة للتأجيل إذا لم تكن طارئة. وكان الطاقم الطبي حاضراً بالكامل من أطباء وممرضين وتخدير. وأدخل 80 مصاباً إلى المستشفى وأجريت 25 عملية، ومن المفترض إجراء 35 أخرى ليلاً. أما الثغرات الموجودة حكماً فمن الممكن العمل على تصحيحها توصلاً إلى استجابة أشدّ فاعلية.