بعدما أثّرت الأزمات التي يمرّ بها بلدها على مسار شغفها، بدءاً من جائحة كورونا وصولاً إلى انفجار مرفأ بيروت وما رافقهما من أوضاع سياسية واقتصادية صعبة، انتقلت المخرجة الشابة شيرين خالد من بيروت إلى نيويورك، وقرّرت أن تدير الكاميرا على نفسها وعلى المدينتين لتخرج بفكرة تصوير فيلم من بُعد، وتنفيذ تفاصيله إخراجياً عبر تطبيق "Zoom".
وبالرغم من أنّ المسرح كان دائماً حبّها الأوّل، فإنّ داخلها كان يفرح أكثر عندما تكون في موقع التصوير. وما حصل مع شيرين أنه تزامناً مع اندلاع "ثورة 17 تشرين الأول" في لبنان، أدركت أنها تعمل على تحقيق أحلام الآخرين بدلاً من التركيز على أحلامها بعد عملها الإنتاجي السابق في برنامج "ذا فويس". لذلك قرّرت توسيع آفاقها، واكتشاف نفسها في عوالم جديدة، وأوصلها إصرارها على أن تصل إلى الفوز بمنحة في "The New School"، فوضّبت أمتعتها وغادرت لبنان كما يفعل كثيرون باتجاه نيويورك.
وبدل الهرب من بيروت وانكساراتها، أتت المخرجة الطموحة إلى الولايات المتحدة الأميركية وجلبت بيروتها معها، هذه المدينة التي تربطها بها علاقة مضطربة، فباتت تحبّها أكثر عندما تكون بعيدة عنها.
باكورة الانطلاقة الجديدة أتت متمثلة بفيلم عن بيروت. وسيكون الفيلم مرشّحاً للمشاركة ضمن فيلم طويل في نيويورك، بالتعاون مع مخرجين من بلدان عدّة: فرنسا، بلجيكا، هونغ كونغ، الهند، فنزويلا، لوس أنجلوس، بيروت. العمل من كتابة وإخراج شيرين، وتمّ تصويره في لبنان من بعد، من دون أن يبتعد عن الحالة التي تعيشها بيروت.
يشارك فيه نخبة من الممثلين اللبنانيين: ندى أبو فرحات، مجدي مشموشي، عالية خالدي، أنجو ريحان، طارق تميم، ربيع الزهر. وقد عمل على تنفيذه في بيروت كلّ من مصوّرة الأفلام ألسي حجار، المخرج السينمائي إيلي كمال، مساعد المخرج جان كلود بولس، المنتج جاد نعمة، المنتج ماريو حداد، المصوّر جورج بو رزق، مصمّمة الأزياء Rouba G، فانيسا خطّار وفريق عمل يفوق الـ30 شخصاً.
تنوّه شيرين بجهود فريق العمل في بيروت وفريق العمل في نيويورك بإشراف المخرج Vladan Nikolic، وتقول في حديث لـ"النهار": "يمثّل الفيلم الأداء الأروع للممثلين المتألّقين، ويمكن وصفهم بنجوم على الأرض، إضافة إلى فريق العمل الذي وصل الليل بالنهار للارتقاء بالعمل نحو التمّيز".
تضع شيرين حالياً لمساتها الأخيرة على الفيلم لجهة المونتاج، وتفخر لدى الكلام عن التحدّي الذي خاضته بثقة عالية خلال تولّيها إخراج العمل الذي تمّ عبر تطبيق "زوم" (Zoom)، بالرغم من فارق التوقيت الكبير بين لبنان وأميركا وأزمات البنزين والإنترنت... وتعترف: "هو قرار جريء. لكن إيمان المخرج Vladan Nikolic بقدراتي، وإيماني في المقابل بفريق العمل والممثلين، جميعها عوامل وُجدت لتحفّزني على المضي في تنفيذ هذه المغامرة بين بيروت ونيويورك".
يختصر الفيلم هذه الازدواجية المنتشرة في حياة الإنسان اليوم، فقد مرّ عليه الكثير من الانحدارات كجائحة كورونا، والحروب، والأوضاع السياسية والاقتصادية المعيشيّة غير المستقرّة؛ لهذا السبب حمل نفساً حقيقياً بأحداثه التي صوّرت في الجمّيزة الشاهدة على الدمار الكبير الذي نزل ببيروت.
تقول الممثلة عليا خالد في أحد مشاهد الفيلم: "اشتغلنا 40 سنة حتى يروح عمرنا على كروز دخان". اقتباس واقعي يقدّمه الفيلم لينتقل إلى حوار بين ندى أبو فرحات العالقة في بيروتها فيما تنتظر ابنتها قدومها إلى أميركا. وهنا يحاكي الفيلم مشهديات تضيء في رمزياتها على ما يجري في بيروت من عقبات عثّرت حياة كثر كمشكلة جوازات السفر ودمار بيروت وصولاً إلى قوارب الموت في طرابلس وتربّص المواطن اللبناني بالأخبار اليومية التي تزيد حياته تعقيداً. لذلك أتى الفيلم ليقدّم عيّنة من حالة اجتماعية يهيمن على مشاهدها عنصر الإحساس وسؤال مفتوح يُطرح: "وبعدين؟ باقي أو فالل؟".
تتحدّث شيرين عن طفلها الأول في نيويورك بشغف، وتلفت إلى أنّ نقطة قوة العمل في نصّه، بعدما استحضرت ذاكرتها الموجودة في بيروت مع عائلتها: "كلّ شيء سيكون عن بيروت. عائلتي لا تزال في لبنان، ولا أستطيع أن أسلخ هذه الذاكرة الوجدانيّة عن أعمالي المقبلة. والمضحك المبكي في الأمر أنّ الفيلم وصل من بيروت وأفراد عائلتي بعدن ما وصلوا".